العدد 4280 - الإثنين 26 مايو 2014م الموافق 27 رجب 1435هـ

مصر تنفض الغبار عن نفسها (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يغطي مصر غبار كثيف تراكم عبر الزمن... طبقات فوق طبقات، منذ وصول الرئيس الصدفة أنور السادات إلى الحكم في سبتمبر/ أيلول 1970، إثر وفاة الرئيس القائد جمال عبدالناصر، وهو لتوه انتهى من قمة عربية طارئة لإيقاف اقتتال الاخوة أو ما عرف بأيلول الأسود الذي استهدف اقتلاع المقاومة الفلسطينية من الأردن. وبعدها خلفه أيضاً الرئيس الصدفة حسني مبارك، والذي كان نائباً في الظل لأنور السادات، إثر اغتيال السادات في (6 أكتوبر/ تشرين الأول 1981)، فيما عرف بحادثة المنصة، وهو يستعرض قواته في ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، والتي أسهم كل من السادات ومبارك في إجهاضها، وتحويلها إلى هزيمة، ثم إبرام معاهدة كامب ديفيد الخيانية، التي كانت بداية تدهور مريع في أوضاع مصر، ودورها العربي والإقليمي، وبالتالي تدهور العرب جميعاً، مع ما جرته من كوارث قتالية.

استطال حكم الرئيس حسني مبارك لثلاثين عاماً، وأضحى ملِكاً أو فرعوناً غير متوج على مصر. وعلى امتداد ثلاثة عقود قضى حسني مبارك تقريباً على جميع انجازات ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي قادها القائد الوطني والقومي جمال عبدالناصر على المستوى المصري والعربي والإقليمي والدولي وفي مختلف الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها.

لقد كان مشروع عبدالناصر هو النهوض بمصر، لتصبح دولة قوية ومنتجة ومتقدمة، وفي الوقت ذاته أن تنهض بمهماتها القومية والإقليمية في الجوار الإفريقي والآسيوي، وفي عالم عدم الانحياز على الصعيد الدولي. وكان ذلك يتطلب البناء والقتال في الوقت ذاته. البناء بالمعنى الشامل، أي نقل مصر من دولة زراعية متخلفة، إلى دولة صناعية وزراعية متقدمة وبناء قوات مسلحة حديثة ومسلحة جيداً.

وكان ذلك يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد وتوجيه الموارد، وتحديث التعليم وبناء القوات المسلحة وذلك بالتعاون الوثيق مع الأصدقاء وخصوصاً الاتحاد السوفياتي، وبعض دول عدم الانحياز وخصوصا الصين والهند وهكذا شهدت مصر انجاز السد العالي ومصانع الحديد والصلب والعديد من الصناعات بما فيها الصناعات الحربية، وازدهاراً في التعليم والأبحاث بما في ذلك الطاقة الذرية للأهداف السلمية، وفي المقابل خاض عبدالناصر المعارك ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي المسيطر على المنطقة والاستعمار الجديد، ممثلا بالولايات المتحدة، الطامحة إلى خلافة الاستعمار القديم والهيمنة على المنطقة العربية. فكانت معارك عبدالناصر تتوالى بدءاً بمعركة الجلاء من مصر، وتأميم قناة السويس، ثم مقاومة العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي واسقاط حلف بغداد، ودعم الثورات العربية من كل مكان وخصوصاً الجزائر واليمن، وبالطبع الاستعداد لحرب فاصلة مع إسرائيل، ودعم الثورة الفلسطينية الناشئة والتي اعتبرها عبدالناصر «أشرف ظاهرة في تاريخ العرب الحديث» وأنجز عبدالناصر حلم الأجيال العربية بتحقيق الوحدة العربية المصرية السورية في ( 8 فبراير/ شباط 1958). كما لعبت مصر دورا مهما في دعم ثورات التحرير في القارة الإفريقية، إلى جانب كونها من أهم مؤسسي حركة عدم الانحياز، وما مثلته كقوة دافعة لتحرير واستقلالية أكثر من 80 دولة في القارات الثلاث آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية. تآمر الاستعمار البريطاني الفرنسي، والعدو الصهيوني والاستعمار الجديد ممثلا بأميركا، بالتحالف أحيانا وبتلاقي المصالح مع الرجعية العربية وهو معروف جيدا وقد أسهم ذلك إلى جانب اختلالات عميقة في بنية نظام ثورة يوليو في الحاق هزائم بمشروع عبدالناصر، وكانت قمتها حرب يونيو/ حزيران 1967 وإلحاق الهزيمة المذلة، بالدول العربية الثلاث: مصر وسورية والأردن، والتي انتهت باحتلال إسرائيل لما تبقى من فلسطين والجولان السوري، وسيناء المصرية، وعلى رغم الهزيمة الكاسحة والتي تحمل عبدالناصر مسئوليتها بشجاعة نادرة، فقد كان يعمل للنهوض مرة أخرى، وبذل ومعه الشعب المصري جهودا خارقة، ظهرت نتائجها في حرب (6 أكتوبر 1973) المجيدة والتي خاضتها مصر وسورية، وبدعم عربي وسوفياتي هذه المرة.

