العدد 4234 - الخميس 10 أبريل 2014م الموافق 10 جمادى الآخرة 1435هـ

قضية فلسطينية أم صراع عربي - صهيوني؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

يا للحسرة، أن يضطر الإنسان إلى التذكير بالبديهيات. مناسبة ذلك خطابات وكتابات العبث بموضوع الصراع الحضاري ما بين المشروع الصهيوني من جهة والمشروع النهضوي لأمَّة العرب من جهة أخرى.

ما تريد تلك الخطابات والكتابات قوله، تصريحاً أو تلميحاً، هو أن موضوع فلسطين ليس أكثر من احتلال استيطاني صهيوني لمعظم فلسطين ومن تشريد لشعبها. وبالتالي فإن الأمر يجب أن يترك التعامل معه للفلسطينيين، وأنّ مسئولية أنظمة وشعوب بقية الأقطار العربية هو تقديم المساعدة السياسية واللوجستية الممكنة للشعب الفلسطيني. أما التعامل مع سلطات الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة فهو أمر آخر، إذ يجب أن يخضع لنظام التعامل بين الدول مع بعضها البعض بما في ذلك تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي يمارسها البعض علناً أو خفية.

هكذا تشوَّه الموضوع بكامله، وضاع أصله ونسيت جذوره، كصراع وجودي بين فكر وأطماع وممارسات صهيونية استعمارية فاشستية توسعية، وبين تاريخ وحاضر ومستقبل وحقوق وأمن واستقلال أمة العرب بجميع أقطارها وشعوبها، بما فيها الوطن الفلسطيني وشعبه.

هذه النظرة التبسيطية المتناسية للكتابات والأقوال والأفعال الصهيونية عبر أكثر من قرن، هي التي قادت الكثير من أنظمة الحكم العربية إلى أشكالٍ من التطبيع مع الكيان الصهيوني، وخصوصاً أن المقاطعة غير مقبولة أميركياً وأوروبياً، وإلى أقوال البعض من دون حياء بأن مسألة حسم التجاذبات السنية – الشيعية هي أهم وأخطر من الصراع العربي – الصهيوني، وإلى تململ البعض من الموضوع الفلسطيني برمتّه والمطالبة بإنهائه بأي ثمن وبأية تنازلات من أجل أن تتفرّغ الأمة لقضاياها الأهم وتتصالح مع العالم، وهي تمهيد لقطرنة (من القطر) كل القضايا العربية وإزالة الصّفة والمكانة القومية عن أيّ منها.

السؤال هو: هل حقاً أن المشروع الايديولوجي الصهيوني سيقف عند حدود فلسطين والجولان وشبعا المحتلّتين أم أن الموضوع هو أكبر وأخطر وأشمل من ذلك بكثير؟ فهل قضيتنا مع الصهيونية هي قضية فلسطينية وحدودية مع بعض الأقطار أم قضية عربية مصيرية كبرى؟

الجواب على ذلك موجود إلى حدٍّ كبير في الفهم الصهيوني لاستراتيجية التطبيع مع العرب، وفي الشروط المذهلة المجنونة التي يطرحها الصهاينة كشروط للسلام النهائي مع أمة العرب. إنها استراتيجية وشروط لا تقف عند حدود فلسطين، وإنما تمتدّ إلى الوجود العربي كلّه في وطنه الكبير.

لقد كتب الكثير عن الفهم الصهيوني النازي الاستعلائي النّهم لموضوع التطبيع مع العرب (نعم العرب وليس الفلسطينيين). وهو موضوع واسع ومتشعب ومليء بالمخاطر، ولذا سنذكر هنا بإيجاز، بعضاً من النقاط ليتبيّن للمتعبين من الموضوع الفلسطيني فداحة خطأ اعتقادهم أنهم يستطيعون العيش مستقبلاً من دون حمل مسئوليات التواجد الصهيوني في فلسطين وأية بقعة عربية يبتلعها.

أولاً: في خطاب للجنود الصهاينة إبّان العدوان الثلاثي على مصر (1956) لخّص مناحيم بيغين الهدف الصهيوني الرئيسي ووسيلته الشيطانية: «ينبغي أيها الإسرائيليون ألا تلينوا أبداً عندما تقتلون أعداءكم، ينبغي ألا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمّر ما يسمّى بالثقافة العربية (ولم يقل الفلسطينية) التي سنبني على أنقاضها حضارتنا». إنه إذاً صراع حضاري وجودي مع العرب، وليس مع الفلسطينيين العرب لوحدهم.

