العدد 4216 - الأحد 23 مارس 2014م الموافق 22 جمادى الأولى 1435هـ

رجال دين: الاختلاف يجب ألا يؤدي إلى التنازع والتعدي على الحقوق

دعوا إلى العودة إلى القواسم المشتركة ونشر ثقافة التسامح

الحضور في ندوة «التسامح والتعايش وأثره على الأمن الوطني» بمجلس الدوي - تصوير : أحمد آل حيدر
الحضور في ندوة «التسامح والتعايش وأثره على الأمن الوطني» بمجلس الدوي - تصوير : أحمد آل حيدر

دعا رجال دين ومهتمون من مذاهب دينية مختلفة عامة الناس إلى الرجوع إلى القواسم المشتركة التي تربط بين الناس، وأساسيات الأديان السماوية، ومنها عبادة الله والإيمان بالآخرة، وحب البشر، وذلك سعياً إلى نشر ثقافة التسامح والتعايش، مشيرين إلى أن الاختلاف أيّاً يكن مجاله يجب ألا يؤدي إلى التنازع والخلاف والتعدي على حقوق الآخرين، مستذكرين في هذا النطاق مبادئ الإسلام والإنسانية وتاريخ البحرين المعروف بالمودة والمحبة والتآلف.

جاء ذلك في ندوة بعنوان: «التسامح والتعايش وأثره على الأمن الوطني»، نظمتها جمعية البحرين لتسامح وتعايش الأديان، واستضافها مجلس الدوي مساء (السبت) الماضي.

وفي بداية الندوة تحدث رجل الدين الشيخ إبراهيم محمد مطر عن مبادئ الإسلام في التسامح مع الأديان السابقة ومع الإنسانية جمعاء، إذ قال: «إن الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد وهو رب السماوات والأرض، كما جاء في سورة (الشورى) «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه»، بهذا نجد أن مبدأ التسامح والتعايش هو مبدأ إنساني».

وأوضح مطر أن «التسامح هو أن يتقبل منا الآخر سواء كان الإختلاف في الدين أو العرق أو السياسة، بهذا نجد أن الإسلام حمى حقوق البشرية كلها وترك للإنسان الحرية في الاعتقاد والعقيدة، فلكلٍّ دينه، والإسلام لا يجبر أحداً على ترك دينه كما جاء في سورة (البقرة) «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، وسورة يونس «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».

وأضاف «إن الدين الإسلامي واضحٌ وأدلته واضحة على عدم إجباره أحداًَ على الدخول في الإسلام، لهذا لم يعرف التاريخ أن أُجبر أحد على دخول الإسلام، لذا نجد المعابد وسمح لهم القتال».

وأشار إلى أن «الرسول (ص) ضرب لنا أروع الأمثلة في التسامح مع أصحاب الرسالات السابقة ليكون لنا نبراساً نقتدي به، فالتاريخ يحكي لنا كيف استقبل الرسول وفد أهل نجران، إلا أنه وبعد كل هذا يأتي لنا نفرٌ يقولون إن الإسلام نشر بالسيف والعنف، ونسوا أن من شرع لهم هذه الحقوق هو الله سبحانه وتعالى، الذي أنزل معجزة القرآن الكريم، وهذا ديننا الإسلامي وعدالته، فإذا طبقت مبادئه، فمن أين يأتي الإرهاب، فسماحة الإسلام ترسي الأمن والحب والتآلف، وإن الاختلاف بين الأديان يجب ألا يؤدي إلى الاعتداء على الآخر، بل يجب التعاون؛ لأن كل الأنبياء إخوة، فرسالة عيسى وموسى ومحمد جميعها من الله وعلى المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعاً، كما جاء في سورة (البقرة: 136) «قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما اُنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون».

وتابع الشيخ مطر: «إن التفاضل بين الناس في الحياة هو بمقدار ما يقدم أحدٌ لنفسه ولمجتمعه من بر، فيقول الرسول (الخلق كلهم عباد الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله) والآية تقول: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

واستطرد «إن من مبادئ التسامح في الإسلام أن يجادل الناس بعضهم بعضاً بالحسنى، ولا يرضى الإسلام للمسلم أن يكون فاحشاً في القول ولا أن يسب المخالفين، فيقول تعالى «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم»؛ فبالإسلام ساد التسامح والتعايش بين عامة الناس».

وأضاف «نذكّر أنفسنا وإخواننا في الإنسانية جمعاء بهذه المبادئ الإنسانية، وذلك بعد أن عمّت الفوضى الأرجاء ودارت رحى العداوة وامتدت الدماء الحرام، فآن الأوان أن يكون التسامح والتعايش بين أفراد المجتمع حتى يعم الأمن والأمان والحب والوئام».

وطالب الشيخ إبراهيم مطر «الإعلام بنشر قيم التسامح والتعايش، وعلى جميع المؤسسات في المجتمع البحريني إظهار قيمة التسامح في المجتمع وأهميته، وخصوصاً أن البحرين عرفت منذ القدم بالتسامح ولاسيما في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك».

