العدد 4239 - الثلثاء 15 أبريل 2014م الموافق 15 جمادى الآخرة 1435هـ

هوس العرب بالسلطة

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

في مقال سابق تناولت فيه هوس العرب بالتدمير الذاتي، وفي هذا المقال سأتناول معضلة عربية أخرى وهي الهوس بالسلطة.

قال أحد الخلفاء مخاطباً ابنه بعد أن حدس أنه يطمع في الملك: «والله لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه عيناك». قليل من الحكام العرب كان زاهداً بالحكم، لكن الكثير من منافسيهم طامعون بالسلطة، وكأنها غاية المني، حتى ولو كان الوصول إليها بالتآمر والغدر وسفك الدماء.

إثر وفاه الرسول (ص) مباشرةً اجتمع صحابة الرسول، في غياب ابن عمه علي أبي طالب (ع) الذي كان يواريه الثرى، في سقيفة بني ساعدة، وكلنا يعرف النزاع المرير أولاً بين المهاجرين والأنصار، حيث استبعد الأنصار، ثم جرى تنافس شديد بين فروع قريش على من يتسلم الخلافة.

وباستثناء الخليفة الأول أبوبكر الصديق (ع)، فقد اغتيل الخلفاء الثلاثة من بعده عمر (رض) وعثمان (رض) وعلي (ع)، وبعدها بدأ حكم المسلمين حكماً وراثياً عضوضاً في آل أمية، ولم تكن الخلافة سلسةً دائماً، وقد جرى صراعٌ بين فرعي مروان وسفيان في البيت الأموي، وبدأت ظاهرة مكائد القصر، حتى قوّض حكم الأمويين على يد تحالف أبي مسلم الخراساني وأبي العباس ولقبه السفاح، لكثرة ما سفك من الدماء. وكان أبو مسلم الخراساني الضحية التالية بعد أن توطد الأمر لأبي جعفر المنصور، فاستدرجه إلى مدينة الكوفة التي كانت حتى حينها عاصمة الخلافة، وقتله شرّ قتلة.

ومع تطور الدولة وتشعب إداراتها ودواوينها، تعقد الصراع على السلطة، وتعقّدت فنون الخداع في دهاليز القصور، وكلنا يعرف الصراع بين الخليفة الأمين ابن زبيدة الزوجة المفضّلة لأبيه هارون الرشيد، والمأمون ابن جاريته الفارسية، ولم يطل الأمر بالأمين، حتى انقلب عليه أخوه المأمون، وأطاح به من الخلافة، وقيل أنه غدر به لاحقاً.

ونستطيع أن نستطرد كثيراً في سرد قصص التاريخ العربي والصراع الدامي على السلطة، الذي بلغ درجة كبيرة من الانحطاط في صراع ملوك الطوائف على الحكم في الأندلس، بينما العدو يتوحد ويتربص، واستغل صراع الأخوة الأعداء ليقوّض حكم العرب في الأندلس من قبل الملكة إيزابيلا والملك فيرديناند.

ولننتقل إلى العصر العربي الحاضر الزاهر، ولنبدأ بالثوار الذين طرحوا أنفسهم كمناضلين من أجل الشعب، وليس لديهم مطمع في سلطة أو جاه. ثورة 14 يوليو/ تموز 1958، في بغداد التي أطاحت بالحكم الهاشمي ورجله القوي نوري السعيد، بقيادة الزعيم الركن عبدالكريم قاسم والفريق الركن عبدالسلام عارف. وكانا في الأيام الأولى مثال الأخوة والتواضع، لكن الأمر لم يطل، وإذا بالزعيم الركن عبدالكريم قاسم يذهب ضحية انقلاب دموي غادر، حيث أعدم أمام مشاهدي التلفزيون وهو موثوق اليدين ومعصّب العينين، واستلم الحكم عبدالسلام عارف، الذي لم يطل به المقام حيث ذهب ضحية عملية تخريب لطائرته، وخلفه لفترةٍ وجيزةٍ أخوه عبدالرحمن عارف، ليُطاح به في انقلابٍ على يد البعث بقيادة رفيقه في السلاح الفريق أحمد حسن البكر، وبتنفيذ من قائد الحرس الجمهوري العميد عبدالرزاق النايف الذي كوفئ برئاسة الوزراء مؤقتاً، حتى رتب انقلاب عليه، وجرى إعدامه من قبل صدام حسين.