ثانياً: الفهم الصهيوني للسلام الكامل يعني التطبيع الكامل مع كل العرب، وبحسب الشروط الصهيونية التي تشمل تغيير نمط الفكر السياسي العربي ونمط الفكر الإسلامي بشأن «إسرائيل». وتشمل القبول الكامل للايديولوجية التي قامت عليها «إسرائيل» من مثل أن «فلسطين كانت أرضاً بلا شعب»، أو الأساطير الدينية اليهودية والتزويرات التاريخية بشأن الحق التوراتي والتاريخي لعودة اليهود إلى أرضهم لإقامة الدولة اليهودية. وتشمل أيضاً مطالب أمنية من مثل حدود يمكن الدفاع عنها وأرض عربية مفرغة من أي سلاح استراتيجي بما فيه السلاح النووي من دون المساس بحق «إسرائيل» في أن تكون ترسانةً لمثل ذلك السلاح. وتشمل أيضاً أن يكون الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين بعد تفريغ فلسطين التاريخية من شعبها العربي. وتشمل حقّ تقاسم المياه مع الأردن ولبنان وسورية ومصر؛ وتشمل كذلك منع أية مقاطعة من أيّ نوع كان، للبضائع الصهيونية، أي التدفق الحر للسلع وفتح الأسواق، كما تشمل إنشاء شبكة سكة حديد لتربط الكيان الصهيوني مع كل الأرض العربية.

وتشمل الشروط الإسرائيلية أيضاً «إعلام عربي» لا يتعرّض للايديولوجية والممارسات الصهيونية بالنقد أو الرفض أو التجريح، وأن تكون «إسرائيل» مصدر العلم والتكنولوجيا والإنتاج، وأن تكون أرض العرب مصدر العمالة والتمويل والاستهلاك.

لمن يريد من العرب، وليس الفلسطينيين فقط، أن يتعرّف على تفاصيل أكثر، يشيب لها الولدان من قوة عنصريتها ووقاحتها وانتهازيتها، بشأن الفهم الصهيوني للتطبيع مع العرب، هناك عدة كتب ومقالات كثيرة للباحث محسن عوض يمكن الرجوع إليها.

عند ذاك سيتبيَّن لكل عربي، أنه لا توجد قضية فلسطينية - صهيونية قائمة بذاتها، وإنّما توجد قضية صراع وجودي حضاري عربي- صهيوني، وأن القضية الفلسطينية هي جزءٌ من ذلك الصّراع الممتد في الأفق البعيد بين أمة العرب وبين جحافل الغزاة الصهاينة الطامعين في نهب ثروات كل الأرض العربية وإخضاع كل الأمة.

مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني هي قضية العرب، كل العرب، حكومات وشعوباً ومؤسسات مدنية... وهي المدخل لدحر المشروع الصهيوني.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4234 - الخميس 10 أبريل 2014م الموافق 10 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:58 ص

      نحن الشعوب العربية بحاجه للقراءة اكثر في الشأن الصهيوني

      الحكام العرب يعون ان الاحتلال الصهيوني ليس إحتلال دوله فقط ويعون انها خطه استعمارية توسعيه على كل الصعد ولكنهم يستغلون حاجة اسرائيل في التوسع لتبادل المصالح معها كي تمكنهم تثبيت عروشهم حتى ولو كان على حساب الدين والامه والأخلاق والعقيدة

    • زائر 4 | 4:21 ص

      فاقد الشيئ لا يعطيه

      فلسطين لن تحرر من قبضة الصهاينة ما لم تتحرر الشعوب العربية من انظمتها المستبدة التي تذل الانسان العربي وتهين كرامته.

    • زائر 3 | 4:07 ص

      حل سياسي

      حلوا مشاكلكم في داخل أوطانكم أولا و بعدها تكلموا عن فلسطين و غيرها.

    • زائر 2 | 3:32 ص

      بين الهلوسة والحلم

      يا دكتورنا العزيز هل فعلاً تعتقد بأن هناك مشروع نهضوي للأمة العربية ..لأن المشاريع النهضوية قد تم دفنها في المقابر الجماعية وزنازين وأقبية الموت ...للنهض ونصحوا من الهلوسة وأحلام اليقظة لأن الجميع في العالم يعرف ما لدينا وماهية قدراتنا وإمكانياتنا ..فلنتوقف من الغوص في أحلامنا المميتة والقاتلة..مع التحية

    • زائر 1 | 2:11 ص

      منحى شعبي في قبال توجه حكومي.

      المنحى الشعبي هو ثابت في مقاومة اي شكل من اشكال التطبيع مع العدو الصهيوني يقبله توجه حكومي رسمي بالدعوة للتطبيع على الاقل في دول الخليج العربية وما غلق مكتب مقاطعة إسرائيل والتعاون الامني والتجاري مع العدو الا خير مثال على التوجه الرسمي للتطبيع مع العدو الصهيوني.

اقرأ ايضاً