بعد ذلك تحدث رجل الدين الشيخ أحمد المخوضر، والذي خصّص حديثه عن الواقع البحريني، إذ قال: «نحن في بلدنا الكريم الكبير بسمعته وسمعة أهله، الكل منا لا يسمح بتلويث سمعة هذا البلد بأي نوع من أنواع الشطط، وقد كان الأساس في البحرين التعايش، وإن الشذوذ فيها هو عدمه، والآن أصبحنا وأمسينا ونحن نعيش التنافر وهو أمرٌ مشكل وغريب على ثوابت البحرينيين الأصليين الذين حفظوا الجوار والإسلام، أما من ضمن من عاشوا على هذه الأرض فأناسٌ بعيدون عن التدين، فمنهم من يعبد الصنم وبوذا، ومع ذلك تعايشنا معهم وأدينا حق الجيرة معهم»، متسائلاً: «فما الذي حدا بنا أن نتغير عن أصولنا وثوابتنا؟ إذ نعيش اليوم أزمة تبادل ثقة وعدم الاعتراف بالآخر».

وأردف «بحكم كوني رجل دين، أدعو الناس إلى الالتفات لدينهم وشرعهم، فأغلبنا في هذا البلد أبناء مدرستين من مدارس الإسلام، إما نعتمد على مدرسة الصحابة أو مدرسة أهل البيت، والسؤال هنا: هل يجيز لنا أهل البيت أو الصحابة التعدي على الآخرين ولو باللسان أو الغيبة؟ وهي التي نهى عنها الله والرسول والصحابة والخلفاء والمرشدون التابعون، ألسنا مسلمين؟ أليس لبعضنا حق على الآخر؟ أليس دم المسلم وماله وعرضه حرام إلى يوم القيامة؟».

وأضاف المخوضر: «إن الإنسان الذي يريد أن يعيش واقعاً إسلاميّاً عليه أن يتفقه في دينه وأن يتحلى بأخلاق الإسلام، فلا أحد يبيح التعدي على الآخرين، وإن التعايش والتسامح هو جوهر الإسلام. ويجب على المسلم أن ينفتح على الآخرين، فالاختلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية».

وانتهى بالقول: «قد نختلف في الرأي أو في العقيدة، لكن هذا الأمر لا يستدعي أن نقيم الدينا ولا نقعدها، ونحن في البحرين كنا نعلم الناس التعايش والتواد، وكنا مضرب المثل في حفاظنا على بعضنا بعضاً، ولكن نرى حالياً أمورنا تتطور ووصلنا إلى درجة غريبة وبعيدة عن تصرفات أهل البحرين».

من جهته، قال راعي الكنيسة الإنجيلية الوطنية في البحرين القس هاني عزيز: «إن الله سبحانه وتعالى أخذ تراباً من الأرض وصنع منه هيكل إنسان، ونفخ في التراب وصارت نفساً حية، لذلك فإن نفخة الله موجودة في كل البشر ابتداءً من آدم إلى أن ينتهي العالم، كل واحد فينا بدمه وعرقه فيه نفحة من الله توارثنا عبر آدم، وهذه هي البداية، فكلنا من تراب واحد وأم واحدة وأب واحد، فجميعنا أبناء آدم».

وأشار عزيز إلى أنه «لا يوجد أحدٌ فينا يخطئ وفيه روح توبة ويقدم على التوبة، ولا يأخذها من الله. إن كل إنسان يخطئ له الحق في أن يقف أمام الله بتوبة حقيقية، والله يغفر له».

ودعا القس عزيز عامة الناس إلى العمل بثقافة التسامح، موضحاً «علينا جميعاً أن نسامح ونغفر لإخواننا، فلو لم تستطع أن تسامح تذكر غفران الله ورحمته لك، فكم مرة نخطئ في اليوم والله يغفر لنا؛ لأن الله رحيم غفور».

لافتاً إلى أن «هناك أسساً مشتركةً كثيرة جدّاً تعطينا القوة بأن نتسامح ونتعايش مع بعضنا بعضاً، فنحن نسمع كلمة الحب كثيراً في الأغاني والراديو والتلفزيون، لكن كلمة الحب تزامنها المسئولية، فرب البيت يحب أسرته وعليه مسئولية تجاههم، وهنا إخوة وأخوات كثيرون يقولون نحن نحب الوطن، وحب الوطن ليس بالكلام وإنما بتحمل المسئولية تجاه الوطن».

