العدد 4223 - الأحد 30 مارس 2014م الموافق 29 جمادى الأولى 1435هـ

خالد الدخيل... التعميم وخطاب المؤسسة

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المساحة المحدّدة لهذا العمود تتطلّب الدخول مباشرة لرصد تناقضات وتجيير وتكرار لجانب من أدبيات المؤسسة الإعلامية العربية، من قبل بعض المثقفين والأكاديميين العرب عموماً، والخليجيين خصوصاً.

مقال الأكاديمي السعودي خالد الدخيل «المثقف الشيعي وإيران» المنشور في صحيفة «الحياة» يوم الأحد (23 مارس/ آذار 2014)، حفل بالكثير من التناقضات وإسقاط حالة خاصة واعتبارها كحالات عامة، على رغم اختلاف الخصوصيات، وواقع الأقليات هنا وهناك.

تناول مقال الدخيل قضية المثقف وعلاقته بالمذهب، يحيلنا إلى العنوان نفسه الذي تورّط في حال من التعميم «المثقف الشيعي» و»إيران»، ومن المؤكد أن أخطر ما يمكن أن ينتج عن التعميم عن وعي أو لا وعي، هو تبنّي المثقف له وتورّطه فيه. تناول المثقف لحالة، ظاهرة، خطورته تكمن في أن يسحبه إلى حال من التعميم، كلّما نشب إشكال بينه وبين السلطة من جهة، وبينه وبين مريديه من جهة أخرى، وبينه وبين الذين يُعمل مبضع تعميمه عليهم من جهة ثالثة.

تعميم المثقف لا يترك خط رجعة في هذه الهستيريا خصوصاً، ومن دون الهستيريا التي نشهد، نحن إزاء تعميم يطول كل شيء. حتى الإنسان هو ضمن تصنيف ومظلة الشيء الذي أعنيه هنا.

التركيز على حالة وتناولها واستقصاء إشكالاتها قد يقود إلى رؤية وطريقة نظر أو حلول. تعميم الحالة في التناول خصوصاً اقتراح معالجة لا تنأى عن المعالجات الرثة والمؤقتة للمؤسسة، يعمّق من عُقد تلك الحالة ويتركها هكذا في مهبّ الاحتمالات والتخريجات التي لن تقدم ولكنها تملك أن تؤخر من دون أدنى شك!

يعترف الدخيل أن «أحداث المرحلة تفرض هذا التناول»، ولا أظنه يبتعد عن واقع هستيريا التسفيه والتخوين والتشكيك في أقليات في بلد، وأقليات في بلد آخر تشكل أكثرية!

وفيما يتناول الدخيل الحالة السعودية لم يجد حرجاً في إسقاطها على حالات في دول الجوار، البحرين من بينها واليمن كذلك متمثلة في «الحوثيين»، من دون أن ينسى العراق في باقة «أحداث المرحلة» التي «تفرض» التناول!

موضوع إيران يُقحم إقحاماً في قراءة خطاب أو دور المثقف «الشيعي»، وذلك يرتبط بالضرورة بانطلاقه من خطاب مذهبي بحسب توصيف الدخيل. وأيضاً في حالة تعميم.

يتحدّث الدخيل عن مطالبة المثقف الشيعي بحقوقه السياسية وبمساواته مع الآخرين داخل بلده، ويتكرّم بالإقرار له بذلك الحق، وبعدها مباشرة «ويتخذ موقفاً نقدياً أحياناً من الدولة التي ينتمي إليها»، ويقر له بذلك الحق أيضاً، ما المشكلة؟ يقرّر أيضاً: «أن المثقف يميل في الأغلب إلى موقف الصمت أو الحياد الصامت إزاء تجاوزات وأخطاء قوى أو حركات أو أحزاب تتقاطع مع هويته المذهبية». قبل هذا التوصيف بالفرز الذي يذهب إليه الدخيل عليه أن يبحث بجرأة إن كان يتحلى بها: هل المواطنة متحققة واقعاً في النماذج التي تناولها؟ ومادامت تلك المواطنة غير متحققة، فأي أفق للنقد يمكن أن يتاح لذلك المثقف موضوع المقال؟ وهل نأتي بجديد حين نقول وهو الثابت: أنه متى شعر الإنسان عموماً والمثقف خصوصاً، أنه خارج وصفة وحدود المواطنة، سيتمترس ويجد حمايته وحصانته كخيار أخير في الجماعة التي ينتمي إليها، وليس بالضرورة أن يكون متطابقاً معها في كل تفكيرها واعتقادها، وممارساتها، وحتى في الخطاب الذي يصدر عنه، فدفاعه عنها يكشف عن خلل لم يساهم هو فيه بالدفاع، بقدر ما هو مسئولية الجهة التي مارست التمييز والإقصاء والتهميش والحرمان من المواطنة. نقده هنا جزء من محاولة التدارك والتنبيه إلى خطورة واقع وممارسة.

سؤال آخر لا ينفصل عن حال التعميم التي عجّ بها مقال الدخيل: أين المشكلة في أن تكون لك مطالب ومواقف نقدية كونك مواطناً، من دون أن تسلخ تلك المواطنة عنك مذهبك، سنياً كنت أو شيعياً؟ المقياس هنا: الأفق الذي تتحرك فيه المواطنة، بعدها لا خطورة من أفق المذهب، ممارسة واعتقاداً.

احتوى مقال الدخيل على مناقشة عابرة لكتاب «الحراك الشيعي في السعودية»، واكتفى باستعراض وردود عابرة ومبتسرة لم تخل من التعميم أيضاً، ولم ينس إسقاطها على الحالات الثلاث المذكورة في اليمن والبحرين والعراق.

صار ممجوجاً جداً وباعثاً على الأسى أن يتصدّى مثقفون باسم أن «أحداث المرحلة تفرض التناول»، لتكون صدى لصوت مؤسسات إعلامية رسمية لم تنجح سوى في ضرب المكوّنات، كي تتفرج على الكارثة من بعيد، وتكون في مأمنٍ من استهدافها!

الخلاصة: النماذج والاستشهادات كانت رخوةً وغير قائمةٍ وغير واقعية؛ ولو وصلت الشواهد إلى نماذج عشرة من مثقفين يتماهون في خطابهم مع المذهب وإيران، تلك ثلة لا تعطي الدخيل حق تعميمها، كما لا يعطينا حق تعميم أن المثقف السني متماهٍ بشكل مطلق مع مذهبه في خطابه ومع الوطن الذي يضمه ويقيم فيه.

في النقد والرؤية والقيام بالدور، ثمة خطابٌ يتجاوز المحلي إلى الكوني، خطاب يتوجه إلى الإنسان والحياة والقيم من دون التموضع في طائفة أو أشكال أوطان لم يتحقق فيها حتى يومنا هذا مفهوم المواطنة في أبسط صورها وشواهدها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4223 - الأحد 30 مارس 2014م الموافق 29 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:51 ص

      الدليل !!!

      اريد واحد فقط من من يسمونهم مثقفين ان ينبري ويقول شئ اخر ، أبدا والف لا ، كلهم من طينة واحدة . شطار في التبرير والتبرير اما ما يقوله الكهنة فهو مقدس بالمطلق

اقرأ ايضاً