العدد 4264 - السبت 10 مايو 2014م الموافق 11 رجب 1435هـ

عاطفة الأمومة المُلحَّة والحقيقة الغائبة

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

إن هذه المقالة هي تكملة للمقالة السابقة عن الأمهات اللواتي جلسن في البيوت لتربية ورعاية أطفالهن، واللواتي تغلّبت عليهن عاطفة الأمومة.

واللواتي وضعن أنفسهن بقوالب الأمهات، المضحيات بكل غالٍ ونفيس، وتخلين عن كل ما يبعدهن عن تلك العاطفة، من أعمالهن ووظائفهن، وجلّ اهتماماتهن، وأنشطتهن الحياتية قبل الإنجاب، في سبيل تلك العاطفة التي تهاجم بعضهن بقوة، ولا تترك لهن مجالاً للاختيار.

نعم، أقولها وأعرف الكثيرات من اللواتي تحكّمت العاطفة بكيانهن وأصبحن بشكل مختلف، وكأن ولادة الطفل بمثابة ولادة لها في ثوبٍ جديد، والابتعاد تماماً عن كل ماضيها وأنشطتها.

إنني لا أنكر جبروت هذه العاطفة، واعتبرها من أقوى وأنبل العواطف الإنسانية في الوجود لاحتضان الأطفال، والتي تستحق منّا كل الإجلال والاحترام، بشرط التحكم فيها وموازنتها، وأن لا نجعلها تتحكم في سلب حرياتنا.

ومهما أخذتنا حلاوة ولذة الإنجاب ورعاية الأطفال، والتمتع ببراءتهم في سنواتهم الأولى واللاحقة، وهم يكبرون أمام أعيننا، إلى ذلك الشعور الإنساني الجميل والرائع، والذي قد نتصور أنه سيدوم إلى الأبد، ولكن عمرها قصير كعمر الزهرة، للأسف الشديد، حيث تنتهي تلك الفترة سريعاً كبقية الأشياء الجميلة.

وإنني أخاف على الأمهات من الصدمة العاطفية والخذلان، بعد تلك التضحيات التي يقدمنها في بدايات مشوارهن في الحياة، وإهمال الذات وتنميتها بحجة العناية بالأطفال.

وأعتبر أن التطرف في التشبث في أي نوعٍ من العواطف، لهو ضعفٌ إنساني يجب مقاومته والتغلب عليه، وأن الخوف الزائد في العناية بالأطفال، والذي يكاد يخنقهم، قد يتسبب للأطفال أحياناً بالصعوبات المتعددة لمواجهة الحياة ومشاكلها مستقبلاً، وربما التعقيد في شخصياتهم، وقد تبدأ منذ الطفولة، فمن المعروف أن «من الحب ما قتل».

كما قد يسيء الأطفال تفسير تلك العنايهة بشكلٍ عكسي، وقد يتطور ذلك إلى الابتعاد عن الأم أثناء استقلاليتهم وفترات النضج.

وقد يكون التعقيد في الشخصية كسببٍ آخر، وهو شعورٌ طبيعي للأطفال الكبار، ومنهم من يغادر البلاد، أو يقاطعوا أهاليهم، أو تصبح الزيارات رسمية وموسمية، بسبب عُقدهم كما ذكرت.

ََوَعلّنا نحلل صدمات الأم لمواجهة ابتعادهم عنها أولاً، وعدم حاجتهم إليها ثانياً، والوحدة والفراغ بعد رحيلهم ثالثاً.

أشياءٌ لم تكن تتوقعها، وشعورٌ بالإساءة ونكران الجميل لانشغالهم عنها. حدث لها كل ذلك بسب تشبثها الشديد بعاطفة الأمومة، والتي تكاد أن تكون مرضاً نفسياً، إذا لم تعرف الأم توجيهها أو التوازن معها.