وأضاف «نحتاج إلى أن نعيش في وحدة، فلدينا أسس طبيعية وإلهية وأسس توارثناها تجعلنا نعيش التسامح في البحرين، فمعظم البحرينيين يدينون بدين الإسلام، وهناك أشياء كثيرة مشتركة زرعت الوحدة، والوحدة موجودة في البحرين ودورنا هو الحفاظ عليها، فعند تأسيس جمعية البحرين لتسامح وتعايش الأديان كان هدفنا ودورنا هو ليس خلق التسامح والتعايش؛ لأنه موجود أصلاً، وإنما دورنا هو تعزيز ثقافة التسامح والتعايش في المجتمع، وهدفنا هو حفظ هذه الوحدة».

وشدد القس هاني عزيز على أن «لدينا أموراً كثيرة مشتركة تجعلنا نسامح بعضنا بعضاً، لكن هناك أموراً تخنق التسامح ومنها الكبرياء. إن الأشخاص الذين يحبون وطنهم لا يهمهم الكبرياء وإنما تهمهم المصلحة العامة، ولو تم تطبيق ذلك فإن أموراً كثيرة ستكون في طريقها إلى الصلاح. فيجب علينا جعل الباب مفتوحاً لعودة الناس، وذلك بالحكمة والتسامح مع الحفاظ على كبريائهم لأجل مصلحة البلد».

ثم تحدث المواطن جلال خليل عن طائفة البهائيين في المجتمع البحريني، مؤكداً أنهم يعيشون مع إخوانهم ولم يشعروا يوماً بالفرق، إذ أفصح بالقول: «إن التسامح هو حقيقة شعب البحرين، ولقد عشنا هذا الأمر في البحرين، وكوني بهائيّاً لم أشعر يوماً بالفرق، فقد درست في مدارس مختلفة في محافظة المحرق، ولم أشعر يوماً بالفرق»، مضيفاً «كانت هناك قلة قليلة يتغيرون عليّ عندما يعرفون أني بهائي، ولكن عندما يعرفون أننا نحب الناس ونؤمن بالله والآخرة، يرجعون ونكون أصدقاء وأحباباً. أما في الحي (الفريج) فعلاقاتنا الأخوية مستمرة إلى هذا اليوم، وهي علاقات طيبة جداً».

وبحسب خليل فإن «المشكلات في بلدان العالم أصبحت عالمية النطاق، فلم تعد تلك المشكلات مقتصرة على نطاق معين، ومثال ذلك أزمة التلوث والإرهاب؛ وعليه فإن تلك المشكلات تحتاج إلى تعاون عالمي لحلها».

ويرى خليل أن «حل أية مشكلة اجتماعية ممكنٌ عن طريق التعاون والتواصل».

وتطرق خليل إلى مفهوم وحدة الجنس البشري، موضحاً أن «كل البشر من سلالة واحدة وخالقهم واحد، والروح الإنسانية لا يحدها عرق ولا لون ولا جنس، وإن الإختلاف يضيف إلى جمال العالم، وأن الاختلاف يجب ألا يؤدي إلى النزاع وإنما إلى الاتحاد».

وواصل «بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية، فإنه يجب علينا أن نساهم في خلق الوحدة والتسامح فيما بيننا، وإن أي تطور اجتماعي نجد الوحدة هو المحصلة النهائية له».

ويعتقد المواطن جلال خليل أن «الظروف العالمية جعلت البشر يتنقلون في البلدان، وهذا الأمر أدى إلى تقارب الشعوب، والتقارب يؤدي إلى الأمن والاستقرار».

وسعياً لنشر ثقافة التسامح والتعايش بين الناس دعا خليل إلى «التركيز على القواسم المشتركة بيننا، فجميعنا يؤمن بوجوب حب البشر وعبادة الله، وأن ينعكس حبنا للبشر على أفعالنا».

وأكد أن «البهائيين في البحرين يعملون مع جميع إخوانهم في الوطن، ويساهمون في مبادرات مختلفة منها جلسات الدعاء المشتركة، فالدعاء من أجل المحبة والأمن والاستقرار والشفاء؛ متسائلاً: لماذا لا نجتمع جميعنا وندعو الله؟».

وعن مفهوم السلام، قال خليل: «إن مفهوم السلام ينبع من داخل الإنسان، وهو نتيجة شيء روحي وخلقي ينبع من داخل الإنسان».

وانتهى خليل بالقول: «جميعنا لديه مبادئ لكن يجب التفكير في مدى تطبيق هذه المبادئ، ويجب التركيز على أساسيات الأديان، ففيها أمورٌ كثيرة مشتركة. فإن القواسم والأرضية المشتركة موجودة عندنا وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا».

يشار إلى أن ندوة «التسامح والتعايش وأثره على الأمن الوطني»، تأتي تفعيلاً لمواد وثيقة التسامح التي تم تدشينها من قبل جمعية البحرين لتسامح وتعايش الأديان، شهر فبراير/ شباط الماضي، والتي تعنى بنشر ثقافة التسامح والتعايش، إذ من المقرر أن تتوالى مثل هذه الفعاليات في كل محافظات مملكة البحرين.

العدد 4216 - الأحد 23 مارس 2014م الموافق 22 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً