العدد 4222 - السبت 29 مارس 2014م الموافق 28 جمادى الأولى 1435هـ

الأقنعة الحياتية وثمن السعادة الدائمة

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في أحد المؤتمرات الطبية روت إحدى الطبيبات تجربتها الشخصية التي تركت تأثيراً مميزاً لدى الحاضرين، لما فيها من تجارب ورؤى ناضجة، بحيث تستحق الوقوف عندها ورصدها.

تبدأ الطبية بأنها مارست الطب لمدة عشر سنوات، وعلى رغم اختيارها المهنة عن شغف لرغبتها في خدمة الإنسانية، بدأت تشعر بالملل والتكرار والتعب وأنها تنقصها المعرفة في شئون الحياة من التعلم والتجديد، حيث تراها تعاني الكثير من خلال مهنتها ومرضاها والأوقات التي تقضيها مع عائلتها، والتي شابها الكثير من الأذى والقلق؛ لانشغالها بالمسئوليات، وأنها كمن يلبس العديد من الأقنعة للتمثيل في الحياة!

كقناع الأمومة والزوجة والطبيبة، والأمومة في المرتبة الأولى والعناية بطفلها الذي يقلب حياتها فجأة لتعمل حينها لمدة أربع وعشرين ساعة. تجتهد في إيجاد البديل لها أثناء عملها من المربية المثالية (babysiter) إلى الخادمة، الخ. وهي تتحمل مسئولية أي خلل يحدث معها لينَصبَ بدوره في التقصير في عملها.

ويأتي قناع الزوجية وتدليل الزوج وإلا قد تنهار الحياة وينفصلان إذا لم تلبس القناع جيداً. تلك الابنة التي عاشت مدللة أصبح عليها التعرف على كل الخصوصيات الحياتية لأنها مجبرة بحكم الأمومة والزواج، إضافة للعمل.

ونأتي لقناع الطبيبة الذي تحاول من خلاله معالجة مرضاها وأن تبدو بالرصانة وأنها تمتلك زمام الأمور... وقد تكون بمنتهى الإعياء بسبب عدم نوم ليلتها بسبب طفلها أو مشاكلها الصحية مع الحمل والولادة، الخ. عدا عن الأقنعة الاجتماعية الأخرى والتي تنهكها.

وخلاصة الأمر، اكتشفت أنها، ومن خلال واجباتها المتعددة، لا تعيش الحياة بأفراحها بل تعيشها بواجباتها التي بدأت تُثقل عليها يوماً بعد يوم وأضاعت معها متعة الفرح والسعادة بما تمارسه أو تمتلكه.

وقررت مع زوجها الثاني أن يترك الاثنان العمل للابتعاد عن الهموم والمشاكل، والبدء في تذوق الحياة، وأن يمارسا ما يحلو لهما من هوايات والتعرف على نفسيهما وما يحيطهما من جمال في الطبيعة والثقافة والفنون والرياضة والحيوانات والسفر، والأطفال الخ.

وبالتنازل عن بعض الرفاهية المادية والمظاهر الكاذبة وبيتٍ أصغر وبسيارة واحدة! واكتفوا بما جمعوه من مال، إضافة إلى راتبهما التقاعدي.

وتتلخص تجربتها بعد عدة سنوات بأنها ارتاحت وتمتعت كثيراً وسُعدت ومارست كل ما تحبه في الحياة مع زوجها ومن دون ضغوط، (Stress free life) وتعرفت على الكثير من الجمال والحب والفرح والتي يستحيل عليها التعرف عليها بانشغالها سابقاً، وازداد اهتمامها شخصياً بطفليها وبنفسها والتمتع بهما إلى أن بدآ المدرسة.

واشتاقت بعدها لتشغل بعض الوقت ودرست الطب البديل، الذي وجدت فيه شغفها المتجدد بالعطاء ومن دون حدود، في مساعدة المرضى وبعملٍ جزئي من الوقت وبحميمية وحب وبالتركيز على التخفيف من الضغوط النفسية عائلياً واجتماعياً، والتي هي في الغالب من الأسباب الرئيسية لمعظم الأمراض في عصرنا الحالي، وتقضي معهم ساعة كاملة من الوقت ومع الأدوية العشبية، وبذا تغلبت على الروتين اليومي القاتل وتجميع المال.

وتمتعت بكل جوانب الحياة وبهجتها واكتفت بالرزق القليل والسعادة الكثيرة والمتجددة، أليست السعادة التي وجدوها هي المفاتيح التي يبحث الجميع عنها.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4222 - السبت 29 مارس 2014م الموافق 28 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:37 م

      الله عالتناغم في الحياة

      شيئ ممتع من بناتنا ان يكن بهذه الحصافه والذكاء ف التحليل للاشياء المهمه في الحياةًبوركتِ ياكاتبة وسلمت يداك دكتورتنا الغاليه

    • زائر 6 | 8:46 ص

      رمز الانسانيه الحقيقيه

      نحن لاالايام التي كنا نلهو بها ولا نعرف الضغوط والآن حياتنا لانعسشها بل نحضرها كي يستمتع بها الآخرون ونمرض ونغيب قبل الاستمتاع بها مقاله تفتح العيون

    • زائر 5 | 8:43 ص

      رمز الانسانيه الحقيقيه

      الايام تمضي سريعاً وتجميع المال لانهاية له علنا نتعض ممن اخذوا الحياة باكثر سهول وتمتعوا بها

    • زائر 4 | 8:41 ص

      اكثر من شيئ ومن العنوان الجميل

      والله مقال مميز وجمسل وهو عبره للجميع بان يخففوا منوثرواتهم ويتمتعوا بحياتهم

    • زائر 3 | 6:02 ص

      الله يكثر من امثالها

      مقال يعتقدي به: وتمتعت بكل جوانب الحياة وبهجتها واكتفت بالرزق القليل والسعادة الكثيرة والمتجددة

    • زائر 2 | 1:30 ص

      مقال جميل و رائع

      مقال جميل و رائع قرأته مرتان لأتمتع بروعته

    • زائر 1 | 1:07 ص

      رااائع

      مقال رائع أستاذة سهيلة؛ واهم هو من يعتقد بأن السعادة هي جمع المال وإنفاقه على ملذات زائلة..

اقرأ ايضاً