العدد 4244 - الأحد 20 أبريل 2014م الموافق 20 جمادى الآخرة 1435هـ

هل تحكمنا التصرفات الفردية أم هي دولة بلا قانون؟

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

ولكن قد تكون هناك قوانين في دولة ما غير أن هذه القوانين لا تُحترم أو لا تُطبق، فتصبح هذه الدولة وكأنها في فراغ قانوني، إذ لا قيمة ولا وجود لقانون لا يُحترم ولا يُطبق .

تتفق الأمم المعاصرة وكافة الهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية على مبدأ أن «أي دولة لا تقوم إلاّ بالقانون يستوجب احترامه وتطبيقه، أياً يكن هذا القانون عاماً أو خاصاً». وذلك من منطلق «أن كل حق أو التزام أياً يكن مصدره يرجع إلى القانون»، سواء كانت هذه الالتزامات أو تلك الحقوق تتصل بالأفراد، أو بالأسر، أو بالجمعيات والنقابات، أو بالأمة كجماعة، أو بين هؤلاء والدولة. ولهذا تُعتبر النصوص القانونية هي المنشأ للالتزامات والحقوق.

وعليه كلما وجدنا نصاً ينشئ التزاماً أو حقاً قيل عنه أنه التزام قانوني. وبالتالي فإن أي حق أو التزام لابد أن يكون بحكم القانون أو منشأه القانون أياً يكن هو المصدر، حتى في الالتزامات التي تدخل في نطاق الاعتبارات الأدبية والأخلاقية والاجتماعية.

وفي المقابل فإن أي تصرف أو عمل يخالف القانون ويرتب ضرراً بالغير يتصف بأنه عمل غير قانوني، فيكون موجباً للتعويض. وكل ذلك بالاستناد إلى المبدأ السابق وهو «أن كل دولة لا تقوم إلاّ بالقانون»، وبالاستناد أيضاً إلى قاعدة «أن كل حق أو التزام أياً كان مصدره يرجع إلى القانون».

فإذا كان الأمر ذلك فلا نتصور إذاً وجود دولة لا يحكمها قانون. فإن وجدت دولة بهذه الحالة فلا يمكن اعتبارها دولة، وإن اعتبرت ذلك فهي أقل ما يُقال عنها أنها غير عصرية، وأقرب ما تكون شريعتها شريعة الغاب.

ولكن قد تكون هناك قوانين في دولة ما غير أن هذه القوانين لا تُحترم أو لا تُطبق، فتصبح هذه الدولة وكأنها في فراغ قانوني، إذ لا قيمة ولا وجود لقانون لا يُحترم ولا يُطبق. والأسوأ من ذلك عندما تكون الجهة التي لا تحترم القانون ولا تطبقه هو النظام الحاكم أو الأجهزة الرسمية في الدولة، فهذه والحال ذلك هي الطامة الكبرى.

وعندما ننادي بوجوب احترام «القانون» لا نقصد قانوناً بعينه، إنما أي قانون، بل أي نص قانوني واجب التطبيق في الدولة. وبالتالي فإن مجرد مخالفة قانون واحد، أو حتى مخالفة نص قانوني بمفرده، يضعنا في دائرة الخطر. والأخطر والأسوأ -كما قلنا- عندما تكون المخالفة من جهة النظام الحاكم، أو الأجهزة الرسمية. لأن النظام الحاكم من المفترض أنه هو من يرعى القانون ويعاقب على عدم احترامه. فإن ثبت أنه هو ممن لا يرعى القانون فإن هذا يؤدي إلى الغول والفوضى، ومن ثم إلى انفراط العِقْد، حتى وإن كان ذلك لدواعي الأمن أو المصلحة العامة. والغول كل الغول، والفوضى كل الفوضى، عندما تكون المخالفة شنيعةً ترتكب بحق المواطنين.

وهنا -على سبيل المثال لا الحصر- سنقف على مخالفة واحدة شنيعة باتت ظاهرة متكررة لا يجوز التغاضي عنها، وهي ظاهرة استخدام نقاط التفتيش «الأمنية» للقبض على كل من هو مطلوب حضوره أمام قاضي التنفيذ في شأن رسوم قضائية أو حقوق محكوم عليه بها لقصد إلزامه بدفعها، بحيث يتم القبض عليه على شاكلة «كمين» وكأنه مجرم محكوم عليه بحكم جنائي بات، فيقاد بالأصفاد (وإن كان في طريقه مع عائلته) إلى مركز الشرطة ويهدّد هناك بالحبس ما لم يقم بدفع الرسوم أو المبالغ المحكوم عليه بها.

وللأسف أن هذه الظاهرة مخالفة صريحة للقانون، وهو ما سنثبته تباعاً.

فمن نصوص المواد رقم 264 و267 و268 و269 و270 و271 و272 من قانون المرافعات المدنية والتجارية نستخرج (وباختصار شديد) الأحكام الآتية:

1 – على قسم التنفيذ أن يقوم في اليوم التالي لتقديم طلب التنفيذ بتبليغ المدين بصورة من طلب التنفيذ، على أن يشمل التبليغ تكليف المدين بالوفاء خلال سبعة أيام من تاريخ تبليغه.

2 – إذا لم يقم المحكوم عليه بتنفيذ ما هو مطلوب منه خلال المدة المذكورة كان للمحكوم له أن يطلب من قسم التنفيذ إحضار المحكوم عليه إلى محكمة التنفيذ لإجراء المعاملات التنفيذية في مواجهته. فإن لم يحضر طواعية جاز إحضاره جبراً بواسطة الشرطة أمام قاضي التنفيذ.

