العدد 4223 - الأحد 30 مارس 2014م الموافق 29 جمادى الأولى 1435هـ

عذراً... السادة بهيئة سوق العمل أنتم مقصّرون

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

هيئة سوق العمل هي الهيئة المُنشَأة بموجب قانون تنظيم سوق العمل رقم 19 لسنة 2006. هذه الهيئة لها شخصية اعتبارية، ولها ميزانية مستقلة، وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري، فضلاً عن أنها تتمتع بجميع الامتيازات التي تتمتع بها الوزارات والأجهزة الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة في المملكة.

وهذه الهيئة تباشر كافة المهام والصلاحيات اللازمة في مجال سوق العمل، وأهمها: تنظيم العمل، وتنظيم تصاريح العمل وتراخيص وكالات توريد العمال ومكاتب التوظيف، وتصاريح مزاولة أصحاب العمل الأجانب للعمل. ولها مجلس إدارة يُشكل بموجب مرسوم، ورئيس تنفيذي يُعيّن بموجب مرسوم أيضاً، وجهاز إداري يضم مكتباً للتوظيف وقسماً للتفتيش ولجاناً للتحقيق ولجاناً للتدقيق، وغير ذلك من الأجهزة الإدارية واللجان والأقسام الفرعية الأخرى.

وقد حدّدت المادة الرابعة من القانون المذكور مهام وصلاحيات هذه الهيئة التي لتشعبها واتساعها لا يسع هذا المقال لحصرها.

ولهذا بلغت أهميتها إلى حد أن القانون المذكور قد كلَّفها بوضع وتنفيذ خطة وطنية شاملة تتضمن «الاستراتيجية» و»السياسة العامة» بشأن تشغيل العمالة الوطنية والأجنبية. وقد نوّه إليها القانون بالنص بأن «تكون مصدراً رئيسياً للبيانات والمعلومات والإحصاءات الدقيقة فيما يخص سوق العمل بالمملكة».

مما تقدم نستنتج أن هيئة سوق العمل تفوق مهامها وصلاحياتها مهام وزارة العمل في إطار العمل، فباتت مرفقاً عاماً له أهميته ومكانته على المستوى الوطني في مجال سوق العمل وما يتصل بها، وفي المجال الاقتصادي، والمجال الاجتماعي أيضاً وإنْ بشكل غير مباشر.

بيد أنه نظراً للمخصصات المالية الوفيرة المقررة لهذه الهيئة، وللإيرادات الضخمة التي تحصل عليها، يقودنا إلى التوقف للنظر إلى إنجازات هذه الهيئة؛ لنعرف مدى وحجم إنجازاتها، وهل أن هذه الانجازات تتناسب مع تلك المخصصات والإيرادات.

إني لست خبيراً بما يكفي لأقرّر مدى تناسب إنجازاتها ككل مع مخصصاتها وإيراداتها، إنما يحق لي أن أقيس ذلك من زاوية واحدة، وهذه الزاوية ربما تكون الأكثر تأثيراً وأثراً، وهي وظيفة هذه الهيئة في تنظيم تصاريح العمل ووضع الخطة الوطنية بشأن تشغيل العمالة الوطنية باعتبار أن هذه المهمة هي الهاجس والأكثر أهمية على مستوى المملكة.

فمن المقرر -طبقاً لخطة «بحرنة الوظائف»- أن التصريح لأصحاب الأعمال باستخدام عمالة أجنبية منوط بقيام هؤلاء بتشغيل نسبة معينة من العمال الوطنيين العاطلين. وبالتالي فإن هذا التصريح يفترض أن لا يصدر إلاّ بعد التحقق والتأكد من قيام طالب التصريح بتشغيل النسبة المطلوبة المقررة من العمالة الوطنية.

غير أن ما يلفت النظر هو أن هناك الكثير من أصحاب الأعمال الذين فقدوا الحس الوطني والإنساني، قد ولوا مدبرين عن العمال الوطنيين، بل تكالبوا عليهم مكراً وبخساً بشتى طرق الخسة والاحتيال دون واعزٍ من ضمير أو رادعٍ من إيمان، مستغلين غفلة أو تقاعس الهيئة عن أداء مهامها كما يجب في هذا الجانب.

وسنضرب مثالين كواقعين أو كحالتين على سبيل المثال لإثبات هذه الخسة وهذا التحايل:

الحالة الأولى: من المعروف أن قانون العمل قد وضع حكماً أجاز بمقتضاه التعاقد بين العامل وصاحب العمل تحت شرط التجربة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ بدء العمل، بحيث يحق لكل منهما إنهاء العقد خلال هذه المدة دون أية مسئولية قانونية إذا تبين عدم ملاءمة الاستمرار في التعاقد. فيقوم بعض أصحاب الأعمال بالاستفادة من هذا الحكم بإبرام عقود عملٍ مع عمال وطنيين تحت شرط التجربة، ويستغلونها فور إبرامها للحصول على رخص عمل أجانب من قبل هيئة سوق العمل. وما أن يحصلوا على هذه الرخص فإنهم ينهون تلك العقود بحجة عدم نجاح العامل (أو العمال) خلال فترة التجربة. وبهذه الحيلة القانونية يحصل أصحاب الأعمال على رخص عمل أجانب دون تشغيل حقيقي وفعلي للعمالة الوطنية.

