العدد 4185 - الخميس 20 فبراير 2014م الموافق 20 ربيع الثاني 1435هـ

النجار: «الاستقطاب الطائفي» نتاج فشل الدولة في تطوير المجتمع والانتقال للدولة الحديثة

باقر النجار: الخروج من الاستقطاب لا يمكن أن يتم دون حلول سياسية  - تصوير محمد المخرق
باقر النجار: الخروج من الاستقطاب لا يمكن أن يتم دون حلول سياسية - تصوير محمد المخرق

رأى أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة البحرين باقر النجار أن مسائل الوحدة الوطنية أصبحت تمثل ركناً رئيسياً في خطاب كل القوى الفاعلة في المجتمع العربي على مدى السنوات الثلاث الماضية نتيجة للتشظي والانفلات غير العادي للهويات الفرعية، فهناك حديث متزايد عن الحاجة لوحدة وطنية، فالعولمة أطلقت هذه الهويات وسمحت لها أن تعبر عن وجودها، والدولة العربية لم تعد دينية بتلك القوة التي كانت في التسعينات، وأصبح هناك قوى جديدة ووسائط جديدة يعبر فيها الأفراد عن الكثير من مواقفهم التي لم يكن يجرأوا في أن يعبروا عنها في السابق.

الكثير من الدراسات، يتحدث النجار، تشير إلى أن هناك مجموعة من الأسباب، وبعضها يقترب من الحالة البحرينية بشكل أو بآخر، وهي أسباب يشار إلى أنها من الممكن أن تؤثر على حالة الوحدة الوطنية أو هي أسباب مهددة لحالة الوحدة الوطنية، ولربما واحد من أهم هذه الأسباب هي غياب أشكال متطورة من التشاركية السياسية التي تقلل من حجم احتكار السلطة وبالتالي، تقلل من درجة الاستبداد السياسي، أما النقطة الأخرى فهي غياب أشكال أو تبني قنوات معينة يتم من خلالها التوزيع العادل للثروة والقوة في المجتمع.

آليات التحشيد السياسي

وفي الكثير من المجتمعات، يتم توزيع القوة والثروة يتم وفق أسباب ذاتية قبلية مذهبية طائفية دينية جهوية، وكما أشار فخرو، فإنه في العقود الأخيرة، كان هناك قوة غير عادية للإسلام السياسي في المنطقة العربية، لكنه لم يطور خطابه بالدرجة التي يتجاوز فيها طرح الأطر المذهبية، وبالتالي، يصبح الدين أو المذهب أو الطائفية بالنسبة لهذه القوى السياسية واحداً من أهم آليات التحشيد السياسي، والتسبب في إثارة النعرات المذهبية.

ويؤكد النجار على أن القوى المختلفة داخل المجتمع البحريني، والمجتمع العربي بشكل عام، تعيش غياب أفق الحوار بل تعيش حالة من غياب إمكانية الوصول إلى توافقات معينة، والتوافقات تتطلب دائماً من الأطراف المختلفة أن يكون هناك تنازل لبعضها البعض، وهناك تصور آخر وهو تخيل السني أو الشيعي أو الكردي إلى آخره من التسميات هو العدو! وبالتالي فإن هذا العدو هو مصدر التهديد، ويُبنى على هذا التخيل مجموعة من الإجراءات ضد هذه الجماعة أو هذه الطائفة إلى أن تشكل مع الوقت عدواً حقيقياً.

مأزق «الكنتنة الاجتماعية»

وقارب الصورة بواقعها في المجتمع البحريني قائلًا: «نعيش مأزق وحدة وطنية... منذ ثلاث سنوات، بل قبل ذلك بفترة، كان هناك استقطاب مذهبي، وهذا الاستقطاب المذهبي لم يصل التعبير عنه إلى الصورة التي نعيشها اليوم... صحيح أنه لم يصل إلى درجة الصراع العنيف كما هو في الحالة السورية أو العراقية أو حتى الحالة اللبنانية، إلا أن عملية الاستقطاب القائمة في المجتمع البحريني أحدثت شرخاً عميقاً في نسيج هذا المجتمع، ودفعت الجماعات المختلفة سنة وشيعة لأن يحتموا بطائفتهم، فبتنا في شكل من الأشكال نعيش حالة من (الكنتنة الاجتماعية) كما أسميها، أي بمعنى أن ينزع الفرد إلى تشكيل مجموعته داخل أطره المذهبية، وليس الانفتاح على الجماعات الأخرى».

