العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ

الرغبة في تجميد الزمن العربي

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

منذ تفجر ثورات وحراكات الربيع العربي منذ ثلاث سنوات وموجة استنفار المفكرين والمثقفين والناشطين السّياسيين العرب، من أجل المشاركة في ساحات الإعلام المرئي والسمعي وقاعات المحاضرات والمؤتمرات وصفحات الصحف ووسائل التواصل الإلكترونية، لا تستقرُّ ولا تهدأ، بل إنها موجة في صعود وازدياد في الزُّخم.

لكن ما يشدّ الانتباه هو أن معظم تلك المناقشات والسجالات والكتابات، تتوجه لإقناع الجموع العربية بقبول وتبني أفكار وخطابات ونظم وشعارات أصبحت منذ عشرات السنين من ثوابت وممارسات ومتطلبات العصر الإنساني الذي يعيشه العالم، هذا بينما نحن ندور من حولها.

إن ثوابت من مثل عناوين الحرية الشخصية وحرية العقيدة والضمير والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والإعلام المستقل والشفافية في الحكم والتسامح بين مكونات المجتمع والمواطنة غير المنقوصة، وغيرها كثير، تقبلها غالبية الناس كلمات وعناوين وتعابير، لكنها ترفض الكثير من محتوياتها وتفاصيلها، وهنا تكمن المشكلة، إذ أن ضمير وقيم وقوانين العصر هي في تلك التفاصيل.

هنا تضطر أن تطرح على نفسك هذا السؤال البائس: هل أن عصور التخلف والاستبداد والتسلّط التي فرضت على مجتمعات العرب عبر القرون قد فعلت فعلها على قابلية كثير من العرب دخول العصر والتعايش مع الكثير من ثوابته الإنسانية المبهرة؟

دعنا نضرب بعض الأمثلة لتوضيح صعوبة المشكلة التي يواجهها دعاة التناغم مع العصر. فما أن تذكر الديمقراطية حتى ينبري أحدهم ويسأل: لماذا الديمقراطية وليس الشورى الإسلامية؟ يجيب المتحدث بأن الشورى هو توجيه إلهي عام ويحتاج إلى الكثير من التفصيل بالنسبة لمكوناته ومرجعيّاته وتنظيمه وتطبيقاته، وبالتالي فلماذا لا نلتزم بالتوجيه الإلهي العام، وفي الوقت نفسه نأخذ بتفاصيل النظام الشوري البشري الديمقراطي كتطبيق للأمر الإلهي؟

جواب السائل يكون بالتركيز على كل ما هو سلبي في تطبيق الديمقراطية ونسيان متعمد لكلّ ما هو إيجابي مبهر في التجربة الديمقراطية الإنسانية. وشيئاً فشيئاً يختفي موضوع الديمقراطية ليصبح النقاش حول موضوع فقهي – سياسي بالغ التعقيد والغموض، ومختلف من حول فهمه وتطبيقاته حتى من قبل بعض الفقهاء، موضوع «الحاكمية لله». والنتيجة هي بقاء الأمة تحت جحيم الاستبداد والاستغلال، بانتظار حلّ إشكالية فهم عربي مقبول للديمقراطية.

مثالٌ ثانٍ، يتحدث المحاضر عن حقوق المرأة فيزجُّ موضوع قوامة الرجل بقراءة متناقضة مع العدالة الإلهية، مرسّخة لعادات بدويّة قديمة متخلفة، ومدمّرة لأسس الديمقراطية وللكرامة الإنسانية.

مثال ثالث، يتحدّث المتكلم عن الحقوق المتساوية في ساحة النشاط السياسي الديمقراطية، للمنتمين لكل الطوائف، فيزجّ بموضوع «ولاية الفقيه»، ويجيب المتحدث بأن الديمقراطية تتعارض مع أية ولاية ومن أي نوع كان، سواءً أكانت لفقيه أو لايديولوجية أو حزب طليعي أو قائد فذ، فيكون الجواب العبثي هو: دعك من هذا الهراء، فنحن نعرف أن ممارسة التقيّة ستقود عاجلاً أو آجلاً إلى ولاية الفقيه. وهكذا تدخل في دوّامة التاريخ والأخطاء التي يرتكبها بعض الساسة الإسلاميين والصّراعات السياسية السنية – الشيعية في هذه البقعة أو تلك، وينزوي موضوع التخلّص من الطائفية عن طريق الديمقراطية.

مثالٌ رابع، يكون الحديث عن الأهمية القصوى لموضوع التسامح في أيامنا الحالية، سواءً على مستوى الأخلاق أم الثقافة أم الدين أم القانون، فيصرخ أحدهم: هل في تطبيق القانون تسامح؟ يكون الجواب بأن لا تسامح مع كسر القانون، ولكن شرط أن يكون القانون عادلاً، وشرط أن تكون الجهة التي تطبّق القانون عادلة. ويؤكّد المتحدث بأنه عند ذاك لن تدخل الغوغائية السياسية في موضوع العدالة، والذي ساحته يجب أن تدار بموضوعية وضمير وسمو إنساني، لكن السائل معني بالانتقام والتصفيات ضد خصومه في هذا الحزب أو في تلك الجماعة، ولا وقت لديه لموضوع العدالة وشروطها الصارمة.

