العدد 4246 - الثلثاء 22 أبريل 2014م الموافق 22 جمادى الآخرة 1435هـ

شعار «الدولة المدنية» في المشهد العربي

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

خرجت في المشهد السياسي العربي الكثير من شعارات الشارع التي تنادي بالدولة المدنية، فهي إمّا تُردد في هتافات المظاهرات أو تكتب على لافتات يحملها المتظاهرون الشباب في أكثر من حدث ومناسبة، وصولاً إلى الشوارع والميادين.

ورغم أهمية طرح موضوع الدولة المدنية، فإن مفهوم وشكل هذه الدولة مازال غائباً عن أذهان الكثيرين ممن لا يعرفون تحديداً طبيعة هذا المطلب وأثره، فيما لو تحقق في مجتمعاتنا العربية.

هذه المجتمعات التي مازالت مثلاً تنتخب رئيس الدولة نفسه، كما حدث مؤخراً في الجزائر، ومستمرة في العيش تحت مظلة أنظمة سياسية لم تتحرّر بعد من مفهوم النظام الأبوي حتى تنطلق إلى مفهوم الدولة المدنية المعمول به في المجتمعات الحرة ولاسيما في الغرب المتقدم.

في الغرب لا يمكن السماح بشيء يساهم في خلخلة العمل بمبادئ الدولة المدنية التي تعني في الأساس أن جميع المعاملات والقضايا العامة يجب أن تسير من خلال تداول السلطات عبر عقد اجتماعي واتفاقيات ملزمة لجميع الأطراف بحكم قانون يعامل الجميع على أساس المواطنة المتساوية... وعليه لا يمكن لرئيس أو مسئول أن يبقى في منصبه مدى الحياة لأن ذلك يعني عقم المجتمع وانسداده. إلا أن الأمر يختلف في عالمنا العربي الذي لا يسمح بتغيير الوجوه ولا وجود لعقد اجتماعي يعتمد المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.

نلاحظ كيف أن الجزائر، وهي بلد قريب من تونس التي انطلقت منها ثورة الربيع العربي وكسرت حاجز الخوف في الشارع التونسي، إلا أن حالة أخرى تخشى التغيير، وبالتالي فإن الطريق إلى تفعيل الدولة المدنية الحقيقية يبقى شعاراً بعيد المنال حالياً حتى في النظم الجمهورية.

أما في منطقة الخليج فالأمر يبدو معقداً، إذ إن المجتمعات مازالت تعيش في ظل المفاهيم الأبوية، سواء كانت قبلية أو طائفية. هذا النظام الأبوي يصطدم مع فكر الدولة المدنية التي تتكلم بلغة التعددية في الفكر والمعتقد والعرق وتتكلم عن المساواة أمام القانون وعن حقوق الإنسان البعيدة كل البعد عن التراتبية الأبوية.

للأسف تلك هي الإشكالية ولا يمكن الإصلاح إلا من خلال تغيير حقيقي في العقلية السائدة سواء لدى الجهات الحاكمة أو مختلف فئات المجتمع التي هي الأخرى مطالبة بتقبل التغيير، وعدم تفصيله بالصورة التي تناسب مصلحتها وإلغاء مصالح الجماعات الأخرى.

ولعلّنا بحاجةٍ في الوقت الراهن إلى مقاربات تتوسط الطموح المشروع بالسعي إلى تحقيق الدولة المدنية، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال احترام حقوق الإنسان، والابتعاد عن التعصب والتطرف الذي لايزال قائماً للأسف في مجتمعاتنا العربية، ويشكل عائقاً مباشراً للوصول إلى حالة تعاقدية على مستوى السياسة.

المشكلة حالياً لا تقتصر بالضرورة على الأنظمة السياسية وحسب، إنما هي مشكلة متعمقة لدى أفراد وجماعات تطالب بأطروحة الدولة المدنية.

وقد يكون مثل هذا الحديث مثيراً للجدل، ولكنه أصبح مطروحاً بقوة، ويجب الإجابة عليه، وهذا التحدي أطلقته رئيسة وزراء أستراليا السابقة جوليا جيلارد، عندما تحدثت مباشرة مع أحد المتزمتين من المهاجرين إلى بلادها؛ إذ قالت: «أنتم تتركون دولاً تقولون عنها إن الله باركها بنعمة الإسلام وتهاجرون إلى دول تقولون إن الله أخزاها بالكفر، تأتون إلينا من أجل الحرية والعدل والرخاء والضمان الصحي والحماية الاجتماعية والمساواة أمام القانون، وفرص العمل العادلة ومستقبل أطفالكم وحرية التعبير... إذاً لا تتحدثوا معنا بتعصب وكره، فقد أعطيناكم ما تفتقدونه. احترمونا أو غادروا».

مثل هذا الكلام جاء من واقع ما تقدمه الدولة المدنية في المجتمعات الحرة، ولذا فالحديث عن دولة مدنية تستوعب الجميع على مبدأ المساواة والحقوق العادلة، أصبح اليوم وبعد مرور ثلاث سنوات من مرحلة المتغيرات والتقلبات في المزاج السياسي بعد الربيع العربي، أصبح أمراً نظرياً ومقتصراً على الشعارات. البعض يُروِّج لمفهوم الخصوصية للهروب من استحقاقات الدولة المدنية العصرية، وهؤلاء يقولون إن الخليجيين أو الجزائريين مثلاً، يختلفون عن باقي البشر، وإنهم لا يرون في هذه المفاهيم حاجة واقعية لها... والمشكلة أن مثل هذا الحديث في المشهد العربي لا يقتصر على الأنظمة فقط.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 4246 - الثلثاء 22 أبريل 2014م الموافق 22 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:31 ص

      لماذا

      لماذا يا حكومات تريدين السيطرة على الاموال فقط لصالحك وتجوعين الشعب هل هاده الاموال التى تخص البلد الله اعطاك اجازه لكى تسرقينها الى تشبعين من تكنيز الاموال فقط تدهب الى اهاليكم وشعب ميت لهادا خرج الشعب الجوعان ولن يهدا حتى تحقيق مطالبه لو تقتلينهم كلهك يا حكومة سيخرج لك الجيل الصغار ويطالبون بحقهم الشعب لن يركع الى لله

اقرأ ايضاً