وأصابت هذه (الكنتنة) كما يرى النجار قطاعات لم تكن حتى فترة متأخرة ضمن وارد التفكير في إصابتها وهي القطاع التجاري، فقد أصيب هذا القطاع بـ(شرخ عمودي)، وكذلك القطاع الثقافي تعرض لهذه الإصابة، بل إن هذه المسألة أحدثت شرخاً عميقاً داخل القوى السياسية التي تنتمي إلى جماعات اليسار والليبرالية التي أصبحت بالفعل منقسمة على أنفسها، مع أن المفترض أن تكون هذه القوى متجاوزة لهذه الظروف فقد سمعنا عن انشقاقات وخلافات في بعض هذه القوى السياسية.

الـ «كرونيكية» الخطيرة

الحدث البحريني، يواصل النجار حديثه، تباطأت فيه الأطراف المختلفة في الوصول إلى قدر من التوافقات لتجاوز هذه الحالة، ولهذا فإن مشكلة الشرخ أو الاستقطاب المذهبي أو الطائفي سيشكل في مجتمعنا حالة أستطيع أن أسميها (كرونيكية)، أي مستعصية مزمنة (chronic)، ويصبح العلاج لها غير ممكن، ولنا في الحالة اللبنانية مثال لعمليات الاستقطاب والفرز الطائفي، وباتت تشكل حالة مرضية تتجسد في الدولة كما هي تتجسد في المجتمع.

ويعرج النجار نحو الجزء الآخر المؤثر في وعلى حالة الاستقطاب التي نعيشها، وهو ما يحدث على تخومنا الشمالية في العراق وسورية، ونحن في منطقة الخليج قد استضفنا الكثير من الدعاة لهذا الطرف أو ذاك وساهم هؤلاء في عملية التقسيم، وعملية التحشيد هذه ومن يغذيها بوجود وسائط الاتصال الحديثة أفقدت الدولة أو أي طرف آخر على ضبطها، وهي وساط بإمكانها أن تفشل الكثير من المبادرات وأن ترجع الجماعات إلى محطاتها ومربعاتها الأولى، وهناك جزء آخر من التحشيد يتمثل في الكم من القنوات الفضائية التي تنطلق من منطقة الخليج، وبعض تلك القنوات لها طابع رسمي، وبعضها الآخر ممول من جماعات دينية أو غير دينية لكنها تفعل فعلها في عمليات التحشيد.

تأجيج مشايخ الفضائيات

وأصبحت بعض المحطات الفضائية تستضيف بعض مشايخ الفضائيات، وهؤلاء قد ساهموا بشكل غير عادي في التأجيج، ولا يجب أن ننسى الخطب التي تنطلق في بعض الدول المجاوة وتفعل فعلها في نسيجنا الاجتماعي، أو أن يطرح أحد هؤلاء تعليقاً يدفع في اتجاه التحشيد غير العادي في أوساط كلا الطائفتين، ولتجاوز المعضلة، نحن في حاجة إلى مجموعة من المداخل وبعضها أشار إليها فخرو ومنها التشاركية والديمقراطية وتفعيل قوانين الدولة، إلا أن تجاوز ذلك يحتاج إلى شق اجتماعي فنحن في حاجة لبناء جديد وراسخ، وهذا البناء الجديد والراسخ يحتاج إلى إعادة تأهيل الناس وإعادة قبول الناس لبعضهم البعض، كما أننا في حاجة إلى توافقات وطنية أكبر لتجنيب المجتمع نوازع البعض وتوجهاته نحو الإقصاء والتهميش.

خلاصات مشتركة للمحاضرين

في ختام الندوة، وتفاعلًا مع المداخلات، وضع المحاضران فخرو والنجار خلاصات، فقد أشار فخرو إلى أن من بين الحلول تنقيح الفكر الإسلامي في المقام الأول، أما بالنسبة للجمعيات السياسية، فيجب أن تفتح أبوابها إلى الجميع بل يجب أن تسعى بكل ما تسطيع - إذا كانت قائمة على الشيعة - أن تضم في صفوفها سنة، والعكس صحيح، ولن نتمكن من الخروج من الاحتقان الحالي إلا إذا خرجنا من الاحتقان السياسي في البحرين.

