العدد 4247 - الأربعاء 23 أبريل 2014م الموافق 23 جمادى الآخرة 1435هـ

طائرة «الضيف الغامض» في طهران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طيلة أسبوع، انشغل العالم بطائرة «خاصة» جاثمة في مطار مهرآباد الدولي بطهران. الطائرة، التي تحمل رقماً ملاحياً تحت مسمّى N604EP كانت تقلّ شخصية «اقتصادية» رفيعة المستوى. وبعد التحري المتوالي، تبيَّن أنها تعود لمصرف يوتا الأميركي العملاق.

المصرف علّق قائلاً: لا نعلم. لدينا 169 طائرة خاصة، نوفّرها لأعضاء مجلس إدارة المصرف، أو للمستثمرين الكبار لدينا كشخصيات مهمّة، يتنقلون على ثلاثة عشر فرعاً هي المجموع الكلي لفروع المصرف في العالم. وربما تعود تلك الطائرة لواحد منهم.

الإيرانيون قالوا: الطائرة كان على متنها وفد رفيع المستوى ولكن ليس من الولايات المتحدة الأميركية بل من غانا برئاسة شقيق الرئيس الغاني، والذي جاء لمتابعة اتفاق إيراني/ غاني سابق أثناء زيارة أوبيانج نجيما لطهران! إذاً، لماذا الطائرة أميركية؟ قالوا: إن ملكية الطائرة هي أميركية فعلاً، لكنها مُستأجَرَة من قِبَل الحكومة الغانية.

التفسير الرمادي لمصرف يوتا هو الأقرب للتصديق. لكن، قد يكون التفسير الإيراني مقبولاً إذا ما عرفنا أن شقيق الرئيس الغاني هو رجل أعمال كبير، وهو صاحب شركة تعدين عالمية تحمل الاسم: إنجنيرز آند بلانرز. وإذا ما افترضنا أن هذا الرجل الغاني هو أحد المستثمرين في المصرف، فهذا يعني أن التفسيرين مقبولان حين يتم دمجهما بطريقةٍ ما.

كذلك يجب أن يُعلَم، هل المصرف المذكور، هو ذاته مصرف «يوتا» التابع لولاية يوتا الأميركية، غرب ووسط الولايات المتحدة الأميركية، أم أنه مصرف «يوتا» الذي كان حصيلة اندماج بنكَيْ غوتنبرغ وسمولاند؟ أم أنهما على كتف واحد؟

في المحصلة، فإن المسألة بالنسبة لنا كمراقبين، لا تحتاج إلى كثير عناء، مادامت الأمور العالقة بين طهران وواشنطن في طريقها إلى التسوية بحسب إشارات الأحداث، والبَعْرَة التي تدلُّ على البعير. وبالتالي اعتياد مطارَيْ مهرآباد في طهران، ودالاس في واشنطن على استقبال وفود سياسية واقتصادية من هذا النوع، قد لا يكون أمراً غريباً بعد شهور.

ما يظهر لنا هو أن الشهر القادم ربما يكون حاسماً في مسألة إتمام اتفاق بين إيران والغرب. قبل أيام، نقل التلفزيون الإيراني حديثاً لرئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي، يقول فيه بأن قضية مفاعل أراك للماء الثقيل المختَلَف عليها مع الغرب، قد تمت تسويتها بعد إعادة تصميم «قلب» المفاعل.

وعندما تتحدّث إيران عن إنهاء قضية مفاعل آراك، فهي تعني أن العقبة الكأداء أمام غلق ملفها النووي قد زالت. فتقليل نسبة إنتاج البلوتونيوم إلى الخمس كانت إحدى أهم مطالب الغرب. اليوم أنهَت طهران «عملية تخفيض اليورانيوم المخصب من 20 في المئة إلى 5 في المئة منذ الثاني عشر من أبريل/ نيسان الجاري، وحوّلت 103 كيلوغرامات من مخزونها لليورانيوم من نسبة 20 في المئة إلى 5 في المئة، وهو ما يعني أن الطرفين يسيران بسرعةٍ نحو الاتفاق.

