العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ

علينا الاختيار... العقل والعدالة أم التكفير

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في هذه الحقبة الإسلامية التي نعيش حالياً فظائع تجاوزاتها القيمية، ونتلحّف بسواد ليلها الحالك الذي يفرضه على أرض وطن العرب كله جنونُ التكفيريين المنتعلين أحذية دم الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء، بغرور العار وابتسامات الشيطان، خارج حظيرة الله وأنبيائه والصالحين من عباده. في حقبة الجحيم الإسلامي الذي يلفح وجوهنا كل يوم فلا نرى من خلاله إلا ظلمة المستقبل القاسي المفرّغ من عبق ونور الرّحمة الإلهية. في هذه الحقبة نحتاج أن نسترجع في ذاكرتنا وعقولنا وأرواحنا وأعماق إنسانيتنا، أن في قراءة رسالة الإسلام يكمن وجهان: الأول يمثّله تزمُت وتخلّف وقسوة وعبثية وإجرام قوى الكره والتكفير والإبادة للآخر التي نراها أمامنا، أما الثاني فيمكن استحضار تسامحه وتقدميته وإنسانيته وعقلانيته من بعض فترات الألق في التاريخ.

في كتابه «فكرة العدالة»، يشير الكاتب الهندي الأصل والفيلسوف الشهير، الأستاذ في جامعة هارفرد الأميركية أمارتيا سين، إلى أن أصل قيم العقلانية والأخوة والتسامح والعدالة في القانون لم تولد في حقبة الأنوار الأوروبية كما يعتقد، وإنّما سبق إلى الإيمان بها، بل وتطبيقها، أناس آخرون في تاريخ البشرية الطويل.

لذا، وبفخر واعتزاز، عندما يتحدّث عن بعض متطلبات تواجد العدالة واستمراريتها في المجتمعات، من مثل العقلانية والتسامح والانفتاح على الآخر، يشير إلى الامبراطور المغولي المسلم الشهير، المسمى بأكبر العظيم، يشير إليه كمثلٍ للعقلانية والتسامح.

أمبراطور المغول هذا، قام في بداية الألفية الثانية الهجرية، منتصف القرن السادس عشر الميلادي، عندما كانت أوروبا تعيش في ظلام الحروب الدينية وجنون محاكم التفتيش التي كانت تحرق النساء البريئات باسم محاربة الهرطقة والسحر الشيطاني، هذا الامبراطور أعلن على الملأ بأن العقلانية، وليست التقاليد والأعراف، هي التي يجب أن تحكم التعامل مع القضايا الصعبة في حقول السلوك وبناء مجتمع العدل.

وفي الحال قام بمراجعة هائلة للقيم الاجتماعية والسياسية، وللممارسات القانونية والثقافية في المجتمعات التي كان يحكمها. هذه المراجعة قادت الامبراطور إلى حصيلة من المبادئ والممارسات التي يشيد بها الكاتب، منها:

أولاً: التركيز الشديد على أن العلاقات فيما بين مكوّنات المجتمع (المسلمين وغير المسلمين) يجب أن تكون تعاونية تؤدي إلى السلم الأهلي. ومن أجل ذلك تبنَّى المبدأ الصوفي «السلام للجميع» أساساً لملكه الامبراطوري.

ثانياً: شرّع مبدأ التسامح الديني في امبراطوريته التي كانت فيها أعداد كبيرة من غير المسلمين وعلى الأخص أتباع الديانة الهندوسية. شرع بأنه لا يجوز التدخل في حياة الناس بسبب انتماءاتهم الدينية، وثبّت حقهم في الإيمان بالدين الذي يرغبون.

ومن أجل التفاهم بين الأديان دعا إلى لقاءات دورية في عاصمة الامبراطورية بين علماء الديانات التوحيدية وغير التوحيدية، بل والإلحادية، وذلك بقصد التعرف على الآخر واحترام حقوقه والتمهيد للإعلان الرسمي عن أسس الدولة المدنية التي تمارس الحياد بين الأديان وأتباع الأديان.

ثالثاً: ثبّت مبدأ أنه ليس من العقل أن تتصرّف جماعة بطريقة تؤدّي إلى إيذاء الآخرين. ولذلك ألغى نظام ما كان يعرف بـ «العبودية الامبراطورية «، على أساس أنه خارج العدالة والسلوك السَّوي أن يستفاد من استعمال القوة. ثم أتبع ذلك بإلغاء جميع الضَّرائب الخاصة المفروضة على غير المسلمين، أي الجزية، على أساس أن ذلك ضد مبدأ المساواة بين مواطني الامبراطورية.