صدّام، بدوره رجل الحزب القوي ونائب الرئيس، دفعته الشهوة للسلطة إلى إجبار الرئيس البكر على الاستقالة مكرهاً، وتوارى بعدها في زوايا النسيان. هذا الفصل العراقي نموذجٌ لما جرى لثورات عربية أخرى.

ففي الجزائر، وثورة المليون ونصف مليون شهيد، تكللت الثورة بالنصر في سبتمبر/ أيلول 1962 بعد مفاوضات إيفيان حيث قيض لفرنسا قائد عظيم هو شارل ديجول الذي أدرك عقم الاستعمار الفرنسي للجزائر، وكان للثورة مجلس قيادة وحكومة مؤقتة، وخلفها جبهة التحرير الوطني الجزائري، وجيش التحرير الجزائري، وشعب مناضل وقف وراء قيادته وجبهته. وكان من المؤمل أن تدخل الجزائر بعد مرحلة الكفاح المسلح، إلى مرحلة البناء، حيث حظيت بدعم العرب في ظل قيادة الرئيس جمال عبدالناصر، ودعم المعسكر الاشتراكي والكثير من التقدميين حول العالم.

وهكذا انتخب أبرز قادة الثورة، أحمد بن بيلا، رئيساً للجمهورية بتزكية من جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وضمن مفهوم القيادة الجماعية. لكن الأمور لم تسر كما كان يتمنى الشعب الجزائري، إذ تفاقم الخلاف الداخلي داخل جبهة التحرير ليُتوّج بانقلابٍ قاده هواري بومدين، قائد جيش التحرير الجزائري، ليستولي على السلطة عنوةً ويزجّ بقائد الثورة والرئيس الشرعي في السجن، وليطوع جبهة التحرير لإرادته، ويعيد تركيبتها ويبعد مجموعةً من خيرة قياديي النضال، ولتبدأ الثورة تأكل أبناءها وينتهي العديد منهم اغتيالاً أو سجناً أو نفياً.

ومن الصعب الاقتناع أن ما جرى نتيجة خلاف سياسي، بل نتيجة شهوة عارمة للسلطة. ونستطيع الاستطراد في قصص الصراع على السلطة في الثورات أو الانقلابات التي شهدتها سورية واليمن بشطريه، وليبيا والسودان. لكن الصراع على السلطة ليس مقتصراً على نخب الثورات والانقلابات، بل أيضاً يشمل الملكيات المفترض أنها مستقرة، وإن يكن الصراع على السلطة فيها أقل دمويةً وأقرب إلى انقلاب القصور.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4239 - الثلثاء 15 أبريل 2014م الموافق 15 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 6:09 ص

      هاؤلاء

      هؤلاء الحكام لو اتبطقون الشريعة السماويه وهى حكم الله شان الدنيا بخير لاكنهم يتبعون الشيطان لهادا الدنيا معتفسه الله اصبر الشعوب من ظلم الحكام

    • زائر 18 | 6:03 ص

      رد على زائر 4

      انه هارون الرشيد الى قال لولده المؤمون لو نازعتنى للتصحيح فقط والله ياخد حق الشعوب المظلومة

    • زائر 16 | 4:55 ص

      والهوس أيضاً يطال قادة الجمعيات السياسية التقدمية وأعضائها

      لا يقتصر الهوس بالسلطة على رؤساء الدول بل يمتد حتى إلى الجمعية السياسية التي يتطلع رئيسها بعض الأعضاء فيها لمنصب إداري أو دور أكبر في المجتمع، وتقدم تجربة الانشقاقات المتكررة التي طالت جمعية العمل الوطني الديمقراطي، والتجمع الوطني الوحدوي، والمنبر التقدمي، درساً بليغاً في ذلك، وأقترح على الكاتب أن يناقش هذا الموضوع بالذات بصراحة ودون مجاملات، فمن صنع بيتاً من زجاج لا يرمي بيوت الناس بحجارة . .