الأهم من ذلك، هو قول صالحي إنه جرى استئذان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي قبل عامين ونصف، للبدء في محادثات ثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية ووافق عليها، وأن تلك المحادثات بدأت «منذ ذلك الوقت وتوليه حقيبة وزارة الخارجية». ما يعني أن المحادثات جرت مع الأميركيين منذ أيام رئاسة أحمدي نجاد للجمهورية، وأن الطرفين قَضَيَا شوطاً مهماً فيها. وهو اعترافٌ بوجود علاقةٍ ما بين الجانبين، لطالما قلنا في مقالات سابقة ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أنها موجودة. وربما عارض كثيرون ذلك، معتبرين الأمر «تنجيماً». اليوم باتت الأمور أوضح مما مضى. وقد بدأت الاستعدادات تجري على قدم وساق عند الجانبين، لإقامة منظومة مختلفة من العلاقة، لها جوانب سياسية واقتصادية وأمنية. هذا هو الواقع.

قبل أشهر (ولم يُنشَر هذا في الإعلام) تبيَّن أن إحدى الشركات النفطية العالمية (وهي أميركية) قد شكَّلت فريقاً تفاوضياً، لاستشراف فرص الاستثمار النفطي والغازي في إيران. هذه الشركة التي تزيد قيمتها السوقية عن ربع تريليون دولار، والمعروف عنها حذرها الشديد في الأعمال النفطية الاستكشافية والاستثمارية، لم تكن لتذهب إلى السوق الإيراني لو لم تكن تعلم بأن الحظر المفروض على إيران هو إلى زوال.

وقد نشرت الصحف الأميركية في وقت سابق، أن شركات النفط موبيل، شيفرون، أكسون كونوكو فيليبس الأميركية، كانت قد التقت بمسئولين إيرانيين في نيويورك «على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة»، وذلك للترتيب إلى ما بعد العقوبات الأميركية على طهران في يوليو/ تموز المقبل، لكن الذي يبدو أن الأمور أصبحت أبكر كثيراً.

هذا هو الجانب الاقتصادي في الموضوع. وقد يكون هناك جوانب سياسية وأمنية أيضاً، تتعلق بالموضوع الأفغاني والعراقي وأمن الخليج العربي. فرجل إيران في أفغانستان، وزير الخارجية الأسبق عبدالله عبدالله يتجه إلى الفوز (أو الشراكة في أقل الحدود)، بمنصب رئاسة الجمهورية. وفي العراق، الأطياف الشيعية مشتتة لكنها جميعاً تستظل بإيران وتتلقى الدعم منها، سواءً أكان عمار الحكيم أم مقتدى الصدر أم تمت إعادة انتخاب المالكي. وهذه الملفات ملفات مشتركة لواشنطن وطهران، تحتاج إلى تنسيق مُحكَم.

بالتأكيد، التسوية الإيرانية الأميركية، تجري اليوم والعالم مختلف. ولو حصلت قبل سنتين أو أكثر لكان تلمظها غير ما يشعر به المرء اليوم. بعض دول الخليج العربية في حالة «جفاء» مع الأميركيين، في حين بدأ للفرنسيين دور في المنطقة ولو محدود. سورية أصبحت ملف «إقلاق» للغرب يُضاف إلى ملفات الشرق الأوسط الملتهبة: فلسطين، لبنان، العراق وأفغانستان.

الروس، بدأوا يتوحَّشون على غرب أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية. العلاقات في منطقة آسيا الوسطى في تبدل واضح، سواءً فيما خص تركيا أو أرمينيا أو حتى أذربيجان. إذاً، نحن أمام منطقة تتحرك، ومصالح تُصاغ بشكل مختلف. من هنا، يجب أن توضع العلاقات الإيرانية الأميركية «المستقبلية» ضمن هذا السياق من المتغيرات الجديدة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4247 - الأربعاء 23 أبريل 2014م الموافق 23 جمادى الآخرة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 8:28 ص

      متابع . . . ما رأيك في هذين التعليقين ( 2 ) تتمة

      . . . . . فقد كانت روسيا تتحكم بتوريد الغاز إلى أوروبا، لكنها الآن ستواجه المورد الإيراني. هذا ما كانت تطمح إليه واشنطن من خلال اتفاقها الأخير مع إيران : دق إسفين بين إيران وروسيا.