ليس الهدف هو الانتقاص من قيمة هذه الرؤية أو تلك، ولكن الهدف هو إبراز ضيق الساحة الفكرية التي تجري فيها مناقشات كبرى مصيرية. ضيق الساحة يأتي من الإصرار على زجّ التراث الديني، وبعضه فقه متزمت باجتهاد بشري مغلوط، وزجّ التاريخ وخلافاته العبثية في كل نقاش، بينما لا تسمع أحداً يشير إلى دراسات نقدية أو أبحاث رصينة أو اكتشافات جديدة، لكأنّ الحاضرين هم من أصحاب الكهف، ولكأنّ الزمن العربي يُراد له أن يتجمّد ويتحنَّط.

ما يراه الإنسان مبطّناً في أجواء تلك النقاشات هو رغبة البعض في أن تكون ثورات وحراكات الربيع العربي ثورات عبيد لا تؤدّي إلى خلق مجتمعات حرّة، وإنّما تنتهي باستبدال أسياد طغاة سابقين بأسياد جدد.

لكن من حسن الحظ فانّ شباب ثورات وحراكات الربيع العربي الأحرار في القلب والعقل والروح، لن يسمحوا بذلك، طال الزّمن أو قصر.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4192 - الخميس 27 فبراير 2014م الموافق 27 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:51 ص

      آخر جملة هي مفتاح المقال

      الشعب سوف ينتصر

    • زائر 9 | 3:36 ص

      الموت في التجمد

      عقليات تشربت وتربت منذ الصغر على رفض كل ما هو حديث ومتطور عدى ما تم تلقينها وتكريسه في خلايا عقلها الذي تجمد وتكلس في مكونات المفاهيم المتخلف البالية .س.د

    • زائر 8 | 3:18 ص

      كله

      كله الي دمر العرب وخلاهم اقتلون بعض هو اتباع الشيطان والابتعاد عن الله ورسوله وتبعو شهواتهم ومصالحهم عجل عمركم شفتون مسلمين اقتلون ابرياء وقصون رؤؤسهم ويلعبون ابهم كرة قدم المشتكى لله من الجهل القبلى

    • زائر 7 | 12:33 ص

      عبد علي البصري : على كل حال يادكتور

      هههه هههه الحرب العقائديه والفكريه بين اطياف المفكرين العرب قد ولت بين الاسلاميين و العلمانيين و الشيوعيين خلاص ، اليوم شغله غير اليوم سلاح حروب اسلاميه ايه أمس غير اليوم لبنان سوريا الاردن فلسطين العراق ايران افغانستات باكستان مصر ,,والآتي اكثر محور خلافاتهم و توجهاتهم اسلاميه مختلفه ، بينهم السيف والدم . يعني أرجوك غير تنظيرك السابق وابدأ من جديد بتغير الوضع الحالي .

    • زائر 5 | 12:12 ص

      عبد علي البصري مشكله الاسلاميين

      المجتمع الاسلامي في الوطن العربي وللاسف ، مازال يعيش الانعزاليه الفكريه و الاديولوجيه , الاتجاهات متعدده والافكار مختلفه وهذا جيد والقولوب مختلفه وهذه بليه . الوحده الاسلاميه مطلوبه في الوقت الحاضر . هناك تجارب في بناء دوله اسلاميه بعضها فشلت مثل الطالبان في افغانستان وباكستان ومصر وبعضها ناجح مثل الدوله الاسلاميه في ايران . المشكله هي عدم دراسه اخطاء الآخرين ولا اسباب اخفاقاتهم . والاسباب واضحه لا تريد تنظير .

    • زائر 4 | 11:58 م

      عبد علي البصري

      التشريع القرآني لم يأتي لتجميد العقل الانساني . ولاكن لتعبيد الطريق ووضع الخطوط الصفراء والبيضاء ليلتزم المؤمن به لكيلا يهوي مثل الخطوط البيضاء والصفراء في الشارع ليلتزم السائقون بها لتفادي الحوادث . ليس إلا . كما قال الامام علي عليه السلام : لا بد للناس من امام حق أو باطل ليستريح مؤمن ويستراح من فاجر والامام يعني القانون فلكن قوم قانون ودستور كل بلدان العالم لهم دساتير .

    • زائر 3 | 11:53 م

      عبد علي البصري

      التسائل ليس لماذا الديموقراطيه وليس الشورى الاسلاميه ؟؟ ولاكن السؤال لماذا الديموقراطيه و والدستور اللهي موجود؟؟ الشورى ليس لها اي مكان اذا قضى الله ورسوله امرا . يعني هناك امور كثيره تركت لحريه الانسان يصنعها بنفسه , اساسا القوانين الشرعيه ليست هي الوحيده في الحياه فهناك قوانين وضعيه ، اقرها الاسلام ويدعمها مثل قوانين تنظيم الطرقات و المباني و الاعمال الانشائيه والتجاره ما لم تتعارض مع الشرع .بعض الضرائب ليست فرضيه اسلاميه ولاكن فرضيه قانونيه لقوامه المجتمع .

    • زائر 2 | 11:15 م

      لاحكومة منتخبة لا دوائر عادلة لا قضاء مستقل لاصوت لكل مواطن لا لتجريم التمييز .

اقرأ ايضاً