لكن القدر لم يمهل عبدالناصر ليرى ثمرة إعادة بناء القوات المسلحة واستنهاض الذات وخوض حرب التحرير، فتوفي بعد أن أنجح بجهوده القمة العربية لإنهاء حرب الاخوة الاعداء، ووقف نزيف الدم العربي.

لكن خلفه السادات، وان استمر في مخطط عبدالناصر لخوض حرب التحرير، وفي التحالف مع سورية، فقد وضع أهدافا استراتيجية مختلفة عن عبدالناصر بل متناقضة معها. لقد فك التحالف مع الصديق الحليف الاتحاد السوفياتي، وبدلا من حرب تحرير شاملة، خاض حربا محدودة توقفت بعد عبور قناة السويس، ووظف نتائج الحرب والمفاوضات من أجل التحالف مع أميركا، واتفاقية سلام مذل مع إسرائيل والتنصل من المسئولية القومية لمصر تجاه فلسطين والقضايا العربية. ولقد عمل في الداخل على تفكيك بنية النظام الذي أقامه عبدالناصر لتحقيق أهداف ثورة يوليو، ثم تفكيك القطاع العام وخصوصاً قطاع الصناعة والتشييد والاعمار والخدمات الكبرى، وفتح الباب أمام عودة سيطرة الرأسمالية بل والاقطاع، وأسس لتحالف طبقي من الرأسماليين والبيروقراطيين وتراجعت مصر على مختلف الصعد وفي جميع المجالات.

وجاء حسني مبارك ليوسع ويعمق سياسات السادات حيث عمل على امتداد ثلاثين عاماً من حكمه في ترسيخ دولة الفساد والتسلط والتحلل، بحيث أضحت مصر دولة هامشية في صنع السياسات العربية والإقليمية والدولية، ورهينة كل من أميركا وإسرائيل والرجعية العربية، تتسول المساعدات وتطرد أبناءها النابغين إلى الهجرة. نجح مبارك في اقامة نظام ليبرالي اقتصاديا وتسلطي فعليا مع واجهات ديمقراطية مثل الانتخابات ومجلس الشعب ومجلس الشورى، والقضاء والأحزاب السياسية، والتعددية الصحافية الشكلية، فكان كل شيء ممسوخاً بل ووصل الوضع إلى أن يعد ابنه جمال ليخلفه في الحكم، بعد أن أضحت أسرة مبارك وأصهارها تحكم وتملك مصر فيما أضحى يعرف بالمملكة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4280 - الإثنين 26 مايو 2014م الموافق 27 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:31 م

      متأسف

      المقال كان افضل لو لم تتدخل العاطفة فيها و تحكم علي الامور من زاوية الميول.

اقرأ ايضاً