العدد 4278 - السبت 24 مايو 2014م الموافق 25 رجب 1435هـ

التخطيط لإدارة المخاطر الاجتماعية والسياسية بعد الربيع العربي

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حسب مفاهيم إدارة المخاطر الاجتماعية وعلاقتها بالتخطيط الاجتماعي، فإن هناك عدداً من الاستراتيجيات لابد من توافرها لإنجاح عمليات إدارة المخاطر الاجتماعية.

أولى هذه الاستراتيجيات هي التي تمنع بروز المخاطر، حيث يتم التخطيط لها قبل ظهورها وتستهدف التعامل مع احتمالات حدوثها، كتجنب مخاطر بيئة العمل، وتجنب مخاطر ارتفاع معدلات البطالة، وتجنب مخاطر محدودية المهارات التنافسية، ومحدودية امتداد المظلة التأمينية والصحية، ومخاطر الاستبعاد الاجتماعي.

وفي هذا المجال تمكنت السياسات الاجتماعية والعمالية من تقليل هذه المخاطر، ولكنها لم تتمكن من منع ظهورها أو استمرارها، وحيث أن الاقتصاد الوطني مازال ريعياً، كما سبق توضيحه في مقالاتنا السابقة، فإن أية أزمة نفطية قادمة سوف تؤدي إلى سلسلة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فتتفاقم هذه المخاطر وتتحول تدريجياً إلى مخاطر سياسية.

أما النوع الثاني من الاستراتيجيات وهي الوسيطة مجتمعياً، حيث تتوجه بشكل رئيسي نحو الأفراد والأسرة لتقوية قدراتهم على التشبيك معاً لمواجهة المخاطر المتعلقة بالمسنين أو المعاقين أو النساء الأرامل، وبشكل عام ونسبي يمكن القول أن السياسات الرعائية والحمائية وبعض برامج التمكين للأسرة والأفراد، قد ساهمت في تقليل هذه المخاطر في المجتمع البحريني.

والإستراتيجية الثالثة هي التي تتعامل مع آثار وانعكاسات المخاطر ووقوعها بالفعل، وإن تمكنت السياسات الاجتماعية الراهنة في البحرين من التعامل الإيجابي مع بعض هذه المخاطر من خلال الدعم المالي للأسر الفقيرة أو استمرار رعاية الفئات المهمّشة، إلا أن المخاطر الجديدة التي برزت بعد ثورات الربيع العربي لاتزال تدار بسياسات خاطئة، تهيمن عليها الحلول الأمنية وليست السياسية أو التنموية، أو تغيير نمط الاقتصاد والشراكة المطلوبة للانتهاء منها والانتقال إلى أولويات التنمية المستدامة.

تحديات السياسات الاجتماعية

وزارة التنمية الاجتماعية أشارت في سياساتها إلى مجموعةٍ من التحديات التي تقترب من التحديات التي ذكرناها، وأهمها نذكرها (اعتماداً على الموقع الالكتروني لوزارة التنمية الاجتماعية www.social.gov.bh ):

1. التزايد المستمر في أعداد الأسر التي تتلقى المساعدات، حيث كانت في حدود 11 ألف أسرة في التسعينيات من القرن الماضي، وتغطي حوالي 21 ألف فرد، إضافة إلى 6000 أسرة تحصل على مساعدات من الصناديق الخيرية الأهلية.

2. حوالي 40% من الفئات التي تحصل على مساعدات العام 2004، تندرج ضمن فئة «الفقر المالي»، وقادرة على التأهيل لإقامة مشروعات مدرة للدخل إذا ما تم دعمها.

3. توقف أبناء عدد من الأسر عن مراحل التعليم ما قبل الجامعي، ما يؤدي إلى تكوين شريحةٍ لا تستطيع الحصول على وظائف مرتفعة الدخل، وبالتالي تندرج ضمن دائرة الفئات الفقيرة أو المهددة بالفقر.

4. هناك بعض الفئات في المجتمع تعاني، وخصوصاً الشباب، من تحدي الهوية وإثبات الذات في مواجهة العولمة ونتائج التحولات الاجتماعية والاقتصادية وبروز مظاهر العنف والتفكك الأسري.