مبادرة سمو ولي العهد

ويعلن فخرو تأييده لمبادرة سمو ولي العهد بالقول: «أنا هنا أريد أن أقول بصراحة، وقلتها على إذاعة مونتي كارلو قبل أيام... مبادرة سمو ولي العهد... يتوجب علينا أن نتمسك بها بكل أسناننا، وأن ننتقل بها لمستويات فيها جديدة واستمرارية بأشكال مختلفة، بالطبع، ليس لدينا جواب في هذه القاعة، لكن لترحم كل الجمعيات هذا المجتمع وأن يخرجوا بحد أدنى من التوافقات وبعدها عندنا وقت طويل للتفاصيل».

نتاج فشل الدولة

يعلق النجار على مداخلة الصحافي سعيد محمد المتعلقة بعدم تعليق أسباب التنازع الطائفي على الغرب وأن الطائفية في أي دولة ومجتمع لا تنتعش وتقوى إلا برضا السلطات والحكومات قائلًا: «أريد أن أقول فيما يتعلق بالغرب، فإننا نعلق الكثير من الأمور على الغرب في شأن أسباب الاستقطابات الدينية والطائفية، إلا أن ما أريد أن أقوله في هذا الاتجاه هو أن الكثير من عمليات الاستقطاب - في الكثير من مجتمعاتنا - هي نتاج فشل الدولة في تطوير المجتمعات والانتقال إلى الدولة الحديثة في آلياتها وفي فعلها السياسي، وبالتالي، كلما نراه هو نتاج لهذا المشهد».

أما بالنسبة للجمعيات السياسية أو منظمات المجتمع المدني، فهي تتحرك في مجتمعاتنا لأن هذه هي حدود حركتها وطبيعة تكوينها، فهي مبنية على شرعيات تقليدية، إلا أن اللون التقليدي هو العنصر الأساسي في شرعياتنا السياسية، لهذا، فإن الخروج من الاستقطاب لا يمكن أن يتم دون حلول سياسية، وفي كل المجتمعات التي مرت بهذا الاحتقان، تمثل المدخل لحلول أخرى على أساس الحلول السياسية... وهذا حدث في جنوب إفريقيا وفي المغرب وفي إندونيسيا وفي تشيلي وفي البرازيل، فالحلول السياسية تمهد لعملية الانتقال للحلول الاجتماعية، وهذه جربت في الكثير من المجتمعات وأعطت بعض ثمارها، فيما فشلت في مجتمعات أخرى لكنها حلول لابد من تبنيها لردم الفجوة في الأزمة القائمة.

حالة كارثية حقيقية

ومع ما طرحه المحاضران من أسس لحلول حقيقية، إلا أن فخرو أكد على أنه في المجتمع البحريني الصغير، عشنا عقوداً لا أذكر أن حالة الاحتقان وصلت فيها لهذه الصورة التي نعيشها اليوم فهي حالة كارثية ومأساة حقيقية، ما يجعلنا في حالة قلق على هذا المجتمع الذي لديه القابلية لأن يصل إلى هذه المراحل، وهذا ما يقلقني بشكل شخصي، لا سيما على مستوى قضايا المقاطعة التجارية والسب والشتم والتجريح فهو أمر غريب على المجتمع البحريني، إلا أن تصورات الحل التي وضعها المحاضران كفيلة بأن تنهي الأزمة وتنقذ المجتمع من حريق صغير يمكن تداركه قبل أن يتحول إلى حريق هائل.

العدد 4185 - الخميس 20 فبراير 2014م الموافق 20 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:16 ص

      ابو صادق الشايب

      الحكومات تحتاج الى معارضة تعمل بالريموت كنترول لها و المعارضة التي تتنفافى مع مصالحها تتهمها بالإرهاب فترى المعارضة الموجهة تصعد وتنزل بحسب المؤشرات فقط ...

    • زائر 2 | 11:34 م

      نعم هذا صحيح

      الاستقطاب الطائفي احد اخر الاقفال التي تمسك به السلطه من اجل السيطره علي الشعب فبتفريق الشعب تنعم هي بمقدراته و تستبيح محرماته وللاسف في الطرف الاخر نوعان من الناس اما الداعم للسلطه من اجل مصالح فئويه و انيه او اخر لا يبالي او ينقصه الوعي المستقبلي و السياسي

    • زائر 1 | 10:32 م

      يكفي

      يكفي يااساتذه النظر الى الخطب الدينيه لكلا الطائفتين. ستجدون الحكمه وستجدون الشتم والتخوين فلكم ان تحكمو فأنتم الحكم.

اقرأ ايضاً