العدد 4230 - الأحد 06 أبريل 2014م الموافق 06 جمادى الآخرة 1435هـ

احتقار الشعب وإهانة المواطن

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تتواتر تصريحات كبار المسئولين العرب وفذلكات حواريهم في شيطنة الربيع العربي، فتارةً يطلقون عليه «الخريف العربي»، وتارة أخرى «الربيع الدموي».

كما أنهم ما انفكوا يحللون ما يجري على امتداد الوطن العربي من المغرب حتى ضفاف الخليج، منذ إشعال محمد البوعزيزي نفسه وإشعال الهشيم العربي في ديسمبر/ كانون الأول 2010، بأنه مؤامرة أميركية صهيونية فارسية، لتحطيم الأمة العربية وتفتيت ما هو مفتت، وإشعال الحرب الأهلية في كل بلد عربي حتى تنشغل الشعوب العربية بمصائبها، وتتفرعن «إسرائيل» وتسيطر أميركا.

والبعض يضيف أيضاً العدو الفارسي في تحالف أميركي إسرائيلي فارسي دنيء، ولا يعوز هؤلاء التحسر على مرحلة الركود العربي التي سبقت هذا الإعصار، وتجلّت بأحلى صورها في قمة شرم الشيخ في يناير/ كانون الثاني 2011، حيث ائتلف الحكام العرب بعد خصوماتٍ مريرة، والتأم الشامي على المغربي، والتقطوا الصور التذكارية وهم يحتضنون بعضهم البعض، الثوري النوري الكلمنجي والقبلي الرجعي التقليدي، ومعظمهم مضى عليه عقود في الحكم، وبعضهم أعدوا أبناءهم ليخلفوهم في دولهم وجمهورياتهم الديمقراطية العتيدة.

كانوا في غاية الاطمئنان بعد أن تبخرت مشاريع الثورات والدول الديمقراطية الدستورية، واطمأنوا إلى تحالف عتيد مع السيد الأميركي، وتفاهم مع ما يدعى بالعدو الصهيوني، وحذر الشعوب العربية التي تراجعت أحلامها وآمالها وهي تنتظر يومياً في طوابير الخبز أو مواقف الباصات المتهالكة أو شبابيك المعاملات الحكومية الروتينية، وهي تصارع الحياة اليومية، حيث يتضرع المواطن العربي إلى الله بالستر وأن يبعد عنه جلاوزة المخابرات، وكما قال غوار الطوشة في نهاية مسرحيته الممتازة «ليلة سمر من أجل حزيران»: «أنا ما يخاف إلا من الله والمخابرات»!

فجأةً حدث شيء محير، ضابطة شرطة في مدينة سيدي بوزيد تصفع الشاب محمد البوعزيزي، الخريج الجامعي، والعاطل عن العمل، والذي اضطر أن يتحوّل إلى بائع خضراوات متجول مستخدماً عربة غير مرخصة، وهكذا تجسّدت كل عوامل الإهانة والإحباط واليأس، فأشعل النار في جسده، وأشعل هشيم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، حيث الصفعة التي تلقاها البوعزيزي يتلقاها ملايين المواطنين العرب مادياً أو معنوياً كل يوم.

منذ ذلك اليوم خرج الشعب العربي من الطرق، كسر حاجز الخوف، نبذ المسلّمات، وقاد الحراك الشباب الذين لم يتجرعوا هزائم جيل آبائهم، وخرجت النسوة اللواتي لم يصبن بإحباط الرجال، ثم التحق الرجال أيضاً، في مشهدٍ لا سابق له في التاريخ العربي، لتتساقط أنظمة كأوراق الخريف والتي كان يظن أنها منيعة، وتهتز أخرى كان يظن أنها محصّنة.

بالطبع لم يترك الغرب بقيادة أميركا ولا «إسرائيل»، ولا الأنظمة التقليدية، الحراك يأخذ مجراه بما في ذلك الحراك السلمي في أكثر من بلد عربي، كما لم تترك القوى الأصولية الكامنة والمتربصة الجماهير العربية لتطوّر حراكهما، وتحالف النفط مع الأصولية لتخريب واحد من أجمل أشكال الحراك الجماهيري القومي، ولتغرق الثورات السلمية في بحر من الدم في ظل غباء واستهتار الأنظمة من التجاوب مع الحراك الجماهيري.

كما أن الأنظمة استخدمت كل ما في ترساناتها من أسلحة قذرة كالطائفية والقبلية وغيرها، والآن ونحن في العام الرابع من هذا الحراك الجماهيري العربي الذي تخطّى الحدود، وخلق تواصلاً وجدانياً بين أبناء الأمة وشبابها ونسائها، فإن التخريب الفعلي مترافق مع عملية تيئيس للشعوب العربية، وعملية شيطنة لقوى الثورة والتغيير، وتصوير هذه الثورات بأنها نتاج مؤامراة الحلف الشيطاني الأميركي الإسرائيلي الفارسي، وأن شرفاء الأمة هم عملاء لأحد أو جميع أطراف هذا الحلف.

عملية تضليل واسعة يشارك فيها السياسيون والمثقفون النفعيون والإعلاميون الطبّالون، آلة تضليل عملاقة قوامها فضائيات وصحف وشبكات تواصل اجتماعي، استدعي لها خبراء الإعلام والعلاقات العامة الغربيون، ورصد لها ميزانيات مفتوحة. تجدهم في كل اجتماع أو محفل أو مؤتمر محلي أو عربي أو دولي تحت مختلف التسميات يلاحقون من يريد إسماع صوت المواطن الصادق البسيط.

بالطبع فالتضليل السياسي والإعلامي هو انعكاسٌ لعمليات قمع وحشية لأي تحرك شعبي. لقد وصلت الهستيريا إلى إزالة المواقع والساحات التي شهدت ذلك الحراك لطمس كل ما يذكر به.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4230 - الأحد 06 أبريل 2014م الموافق 06 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:21 ص

      ضلم الحكام

      من سنين طويلة وهم يضلمون البشريه اتخدو الشيطان حليفهم وتركو الله وهو خالقهم ودائما يتحدون الله ويريدون ملك الدنيا وهى ملك الله سياتى يوم القيامه وسيعذبهم الله بافعالهم بالبشريه خل تنفعهم امريكا وتشفع ليهم يوم القيامة وانا ابشر جميع الشعوب واقول لهم استمروا فى حراككم من ظلم الحكام ولاتياسوا فانه الله معكم سينصركم لانه الله يمهل ولا يهمل

اقرأ ايضاً