«إن لنفسك وبدنك حقٌ عليك»، وعلى الأم أن تأخذ الحذر في معالجة الإرباك والخلل، الذي طرأ عليها عند ولادة أطفالها، واعتباره مرحلة مؤقتة، وأن لا يتعدى أو يعتدي عليها، وعلى كيانها وحقها في التمتع بمعظم أنشطتها الحياتية، وضرورة الحرص على موازنة العواطف، قبل التنازل عن احتياجاتنا وتقديمها للآخرين مهما كانوا.

لإننا إذا لم نعرف قِيمة أنفسنا لن يعرف قيمتنا الآخرون ولن يراعوها. ومهما تكن التضحيات قيّمة ورائعة، سوف نسقط في ميزان أنفسنا، ونفقد ما فعلنا بعفوية وحُب لجهلنا بقوانين الحياة، وأن نخوض الحياة وتعرُجاتها المؤقتة بحكمة ودراية، قبل أن نضيع في متاهاتها وبحورها العميقة.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4264 - السبت 10 مايو 2014م الموافق 11 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 3:42 م

      قصور في رؤيتك وفكرك حول الموضوع

      المواضيع التربوية حساسة جدآ وانا أم موظفة ولا اوافقك ابدا.. ويجب دراسة الموضوع دراسة موضوعية وعلمية سليمة.. أما مقالك فهو رأي شخصي لا يجب عرضه في مواضيع مفصلية كهذه

    • زائر 21 | 3:10 م

      لا أوافقك

      انا معلمة عملت مدة 8 سنوات والإخلاص في العمل يتطلب مني الجهد المتواصل في المدرسة وفي البيت رغم التخطيط والتنظيم الشديدين إلا أن المعلم يضطر إلى العمل في بيته وهذا سبب هوة نفسية كبيرة بيني وبين أطفالي إلى غير ذلك من أمور.. وأي مجتمع يراد له أن يهدم يبعد المرأة عن أطفالها من تجربة وأنا من شابات هذا الجيل مواليد الثمانين.. واتخذت قرار البقاء في البيت بعد سنوات عمل ليس ضعفا ولا تحت ضغط أحد.. المقال يحتاج إلى إعادة نظر

    • زائر 17 | 5:31 م

      العيال هم الاستثمار الحقيقي

      الام مدرسه ان ...... حتي الغربيات يفكرن الاعتناء بالبيت افضل من انشغالها بالعمل فالمراه تستطيع ان تتعلم وتعكس هذا التعليم علي تربية أبناءها المجتمع في في دمار مستمر والسبب تغيير تركيبة رب العالمين. لامانع من عمل المراه أمي كانت تعمل لكي تساعد والي ولكن اليوم المراه تعمل لكي تتهرب عن مسوليتها كام وتخاف اللوم من أرباب العمل وارضاءهم اكثر من رضا ربها وزوجها وأبناؤها في النهايه أمراض نفسيه وضياع الاسره

    • زائر 16 | 5:30 م

      جواب زائره 9

      مالسبب اننا نشعرهم بقلوبنا المفتوحه وهم لايسألون ونسوا مافعلنا من اجلهم في طفولتهم يجب ان ينضجوا قبل ان نموت والا لن يعرفوا قيمتنا الا متأخراً وسنعيش الوحده والفراغ اذا لم نهيئ انفسنا لها ولن نتمكن من التمتع بالحياة معهم عند زيادة تدليلهم ونجني عليهم وعلى انفسنا فبعض الشده مطلوبه للاستقامه

    • زائر 14 | 5:24 م

      للتضحية حدود

      رداً على الزائره رقم 12ارى ان للتضحيه حدود المعقول وان يعيش الانسان حياته كلها تضحيات والله مصيبة كبرى وعلنا نتفائل بانفسنا ونغذيها وننضج عقولنا ونتمتع بالحياة فكل جيلٍ باستطاعته ان يحل مشاكله بنفسه مهما كانت اما كلام الدكتوره فهو رائع حقيقةً