    • زائر 11 | 8:26 ص

      متابع . . . ما رأيك في هذين التعليقين ؟

      1- أوباما حريص على الاتفاق مع إيران ليكون إنجازه الشخصي الاهم، الملفات الخارجية الاخرى التي تعامل معها كانت متابعة لملفات فترة بوش . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 2- فيصل القاسم : بعد الاتفاق الايراني الأمريكي من المرجح أن يتدفق النفط والغاز الإيراني على الأسواق، وخاصة الأوروبية، وهذا من شأنه أن يخلق توتراً كبيراً بين روسيا وإيران وخاصة فيما يتعلق بتوريد الغاز الإيراني إلى أوروبا.فقد كانت روسيا تتحكم بتوريد الغاز إلى أوروبا، لكنها الآن ستواجه المورد الإيراني

    • زائر 14 زائر 11 | 12:49 م

      حول تصدير النفط الإيراني إلى أوربا

      النفط الإيراني يصل منذ أعوام إلى النمسا واليونان وسويسرا وألمانيا عبر الحدود التركية لذا فهو ليس بجديد. السؤال هنا: سيتوسع ذلك التصدير من النفط أم لا؟ إذا ما تغير الموقف الروسي باتجاه المصالح الإيرانية أكثر لن يغامر الإيرانيون بالاندفاع نحو أوربا خصوصا وأن الموقف الفرنسي متشدد تجاه إيران. وما دام الاتفاق هو أميركي إيراني بالأساس فإن لن تكون إلى على الأجندة الأمنية الأميركية. لدى إيران فرصة أكبر باتجاه الهند والصين واليابان لتصدير نفطها أكثر من أوربا

    • زائر 10 | 8:21 ص

      متابع . . . سؤال مهم و خطير

      سألت هذا السؤال تعليقا على مقال ( هل سيُرفَع العَلَم الأميركي في طهران بعد أن كان يُحرَق؟ ) و لم أتلق جوابا و أرى طرحه مناسبا بعد مقال اليوم لذا سأسأله مرة أخرى للكاتب القدير : هل ستسمح القوى المتشددة في إيران ( بالخصوص مؤسسة الحرس الثوري ) باتفاق كهذا ؟ . . . رفع العلم الأمريكي في طهران أليس خطا أحمر عندهم وانحرافا عن الثورة ؟

    • زائر 13 زائر 10 | 12:39 م

      توضيح

      محور حركة القرار في إيران هي بيد المرشد المرشد الأعلى، فإذما قرر لن يعترض عليه لا الحرس الثوري ولا غيرها من مراكز التشدد. وحسب قول صالحي، بأن الإجازة المأخوذة من المرشد للتفاوض هي منذ عامين ونصف. وربما تكون الأحداث هي من يفرض على الجانبين توسيع أو تضييق الملفات ومن ضمنها التمثيل الدبلوماسي المتبادل

    • زائر 8 | 4:16 ص

      حيرة

      كيف يوافق المرشد ان يتحاور مع الشيطان الاكبر ؟ علي ماذا يدل هذا

    • زائر 9 زائر 8 | 5:11 ص

      تبي الجواب

      هذا يدل على غبائك .

    • زائر 7 | 2:44 ص

      وجهة نظر

      مجي امريكا إلى إيران لم يريح أحد لأنه ليست دواء للداء

    • زائر 6 | 1:39 ص

      ليش؟؟؟؟

      ليش تكتب مثل هالمقال؟ هل تريد أن يصاب البعض بالشيزوغفرينيا؟ او الفوبيا الدائمة؟

    • زائر 5 | 12:32 ص

      ياريت يصير ونرتاح

      الله يسمع منك ويتصالحون ان شاء الله

    • زائر 4 | 12:30 ص

      تحياتي لك

      مقال جميل جدا وعنوان مخيف جدا أيضا
      شكرا لك

    • زائر 3 | 12:16 ص

      المستقبل مجهول

      صحيح ما ذكرت يا استاذ
      ولكن الجماعة عندنا لا زالو يتهمون ايران بالتدخل في شؤوننا
      فهل ترى هذا صحيح سياسيا وامنيا ام فقط اعلاميا

اقرأ ايضاً