    • زائر 15 | 4:37 ص

      الخلط

      الدولة القومية أو الفكر القومي لم يؤسس أو يكن قائماً في الحقبة الأولية للخلافة الإسلامية لذا لا علاقة للعرب كتسمية سياسية بمشاكل وعلل الحقبة الإسلامية ..و يكفيهم الامراض والعقد المورثة من الحقبة الاستعمارية وازمتهم مع تأسيس الدولة الحديثة ..مع التحية

    • زائر 13 | 3:18 ص

      الكل له هوس بالسلطة اكان بوابا او مشرفا او مديرا او رئيس او ملك دولة...

      انها الطبيعة البشرية فالسلطة تعني الجاه والنفوذ والمال وقيل المال عديل الروح، وكان الاجدر بالكاتب ان يعنون المقال بالصراع علي السلطة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله ..الي بقية الحديث

    • زائر 17 زائر 13 | 5:02 ص

      الطبيعة البشرية

      الطبيعة البشرية هي امور تغرس في لا وعيه و ليست أمورا غريزية تولد معه. يمكن معرفة تغيير البشر من الازدراء بالحكم ثم اغرامه في حكاية الحاج محسن شلاش، هكذا عرفتهم، للكاتب جعفر الخليلي.

    • زائر 12 | 3:09 ص

      الحصر ليس صحيحا

      حصر حب السلطة بقومية معينة ليس صحيحا. بدراسة تاريخ بقية الشعوب نستنتج بانه حب مغروس في اللاوعي البشري بسبب النظام الذي أسسه علي هذه الكرة. محمد شاه في الهند سجن والده و ذبح اخوانه و استولي علي الحكم. نفس المشاهد مكررة في ايران و اروبا. مسألة تداول الحكم سلميا امر جديد علي التاريخ البشري.

    • زائر 11 | 2:55 ص

      مقال رائع

      مقال رائع شكرًا أستاذ عبد النبي

    • زائر 8 | 2:40 ص

      امريكا

      السفير الأمريكي السابق في البحرين:
      تعامل أوباما مع الأزمة في البحرين كان غبيّا وقصير النظر ما يجري بالبحرين ارهاب

    • زائر 7 | 1:17 ص

      شكرا للتحليل المتناسق والدقيق

      كان بودي اسقاط ما جرى على الملكيات والدول الوراثية الحديث. أخوك/ د. أحمد

    • زائر 14 زائر 7 | 4:13 ص

      يعني بس بقت علي الملكيات وماذا عن الجمهوريات من..

      بورقيبة في تونس وزين العابدين وبوتفليقة في الجزائر ومبارك في مصر ولا نتاسي المالكي الذي يطمح للبقاء في الحكم لولاية ثالثة . يااخي شهوة الحكم والتشبث بالكرسي رغبة ليس عداها رغبة فالكل اسيرا لحب السلطة

    • زائر 6 | 12:47 ص

      خلقهم الله وخلق لهم الكراسي محتكرة

      هناك كراسي للحكم خلقها الله لبشر اختص بها دون غيرهم قد يضحك البعض من هذا الكلام ولكن هو الواقع ومن يناقش هذا الكلام فهو خائن وصفوي وعميل لدولة خارجية وخذ من هذه الصفات

    • زائر 5 | 12:41 ص

      عندما يتكلم اي مواطن عربي عن حقوقه رأسا يقال له انت تطالب بالحكم

      لا ادري هل خلق الله الحكام خلقا مختلفا واعطاهم ميزة الحكم؟
      اذا كان الانبياء والرسل كلهم قالوا وقال خاتمهم (انما انا بشر مثلكم)
      ما هي نوعية البشر الذين يحتكرون الحكم والسلطة؟
      من اين جاؤوا بأحقية الاستفراد بالحكم؟
      ولماذا المسلمون هم الاكثر شراهة في الحكم رغم تحذير الاسلام لهم؟

    • زائر 4 | 12:29 ص

      الملك عقيم

      قال أبو جعفر المنصور لابنه المهدي عندما رآه على عرش الخلافة وهو صبي صغير (( لو نازعتني عليه لأخذت الذي فيه عيناك )).

اقرأ ايضاً