رابعاً... وكجزء من فهمه للعقلانية والعدالة، أعلن معارضته لزواج الأطفال على أساس أن الهدف من الزواج لا يمكن أن يتوفر في مثل هكذا زواج، ولأن هناك إمكانية إيذاء للأطفال. وهو نفس المنطق الذي دعاه لمحاربة الممارسة الهندوكية التي كانت لا تسمح للمرأة الأرملة بالزواج مرةً ثانية، على أساس أن ذلك هو ممارسة غير عادلة.

كثيرة هي الأفكار الإنسانية والممارسات العادلة التي طرحها ذلك الامبراطور المسلم، الممارس بتعلُّق شديد لشعائر دينه الإسلامي، الذي كان لا يعرف القراءة ويأتي بآخرين لقراءة الكتب له ليحفظها عن ظهر قلب، طرحها في وجه ما اعتبره فهماً غير عقلاني للإسلام. القضية الأساسية عنده كانت إعلاء مكانة العقل وقيم العدالة والتسامح والسلم الأهلي. هذا الامبراطور المسلم يعتبره بعض المؤرخين من بين أعظم أربعة حكّام في تاريخ البشرية، وكان تأثيره كبيراً على الزعيم الروحي المهاتما غاندي.

إذاً في فهم الإسلام هناك إمكانيات الممارسات البليدة والحقيرة التي نراها أمامنا اليوم، وهناك إمكانيات ممارسة ألق ونور الروح والعقل والوجدان، إذ يتعاملون ويتفاعلون مع رسالات السماء المشعّة رحمةً وسلاماً وعدلاً وأخوة، وعلى علماء وقادة وشعوب هذه الأمة المنكوبة المنهكة أن يختاروا قبل فوات الأوان.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4227 - الخميس 03 أبريل 2014م الموافق 03 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:28 ص

      لقد أسمعت لو ناديت حياً 2

      و لكنني بصورة جازمة أقول: لقد تم الأمر... واخترنا التكفير على العقل والعدالة أم التكفير. تكفير حوَّل كل الشيعة إلى صفويين روافض مجوس ، و حوَّل كل السنة إلى يزيديين نواصب معادين لأهل البيت. و العلماء في أفضل مزاج و أبهى صورة؛ حفظهم الله من عين كل حسود.

    • زائر 5 | 2:27 ص

      لقد أسمعت لو ناديت حياً 1

      لا أدري من المقصود بـ"علينا "؟ إن كان المواطن العادي؛ فقد أخطأت الطريق يا دكتور علي. و إن كانت الحكومة فالحكومات غير مسئولة عن التكفير: و لا بمن يكفر من.
      المسئول الأول و الأخير و الوحيد عن التكفير هم العلماء و الفقهاء و المراجع! و عليها يُعدَّل العنوان إلى: "على العلماء و الفقهاء و المراجع اختيار العقل والعدالة أم التكفير".

    • زائر 4 | 12:47 ص

      عبد علي البصري((العداله في يد العادل))

      قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْهِجْرَةِ وَنَحْنُ خَارِجَانِ مِنَ الْغَارِ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ : " كَفِّي وَكَفُّ عَلِيٍّ فِي الْعَدْلِ سَوَاءٌ " ، الْحِمْلُ فِيهِ عِنْدِي عَلَى التَّمَّارِ . .

    • زائر 3 | 12:45 ص

      عبد علي البصري ((العداله في يد العادل))

      فَقَالَ : يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَهُ أَنْ يَحْثِي لَهُ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ فَاحْثِهَا لَهُ ، قَالَ : فَحَثَاهَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : عِدُّوهَا فَعَدُّوهَا فَوَجَدُوهُ فِي كُلِّ حَثْيَةٍ سِتِّينَ تَمْرَةً لا تَزِيدُ وَاحِدًة عَلَى الأُخْرَى ، قَالَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ .

    • زائر 2 | 12:42 ص

      عبد علي البصري ((العداله في يد العادل))

      حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ ، قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةٌ ، فَلْيُقِمْ فَقَامَ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَنِي ثَلاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ تَمْرٍ ، قَالَ : فَقَالَ : أَرْسِلُوا إِلَيَّ عَلِيٍّ

    • زائر 1 | 12:36 ص

      عبد علي البصري

      هذه تعاليمنا ومبادئنا وفلسفتنا , في الحياه , إما أخ لك في الدين أو إخ لك في الخلق , وعندما يسقي الحسين عدوه الماء ويموت هو عطشانا أو عندما يبكي عليهم حسره لدخولهم النار بسببه . لا لشيئ إلا ليرسم للعباد وللبشر دروس المثل الانسانيه والعقلانيه وعدم الانجرار وراء النزعه الطائفيه و الانتقاميه , رجال تركوا دنياهم لاخراهم . فأعطاهم الله الدارين .

اقرأ ايضاً