العدد 4213 - الخميس 20 مارس 2014م الموافق 19 جمادى الأولى 1435هـ

بناء الذَات... لا الاعتماد على الخارج

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في نهاية هذا الشهر سيزور الرئيس الأميركي دولة من دول مجلس التعاون الخليجي هي المملكة العربية السعودية. الهدف من الزيارة المعلن هو إصلاح الشقوق في العلاقات الأميركية – الخليجية العربية التي نتجت عن تباينٍ في وجهات النظر، وعن اختلافات في المواقف بشأن أمن الخليج ومواجهة حراكات الربيع العربي.

ويظهر، حتى الآن، أن الاجتماع سيكون ثنائياً، مع أن المواضيع التي ستبحث تخصُ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كل دول المجلس ودون استثناء. فإذا كان ذلك يعني، على الأقل في الذهن الأميركي، أن شرح المواقف الأميركية وتقديم التّطمينات والوعود وتأكيد العلاقات الاستراتيجية لهذه الدولة الخليجية أو تلك كافٍ أوتوماتيكياً لحلّ إشكالات أميركا مع كل دول مجلس التعاون الأخرى، فإن ذلك تعامل أميركي دبلوماسي خاطئ سيعكس نفسه سلبياً وضاراً على تماسك ووحدة وفاعلية المجلس.

فالرئيس الأميركي يجب أن يُسمع الجميع ويستمع للجميع، بسبب تعقُّد وسخونة وأهوال الوضع الخليجي والعربي والإقليمي في هذه المرحلة التي تعيشها الأمة العربية وهي تحاول أن تخرج من مآسي ومظالم الماضي.

أيّاً تكن طبيعة هذا الاجتماع وإلى أية وجهة يذهب، فإن مجلس التعاون مجتمعاً يحتاج أن يأخذ الجوانب التالية بعين الاعتبار، الآن ومستقبلاً، في علاقته مع أميركا:

أولاً: أن تاريخ الولايات المتحدة الأميركية مليء بالتخلي المفاجئ، وأحياناً المأساوي، عن الحليف إذا كان ذلك التخلّي يخدم المصلحة الوطنية الأميركية. لقد حدث ذلك في الماضي لقادة إيران والفليبين والعديد من دول أميركا الجنوبية. ولذا فلا يظنُّن قادة مجلس التعاون بأنهم في منآى عن مثل ذلك التخلّي مستقبلاً، إن تبدّلت الموازين وتغيّرت الأحوال في المنطقة أو في العالم.

ثانياً: إن مجلس التعاون هو جزء من الوطن العربي الكبير في سرّائه وضرّائه. ولذا فإن أية محاولة للاعتقاد أو للتصّرف وكأنَّ العلاقات الخليجية العربية – الأميركية يمكن أن تكون مستقلةً عن مواقف أميركا تجاه قضايا الأمة الكبرى ستكون محاولةً كارثيةً وغلطةً تاريخية.

فمثلاً أن تتعامل دول مجلس التعاون مع أميركا دون أيّ اعتبار لمواقفها الظالمة اللاإنسانية تجاه الوجود الصهيوني الاستيطاني في فلسطين المحتلة أو لطرحها مشروع الفوضى الخلاّقة الشهير من أجل إدخال الأمة العربية في جحيم الصّراعات الإثنية والمذهبية والدينية، فإن ذلك يعني ممارسة دول المجلس لعبة الاستخفاف بالروابط العروبية القومية والإسلامية وفصل مصير مستقبلها عن مصير أمتها العربية وعالمها الإسلامي.

وينطبق المنطق نفسه على عدم السّماح بأن تستعمل دول المجلس، مجتمعة أو منفردة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كأداة في يد الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها لتنفيذ مخطّطات أمبريالية – صهيونية من مثل احتلال هذا البلد العربي أو إسقاط نظام ذلك البلد العربي. والأمثلة على ذلك كثيرة تدمي القلوب وتطرح ألف سؤال وسؤال.

ثالثاً: لا يستطيع الإنسان أن يفهم هوس دول المجلس بالتفتيش عن مظلّة أمنية أجنبيّة لحماية نفسها. والواقع أن هذا الهوس أصبح مرضاً يهيّئ لعودة الاستعمار المباشر، بكل تجلّياته، لهذه المنطقة.

ولقد كان من المفروض، خصوصاً بتوفّر الثروة البترولية الهائلة، أن يصبح درع الجزيرة، بعد مرور حوالي ثلاثين سنة على إنشائه، قوة عربية خليجية ذاتية قادرة على حماية دول المجلس. لكن ذلك مع الأسف لم يحدث بسبب عدم الجديّة السياسية الكافية داخل مجلس التعاون، وهوس كل دولة بسيادتها الوطنية وخوفها من غدر الآخرين المتخيّل.

رابعاً: لابد من طرح هذا السؤال: ألا يرى قادة مجلس التعاون في العلاقة مع أميركا إلا مساعدتها على الهيمنة الكاملة على الساحة البترولية الخليجية وإلا استجداء حمايتها الأمنية؟ ماذا عن الاستفادة الكفؤة بالتقدم الأميركي الهائل في العلوم والتكنولوجيا كمبادلةٍ لتعاون دول المجلس مع أميركا في قضايا البترول والأمن؟ هذا موضوع بالغ الأهمية لتنمية ومستقبل دول المجلس، لكننا لا نعرف متى سنفتح عيوننا على إمكانيات تطويره الهائلة مع هذا العشق والولع الأمني الذي نعيشه ليل نهار دون أن نحس بغيره.

ما يحزُّ في النفس أن الجواب على الخلافات مع أميركا، وهي كثيرةٌ جداً، لا يتعدّى في أيامنا هذه إلا أخذ الصور مع قادة الصين وروسيا والهند وغيرهم، والتهديد باستبدال العلاقات الغربية بعلاقات شرقية، بينما الجواب الحقيقي هو في النظر الجدّي إلى نقاط ضعفنا الذاتية، وإجراء تغييرات جذرية بشأنها.

وفي النهاية فإن علاقة دول الخليج العربية، سواءً مع أميركا أو غيرها، تحتاج إلى أن تتناغم مع مصالح الأمة العربية، وتصبُّ في حلّ قضايا الوطن العربي الكبير، فأميركا وغيرها سيذهبون ويهجرون، ولن يبقى لنا في المستقبل إلا أمتنا التي تمتدُّ في التاريخ عبر القرون، وفي الجغرافيا من المحيط الواسع البعيد إلى بحر خليجنا الصغير.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4213 - الخميس 20 مارس 2014م الموافق 19 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:26 ص

      كل

      كل الي دمر هالشعوب هى امريكا الشيطان الاكبر الله اخلص الشعوب من شرها

    • زائر 3 | 1:45 ص

      على استحياء

      فالنكن اكثر صراحة ووصوحا فيما يتعلق بداخلنا وما يحدث في وطننا الصغير قبل ان نتجه لهموم الامة وهي انشودة يتغنى بها من يريد ما يتسلى به

    • زائر 1 | 1:17 ص

      هذا كلام حكيم وصائب ولكن

      ولكن دولنا لا تؤمن بهذا الكلام ابدا فهي تعتمد على الاجنبي دائما وابدا وعلى طول الخط وها هو جلب الاجانب لم يتوقف والصرف عليهم بلغ مستويات ادخلت ميزانية البلد في عجز كبير ولو صرفت هذه المبالغ على الشعب لهانت الامور على الناس ولكن حين تسخر الاموال على الاجنبي الى ان يصل الحال للعجز في الميزانية فذلك قمة ....

اقرأ ايضاً