3 – إذا حضر المحكوم عليه أمام قاضي التنفيذ كلفه القاضي بدفع الدين دفعة واحدة، فإن لم تكن له أموال ظاهرة تكفي لسداد الدين كله كان للمحكوم عليه أن يطلب حبس المدين ما لم يتقدم المحكوم عليه بطلب توافق عليه المحكمة في شأن إجراء التسوية لسداد الدين أو طلب تقسيطه.

وبناء على ما تقدم نستنتج أنه يجب بداية تبليغ المحكوم عليه بالحضور أمام محكمة التنفيذ، فإن لم يحضر طواعية أُحضر جبراً عن طريق الشرطة إلى هذه المحكمة، وعندما يمثل أمامها يبقى القرار في يدها في إجراء التسوية لسداد الدين دفعة واحدة أو بتقسيطه... ما يعني أن إحضار المحكوم عليه جبراً ليس لقصد حبسه من حيث المبدأ وإنما لتمكين المحكوم له من إجبار المحكوم عليه للمثول أمام محكمة التنفيذ لتسوية المديونية.

وعليه فإن الطريقة التي أشاع رجال الأمن استعمالها بالقبض على المذكورين أعلاه في نقاط التفتيش بأسلوبٍ يتسم بالفزع والرعب والإرهاب، وسوقهم إلى مراكز الشرطة لغرض إجبارهم على دفع المبالغ المحكوم بها دفعة واحدة أو زجّهم في الحبس هي ظاهرة غريبة مخالفة لتلك الأحكام ومنافية لأبسط حقوق المواطن.

وهنا يجب التفريق وعدم الخلط بين الأحكام القانونية السابقة التي تجوِّز القبض على المذكورين المعنيين بها وبين القبض عليهم عبر نقاط التفتيش الأمنية، وذلك للأسباب الآتية:

1 – إن نقاط التفتيش يفترض أن تكون أهدافها حفظ الأمن، وإنْ تعدت ذلك فلا تتعدى ملاحقة المتهمين في قضايا جنائية وليس ملاحقة المحكوم عليهم في قضايا مدنية.

2 – إن الأحكام القانونية السابقة مداها القبض على المحكوم عليهم لتنفيذ حكم في قضية مدنية تتصل بحق مالي ولغرض إحضار المقبوض عليهم إلى محكمة التنفيذ في نفس اليوم دون أن يصل ذلك إلى حد الحبس والإرهاب والإيذاء، ودون أن يُنقل المقبوض عليهم إلى محكمة التنفيذ وهم مكبلون بالأصفاد.

3 – إن الأحكام السابقة تدعو إلى التوجّه إلى مكان إقامة المطلوب القبض عليهم بعد إنذارهم، وليس القبض عليهم في كمائن خارج مكان إقامتهم وبطريقة بوليسية.

وعليه تمسي هذه الكمائن وما يترتب عليها من قبض وحبس وإيذاء وإرهاب، إجراءً يخالف القانون ويتعارض مع أبسط حقوق الإنسان.

والملاحظ أننا عندما نثير ظاهرةً كهذه الظاهرة، يقابلنا بعض المسئولين بالرد بأنها تصرفات فردية لا يجوز حملها على أنها سياسة دولة يتَّبعها النظام ويقرها ويرضاها.

وحيث تتكرر هذه التصرفات «الفردية» في أكثر من موقع وحدب وصوب.. وإن سلمنا جدلاً بهذا الوصف وبهذا التبرير، ألا يحق لنا إذاً أن نتساءل: هل أن هذه الدولة تُحكم بالتصرفات «الفردية» أم هي دولة بلا قانون؟.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4244 - الأحد 20 أبريل 2014م الموافق 20 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:02 ص

      صراحة

      فى نائب اصلى كل جمعة ويسب الطائفة الشيعيه اخر مره اتهم الشيخ عيسى قاسم حفضه الله بالمشرك هل هاده النائب هو رئس الدولة يتصرف على هواه ولا احد من الحكومة توقفه على بث الفتن الطائفيه ............ المشتكى لله

    • زائر 4 | 5:07 ص

      مقال في الصميم

      نتظر الرد

    • زائر 3 | 2:06 ص

      هذا ما اراه من مواطن بسيييط ليس لي حلية

      هل تحكمنا التصرفات الفردية أم هي دولة بلا قانون؟ ( الأجابة ) دولة بقانون ولكنه لا يطبق الا على الشيعة او لأكن دقيقا غالبية الشيعة خاصة بعد احداث 2011 وفي نقاط التفتيش ان احتار السائل الى اين تنتمي سألك كم سوأل عن المنطقة وبهذا يعرف لهجتك وما ان يتبين له المقصد حتى تنال حقك من كل ما كتبت يا استاذ وهذا باختصار وبدون رتوش ان اردتم النشر لكي يعرف من يقول غير ذلك ويحلون الكلام والعبارات وما في فرق في المعاملة والخرابيط اللي نعرفها .

    • زائر 2 | 11:38 م

      حلو

      من يجب ان يقرأ هذا المقال؟؟؟ المسكين او من بيده الامر؟؟؟

    • زائر 1 | 11:29 م

      قانون .

      انها دوله بقانون بليسى فقط.

اقرأ ايضاً