هذه الحيلة قد تتبرأ منها هيئة سوق العمل وتعتبرها خارجةً عن نطاق مسئوليتها، طالما أن هذه الحيلة يغطيها حكم قانوني. غير أن هذا التبرؤ هو في غير محله، إذ يستوجب عليها على الأقل التريث في إصدار الرخص متى تبين لها أن عقود العمل تخضع تحت فترة التجربة إلى حين انتهاء هذه الفترة، والتأكد من استمرار العامل (أو العمال) المعنيين في العمل بعد انتهاء هذه الفترة عن طريق قسم التفتيش لديها، وهو إجراءٌ لا يكلفها شيئاً. فإن لم تقم بذلك، وهو ما نلحظه في الواقع العملي، فإن هذا يعد تقصيراً منها يستفيد منه أصحاب الأعمال المحتالون. وبهذا يمسي العامل الوطني هو المتضرر والخاسر الوحيد في هذه اللعبة.

الحالية الثانية: قد نلتمس عذراً لهيئة سوق العمل في الحالة السابقة، مع أنها غير معذورةٍ بالطبع، فماذا تقول هذه الهيئة في الحالة الآتية التي وقفنا عليها حديثاً؟.

وهذه الحالة (التي ليست هي الوحيدة) تتلخص وقائعها في أن شركةً محليةً أبرمت عقود عمل مع بعض المهندسين البحرينيين، فتقدّمت إلى هيئة سوق العمل على ضوء تلك العقود بطلب تراخيص عمل أجانب، فمنحتها الهيئة على أثر تلك العقود عدداً كبيراً من التراخيص المطلوبة. في حين أن هذه الشركة ظلت تماطل المهندسين البحرينيين المتعاقد معهم دون تنفيذ تلك العقود بوعودٍ كاذبةٍ لمدة تجاوزت ثلاثة أشهر، حتى أن بعضهم قدم استقالته والبعض الآخر بقي منتظراً. وبعد التحري والبحث تبين لهؤلاء المهندسين أن تعاقد الشركة معهم هو فقط لغرض الحصول على رخص عمال أجانب، وهو ما تحقق لها بالفعل.

إن مثل هذا الواقع هو بصدق ليس تقاعساً أو مجرد غفلة وحسب، إنّما هو تقصير وخطأ فادح ترتكبه الهيئة، ويتمثل ذلك في عدم تحريها من مصداقية هذه الشركة وغيرها، وعدم التأكد من مدى تنفيذ الشركات للعقود المبرمة مع العمال الوطنيين المتعاقد معهم قبل أن تصدر التراخيص المطلوبة، وذلك عن طريق الزيارات الميدانية لمواقع العمل من قبل جهاز التفتيش لديها كواجب قانوني فرضه القانون عليها، أو بالاتصال التلفوني المباشر مع العمال المعنيين على الأقل.

لهذا وبعد ما تقدّم؛ ليسمح لنا السادة بهيئة سوق العمل، إذ نقول لهم «عذراً أنتم مقصرون»، ونأمل أن لا يدوم أو يطول هذا التقصير.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4223 - الأحد 30 مارس 2014م الموافق 29 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:46 ص

      الذكرى

      تسلم الكاتب ع المقال...فذكرى إن نفعت الذكرى

    • زائر 3 | 2:09 ص

      مجرد تحليل نظري..الواقع يختلف!!

      فليسمح لي السيد علي الورقاء بهذا التعليق، إن ماجاء في تحليلك مجرد تحليل نظري.. فالواقع المعاش مع العمالة الوطنية مليئ بالتجارب السلبية التي تكبد صاحب العمل الخسائر ولن أبالغ اذا قلت أنها تصل أحياناً الى الإفلاس!! شخصياً، وكصاحب عمل أبحث عن عمالة وطنية ولا أجدها واذا وجدتها تكون لا أجد فيها الإستمرارية في العمل...سأتفق معك إذا وفرت لنا وزارة العمل أو الهيئة موظفين مدربين ولو على الإلتزام واخلاقيات العمل فقط والتدريب الفني علينا...تحياتي

    • زائر 2 | 1:58 ص

      تسلم

      تسلم على هذا المقال اصبت الحقيقة

    • زائر 1 | 1:17 ص

      شكرا ابو جمال

      الهيئة مقصرة في كل شيء على الهوامير ولكنها على الفقراء اسد ضاري. خل اول تكون عندها ادارة عدل تالي ننتقد. ايام المرحوم علي رضي راحت

اقرأ ايضاً