العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ

الشباب والطفولة وتحديات العولمة

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التحدي الاجتماعي الثقافي القيمي الذي بدأ يبرز بقوة في عموم الوطن العربي، وليس فقط في مملكة البحرين، هو التأثيرات والتأثرات الكبيرة للتقنيات الجديدة من أجهزة الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي على فئة الشباب والطفولة بوجه خاص وعموم السكان بوجه عام.

وحسب الإحصاءات المتوافرة وإن كانت قديمة، فإن نسبة استخدام الانترنت في البحرين من إجمالي السكان هي 55 في المئة، حيث بلغ عددهم (649.044) فرداً.

وبحسب آخر إحصائية صادرة عن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم لسنة 2012، بلغ عدد مستخدمي «الفيسبوك» في البحرين (351) ألف مستخدم أغلبهم من الشباب، وأن 64 في المئة من المستخدمين هم بين الثامنة عشرة والرابعة والثلاثين، وعدد المستخدمين من الإناث بلغ 61 في المئة، وهي نسبة تتجاوز عدد المستخدمين الذكور (39 في المئة).

وحسب تقرير الإعلام الاجتماعي العربي التي تصدره كلية دبي للإدارة الحكومية (2012)، تعتبر الإمارات وقطر والكويت والبحرين ولبنان أعلى خمس دول عربية من حيث نسبة مستخدمي «الفيسبوك» و»التويتر» من سكانها.

الشباب مرحلة عمرية تتسم بالعنفوان والتمرد ورفض الهيمنة والوصاية، إلى جانب السمات الأخرى الإيجابية من روح الانطلاق وسرعة التغير، بيد أن الأسئلة التي يطرحها الشباب تعبيراً عن «قمع» الكبار لطموحاتهم، تندرج ضمن العلاقة بين الشباب وأسرهم، وهي العلاقة التي تحكمها من قبل الكبار حالةٌ من القلق المشروع على مستقبل أبنائهم في عالم مضطرب. وهو القلق الذي تستشف منه وجود قناعة خفية بعجز الشباب عن اتخاذ القرارات الصحيحة أو التوصل إلى الأحكام الصائبة في المواقف التي يوجدون فيها، كالموقف الاجتماعي أو الحياتي أو السياسي.

في دراسات عديدة حول الشباب، طرح الباحثون العديد من التحليلات والحلول، ومنهم محمد جواد رضا الذي قدم رؤية موضوعية في ندوة الأسرة والشباب التي أقيمت في البحرين (مايو 2001)، حيث ركّز على خوف الأسرة من ذهاب الهوية أمام الغزو الثقافي الذي تجلبه «العولمة» أو «الكوكبة»، والممارسة التربوية العاجزة عن تزويد الشباب بالقدرات المعرفية والآليات الأدائية، إضافةً إلى التربية التي تعتمد على الأخلاقيات الوعظية. وخلاصة أفكار هذا الباحث تتمثل في ضرورة أن تتحول التربية تجاه الشباب نحو التكيف الإيجابي مع حضارة القرن الحادي والعشرين، بحيث تكون مع مدى في الرؤية تؤدي إلى فتح عيون الشباب على أسباب التغيرات التي يشهدها العالم، وعلى كيفية وقوعها وفهم مناهج التفكير لدى الشعوب والثقافات الأخرى، بدلاً من الهجوم على العولمة، وتخويف الشباب من نتائجها.

إن هذا الأسلوب لتأسيس الوعي الإيجابي لدى الشباب سوف يعفيهم من معاناة الخوف من الغزو الثقافي ومن الخوف على الهوية، حينها سيكتشف الشاب نفسه أن الهوية لا «تُمنح» ولا «تُستلب»، ولكنها تحدث وتتغير عندما تتغير الظروف المادية والأخلاقية للناس.