    • زائر 11 | 8:47 ص

      ام حسن

      انا ام لا اعمل بس والحمد لله منحني 7من الاطفال وهاهم كبروا امام ناضري بين وقت الى اخر اسرق لنفسي سويعات اخلوها بنفسي اطلع مع خواتي او اتمشى على البحر وهو حق من حقوقي وهذا ينطبع علينا وعلى الاسرة بالفائدة تجديد نشاط حتى ولوا سويعات

    • زائر 12 زائر 11 | 11:50 ص

      الحياة الزوجيه تستحق التضحيه

      للكاتبه بعض الحق في مقالها وليس كله وقفت سيده امريكيه في حلقة من برنامج اوبرا فسألتها ماذا تعملين فردت بصوت خافت انا لا اعمل
      فردت عليها اوبرا ارفعي صوتك لان دورك اهم من اي عمل أخر اما الجيل الحالي الذي يتزوج من اجل فقط ضمان الزوج وهي في وادي والمرأه في وادي أخر والعيال ضايعين فليس هذا المطلوب من الزواج وانما التضحيه والتضحيه

    • زائر 10 | 4:26 ص

      موضوع مهم

      التأثيرات رهيبه على الامهات حين تغزوهن عاطفة الامومه شيئ فظيع حقيقةً سعيده بالمصارحه

    • زائر 9 | 4:13 ص

      لكل شيئ ثمنه

      الام تحب اولادها مهما عملوا وتشغل بالها عليهم ومايجب ان تنصدم لمشاكساتهم في يوم من الايام لان قليلي الخبره في الحياة مهما يكن يجب ان نحسسهم بان قلوبنا مفتوحه لهم مهما لفوا وداروا مردهم لاحضان الابوين

    • زائر 7 | 4:03 ص

      موضوع ريادي وجيد

      لم يتطرق من قبل احد لهذه المواضيع الحساسه اهنئك دكتوره موضوع ريادي بالدرجه الاولى

    • زائر 6 | 3:57 ص

      تدريس هذه المواضيع هام

      ارجو تدريس مثل هذه الشؤون في المدارس كي تدخل الامهات على اشياء تعرفها ولا تتفاجأ باشياء تجهلها تماماً مثل عاطفة لالمومه ومشاكلها لاحقاً

    • زائر 5 | 3:51 ص

      عندما نفقد ارواحنا

      والله الحقيقه انه اللي تركوا جهالهم ومااعطوهم ذيج الاهميه طلعوا يقدرونهم احسن بكثير من اللي تعبوا عليهم وذبحوا روحهم من التضحيات عليه ولكن على الاقل اللي اهتموا في حياتهم ماخسروا واجد عند انكار الاعيال الهم جميله المقاله ياام حامد

    • زائر 4 | 3:02 ص

      ما هي البدائل؟

      الاستاذة سهيلة ... ما هي البدائل؟؟ انا الآن حامل بطفلي الأول وأفكر بالاستقالة بعد الانجاب للتفرغ للتربية ... ومقالاتكِ محفّزة جداً على ترك تلك الفكرة. ولكن ماهو البديل؟ أخشى على أطفالي من الحضانات التي يعمل فيها عديمو الرحمة.. ولا أريد تركهم مع والدي أو والدتي تجنباً للمعايرة مستقبلاً وكذلك الحال بالنسبة لأب وأم زوجي... فماذا أفعل؟ انصحيني استاذة.

    • زائر 19 زائر 4 | 9:56 م

      ام ربتني لن تعجز عن تربية ابني

      انا ايضا امراة عاملة و اضع اطفالي في يد امي فهي تحب تربيتهم كما احبت تربيتي

    • زائر 3 | 2:08 ص

      تحليل رائع

      كلام تحليلي جيد ومدروس وانشالله يسمعونج الامهات الجدد اما الامهات القدامى راحت عليهم والله لك شكرنا على المواضيع الرائعه دكتوره

    • زائر 2 | 1:24 ص

      صح لسانك ،،

      :)

اقرأ ايضاً