5. وجود بؤر سكنية عشوائية ومتدنية المرافق.

6. المجتمع يعاني من التمييز ضد المرأة والنوع الاجتماعي (75% من المسجلين في المشروع الوطني لتوظيف العاملين من الإناث).

7. تتراوح نسبة المسنين (65 سنة فما فوق) حوالي 3% من مجموع السكان الكلي، ويتوقع أن تزداد النسبة في نهاية 2010 لتصل إلى 7% من مجموع السكان.

8. وجود البطالة الهيكلية في ظل تواجد العمالة الأجنبية (المهاجرة) وتحويل الأموال للخارج.

ورغم اعتراف الوزارة بهذه التحديات، إلا أن الحلول المطروحة لا ترقى إلى استراتيجيات قادرة على إدارتها أو القضاء عليها حسب مفاهيم إدارة المخاطر الاجتماعية، فهي تشير إلى أن منهجية مواجهة هذه التحديات وتنفيذ السياسات الاجتماعية تتمثل في تطوير هيكلية الوزارة، وتوفير بيئة قانونية، وتهيئة المناخ لتنمية الاقتصاد الاجتماعي.

الحاجة لعقد اجتماعي جديد

ولذا فإن المطلوب تغيير هذه السياسات لتتلاءم مع المفاهيم الجديدة، لتكون قادرةً على القضاء على هذه المخاطر والتحديات من جهة، ومستوعبةً للمخاطر الاجتماعية الجديدة والشديدة التأثير على أمن الإنسان والمجتمع والاقتصاد من جهة ثانية، والتي تحتاج ليس فقط إلى سياسات اجتماعية تباشر وزارة التنمية الاجتماعية تنفيذها ومتابعتها، وبالذات في ظل ضعف الشراكة بين الأطراف، وفقدان الثقة بالتشاركية... وإنما تحتاج إلى جهود معظم وزارات الدولة وتوجيه الاقتصاد نحو الإنتاجية البعيدة عن الإدارة الريعية، إضافةً إلى إعادة النظر في العلاقات مع المجتمع بمؤسساته التجارية والمدنية والنقابية والحزبية، مع وجود تشاركية سياسية حقيقية، وتعزيز مبدأ المواطنة، ونبذ التمييز والطائفية.

وهي كلها تحديات تحتاج إلى صياغة عقد اجتماعي جديد يبتعد تدريجياً من النمط الريعي واعتماد المجتمع على الدولة، إلى اعتماد الدولة على إنتاجية المجتمع، وتعزيز دور المجتمع الأهلي ليصبح سلطةً خامسةً مؤثرةً على صعيد المشاركة والرقابة، وذلك لمواجهة المخاطر الاجتماعية المتمثلة في الأولويات التالية:

1.محاربة الطائفية والتمييز وتعزيز الوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة المتساوية.

2. التركيبة السكانية ومعالجة جادة لهيمنة العمالة المهاجرة على سوق العمل.

3. الفقر والتقليل منه، وأهمية تعريفه حسب خصوصية المجتمع بحيث تتبنى الدولة المفهوم الواسع للفقر (فقر القدرات) والانتقال من سياسات الرعاية والدعم إلى سياسات تنموية مستدامة.

4. معالجة ظاهرة العنف عبر تشخيص مسبباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن خلال تعزيز مبدأ حقوق الإنسان والتعددية والتسامح التي تخفف من ظاهرة التطرف والتكفير والتخوين والقمع والفساد.

وأخيراً... الاستمرار في دعم وتمكين الفئات الاجتماعية المهمّشة غير القادرة على الاعتماد على نفسها مثل المسنين والمعاقين والأيتام.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4278 - السبت 24 مايو 2014م الموافق 25 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:56 ص

      لتحقيق ذلك وزارة التخطيط لرسم خارطة الطريق لكل وزارة

      مواضيعك دائماً دسمة ومكانها الطبيعي عرضها من وزارة التخطيط على مجلس الوزراء والمجلس الوطني بشقيه الشورى والبرلمان. الله يوفقك ولا تحرمنا من هالدراسات التشخيصية لمشاكل البلاد ومن عليها. محمد نقابي مخضرم سابق

اقرأ ايضاً