يعتقد الباحث أن عند هذا المفصل تصل الأسرة (الكبار) إلى قناعة بأنه في ظل الانكشاف الكبير والانفتاح الواسع عبر كافة الوسائل الإعلامية والمعلوماتية والاتصالات، فإن حصانة وحماية الثقافة «الخالصة!» تصبح من المهام المستحيلة، ويصبح الفرد (الشاب) هو سيد قدره، لا الأمهات ولا الآباء ولا الدولة. لا أحد يستطيع أن يرسم للفرد طريق اختياراته، ثقافيةً كانت أم مهنيةً أم عاطفيةً إلاّ هو. ولذلك يؤكد هذا الباحث أنه في ظل هكذا تحولات، فإن لم يكن قد درب الشاب على الاختيار الصائب فإنه سيكون صيداً سهلاً لعصف التحولات، صيداً للتطرف الديني أو الفهم الجامد الذي يدفعه نحو حماية الذات والهوية عبر الانغلاق ورفض الانفتاح الثقافي، بل والهجوم على الثقافات والحضارات الأخرى؛ أو صيداً سهلاً للاغتراب والابتعاد عن الهوية والانجذاب الكامل للثقافة الأخرى بكل مكوّناتها، وهو انحياز متطرف أيضاً.

والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف نحقق أو نصيغ هذه المعادلة؟

أعتقد بأن العلاقة الوعظية التي كانت ومازالت سائدة بين الكبار (الوالدين، الأسرة، الدولة، التعليم، المسجد، المأتم، رجال الدين... إلخ)، وبين الشاب، قد أثبتت عدم قدرتها على إنتاج عقل مبدع ناقد مدرب متمكن على الاختيار الواعي دون ضرر. بل أفرزت تلك العلاقة تربيةً وعقليةً، وبالتالي شريحةً شبابيةً محافظةً رافضةً للمشاركة الايجابية مع الكوكبة، المنقادة دون وعي نقدي إلى مرجعيات هي بالضرورة كبيرة السن، وبالتالي هي مختلفة في بنية تفكيرها وأطروحاتها عن متطلبات الشباب الراهنة والمستقبلية.

وكذا الحال بالنسبة للرافضين بالمطلق للعولمة أو الكوكبة، من أبعاد أيديولوجية، إذ يرون فيها فقط بعدها المتوحش وباعتبارها امتداداً للرأسمالية، فإذا بالمرجعيات المؤدلجة توجه قواعدها التابعة المنقادة دون وعي نقدي، نحو التطرف اليساري تحت شعارات إنسانية جميلة ولكنها غير واقعية، فتخلق شرائح شبابية رافضة أيضاً بدل أن تكون مشاركة فيها بعد تدريب وتأهيل تمكنه من الاختيار (النقد والحوار، التمكين، ومن ثم الاختيار)، هو شعار الواثق من نفسه، وقدراته صمام الأمان لمواجهة استحقاقات المستقبل.

والباحث محمد جواد رضا وُفّق حينما حلل للشباب ثقافة الوعظ الموجهة التي تخلق التناقض بين الشاب وطموحاته ورغباته وبين الكبار ابتداء من الأب والأسرة والدولة مروراً برجال الدين وانتهاءً بالمؤسسات التربوية والتعليمية. ذلك أن إشكالية ثقافة الوعظ تعتمد على التلقين، والتلقين يلغي فاعلية العقل في تحليل الحكم الأخلاقي، كما إنها تعتمد على وقوفها – أي ثقافة الوعظ – عند حدود التبشير بالفضيلة الأخلاقية دون أن تتمكن من ملء هذه الفضيلة بدلالات عملية وعقلانية.

إن هذا الانتقاد لثقافة الوعظ لا يعني بتاتاً بأن الوعظ غير مفيد، ولكنه غير كافٍ لوحده، بل قد ينقلب إلى ثقافة ضارة إذا ما تم فصله وعدم ربطه بثقافة الجدل والحوار والشك الذي يوصل إلى يقين.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4242 - الجمعة 18 أبريل 2014م الموافق 18 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً