العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ

من أجل مواطنة خليجية متساوية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أشكر الأخت سوسن كريمي على البحث الرائع حول الهوية الخليجية، «مستقبل مجلس التعاون الخليجي البعد الاجتماعي»، متخذةً من الهوية البحرينية في أوساط الشباب موضوعاً لبحثها الميداني، وأنا أتفق مع معظم ما قدمته من معطيات واستنتاجات، وأود أن أضيف بعض الملاحظات والتي أشارككم بها في ضوء إلغاء اجتماعنا، الدورة 35 لمنتدى التنمية في دبي، في الفترة ما بين 6 ـ 7 فبراير/ شباط الجاري.

كانت هناك مؤشرات لتبلور شخصية خليجية في الخمسينات والستينات في ظل المد القومي التحرري الذي عززته ثورة 23 يونيو 1952، حيث أثرت وتفاعلت النخب والجماهير الخليجية مع الحركة القومية حينها والتي طرحت أهدافاً قومية تحررية، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، وتحرير البلدان العربية من الاستعمار والأحلاف، والنضال لتحقيق الوحدة الخليجية والوحدة العربية.

وتجلى ذلك في منطقة الخليج والجزيرة العربية في دعم عبد الناصر لثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن ونظامها الجمهوري، وفي مواجهة تحالف الإمبريالية والرجعية الساعية لإعادة النظام الإمامي، وفي منطقة الخليج، دعم الحركة التحررية الخليجية، ومنها ثورة الإمامة في عُمان في مواجهة الاستعمار البريطاني، والأطماع الشاهنشاهية في الخليج، والتأكيد على عروبة الخليج، واستطراداً التأكيد على الهوية العربية الخليجية، ودعم التطلعات المشروعة لإقامة اتحاد خليجي واحد.

وبالنسبة للدور المصري، لم يقتصر على الدعم السياسي والإعلامي، بل تجلّى بإمداد بلدان الخليج حتى وهي واقعة تحت الحماية البريطانية، بالكوادر المصرية، خصوصاً بعثات التعليم المصرية واستقبال طلبة الخليج على حساب مصر في معاهدها وجامعاتها، واستضافة القاهرة لمكاتب حركات التحرر الخليجية والمنظمات الأهلية.

المهم هو أنه في معمعان النضال التحرّري الخليجي من أجل تصفية الاستعمار البريطاني والتصدّي للأطماع الشاهنشاهية وبناء الوحدة الخليجية، فقد بدأت تتشكل ملامح هوية خليجية، تؤكد على القواسم والملامح والصفات المشتركة.

ولقد صهرت التنظيمات السياسية القومية والتقدمية المناضلين الخليجيين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عددٍ من المنظمات الأهلية، خصوصاً الطلابية في الخارج، ومثالها كونفدرالية طلبة الخليج والجزيرة العربية في بيروت في الستينات، واتحاد طلبة الخليج في الولايات المتحدة في الثمانينات وغيرها.

لكن الذي حدث مع تنفيذ المشروع البريطاني بالانسحاب من شرق السويس بحلول العام 1971، هو أن محصلة المخطط الغربي والابتزاز الإيراني، وتخلّف الأنظمة وضعف القوى الثورية في الخليج، في ظل هزيمة المشروع القومي في يونيو 1967، وصعود أنظمة النفط فيما يعرف بـ «الثروة التي أكلت الثورة»، قد أدّت هذه العوامل بالنتيجة إلى تقزيم مشروع الاتحاد الخليجي التساعي، والتأسيس لمزيدٍ من الشرذمة والكيانات السياسية.

وفي ظل هذا الوضع، فإن الأنظمة الخليجية عمدت إلى محاولة إضفاء الشرعية على الكيانات الجديدة، التي عملت على تعزيز الهويات المحلية، فاخترعت تاريخاً مميزاً لكل كيان، وصفات مميّزة لـ «إنسانها»، حيث أضحينا نسمع عن الإنسان الكويتي والإماراتي إلى آخر المعزوفة.

لكنه وأمام مخاطر صعود كيانين إقليميين كبيرين متهورين، وهما إيران والعراق، ودخولهما في حرب ضروس، فقد ارتأت الأنظمة الخليجية وحلفاؤها الغربيون، ضرورة إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في مايو/ أيار 1980، ليس لتوحيد بلدان الخليج فعلاً في دولة واحدة، وتطوير الهوية الخليجية العربية، وتعزيز قيمة المواطنة الخليجية المتساوية، لأن ذلك يحتاج لمشروع بديل تماماً، بل لتكريس التجزئة الحالية فكل حاكم حرٌّ في بلده وشعبه، ومن هنا أخفق مجلس التعاون الخليجي فعلاً في التعبير عن تطلعات المواطنين الخليجيين.

وجاءت طامة التغيير الديمغرافي الكاسح، وتحوّل المواطنين الخليجيين إلى أقلية، بل أغراب في بلدانهم، ليجعل المواطن الخليجي كائناً نادراً.

وفي إطار السياسات الخليجية التي دمّرت الهوية الوطنية والخليجية، كانت هناك حركة تعمل تحت السطح في أوساط العديد من شباب الجيل الجديد في الخليج، وتجلت بقوة فيما عرف بانتفاضة الربيع العربي في 2011 حيث تأثرت بها بعض دول الخليج.

إن الآلاف من الشباب والشابات الخليجيات، وعلى الرغم من كل سياسات التغريب والتضليل الإعلامي، يعيشون فيما بات يعرف بعالم «القرية الواحدة»، وقد امتلكوا الوعي السياسي الديمقراطي والحقوقي، وملكوا ناصية التكنولوجيا، وبدأوا فعلاً في بناء حركات تناضل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحديث. وقد شبّك هؤلاء علاقات مع نظرائهم في البلدان الخليجية الأخرى، دون حساسية، وكذلك مع نظرائهم في البلدان العربية والأجنبية.

وتجلّت هذه الروابط الخليجية في عدد من الشبكات والتنظيمات، ومنها المنتدى الخليجي لمنظمات المجتمع المدني، ومركز الخليج لحقوق الإنسان وغيرها، كما تجلت في حملات التضامن الخليجي مع النشطاء السياسيين والحقوقيين، حيث نشهد انخراطاً لا سابق له من قبل الخليجيين، وخصوصاً الشباب في هذا المجال، ومواكبتهم ما يجري في الوطن العربي والعالم.

إن من أهم إفرازات هذا النضال المشترك، هو عملية تشكل هوية خليجية ذات سمات عربية وديمقراطية وتقدمية وحداثية، نقيضة للعصبيات القبلية والمناطقية والطائفية. وبالنسبة لمشروع الاتحاد الخليجي المقترح من قبل البعض، فهو مهدد بعدم النجاح، ليس فقط لقصوره عن تقديم صيغة متطوّرة لمجلس التعاون الخليجي الحالي والذي هو قاصر بالأساس، بل لرفض سلطنة عمان الصريح له، ورفض الكويت وقطر والإمارات مواربةً.

إنني آمل أن يخطو منتدى التنمية خطوةً في النهوض بدوره لا كتجمع سنوي للتنمية الخليجية فحسب، وإنّما كفاعل في النضال من أجل التحدي الديمقراطي في الخليج وبناء المواطنة الخليجية المتساوية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4172 - الجمعة 07 فبراير 2014م الموافق 07 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً