العدد 4281 - الثلثاء 27 مايو 2014م الموافق 28 رجب 1435هـ

مصر تنفض الغبار عن نفسها (2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قد تكون مؤسسة الجيش التي تمتلك استقلالية نسبية وتراتبية ثابتة، وتقاليد راسخة، الناجي الوحيد من إفساد السادات ومبارك لمؤسسات الدولة. وهو ما يفسر دورها الوطني بعد ان انفجرت ثورة (25 يناير/ كانون الثاني 2011)، في مسلسل الربيع العربي، ووقوفها على الحياد في البداية، ثم الانحياز إلى جانب الشعب، بعد أن أدركت التحول في ميزان القوى وإصرار الشعب المصري على المضى بالثورة حتى النهاية وككثير من الثورات، وخصوصاً الثورات المباغتة، في مجتمعات دمرت بنيتها وتنظيماتها السياسية والنقابية والمجتمعية فقد استغل الانتهازيون المنظمون تضحيات الشعب والثوار وهكذا قفز الاخوان المسلمون إلى السلطة، ليعيدوا عجلة التغيير إلى الوراء.

وليدشنوا حكما فاشلا يحمل مضامين رجعية ثيوقراطية، لكن الشعب المصري وطلائعه من الشباب، أعادوا والكرَّة ونزلوا إلى الساحات في (30 يونيو/ حزيران 2013)، ومرة أخرى انحاز الجيش المصري إلى جانبهم وقام بإنهاء حكم الاخوان في (3 يوليو/ تموز 2013)، وتدشين مرحلة انتقالية تتجاذبها قوى عديدة من بقايا النظام القديم، والقوى الانتهازية مقابل قوى الثورة. والحقيقة أن النتائج متباينة، فهناك فقدان للأمن، بسبب العمليات الإرهابية للاسلاموين المتطرفين والبلطجية وقمع ومصادرة للحريات، وإقصاء لشباب الثورة، وفي الوقت ذاته، التصفية السياسية للاخوان المسلمين، التصدي للإرهاب وإقرار دستور جديد، وتشريعات انتخابية ملتبسة.

والمحصلة الأولى هي في الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها ابن القوات المسلحة المشير عبدالفتاح السيسي، بطل 3 يوليو/ تموز، وإنهاء حكم الإخوان، وابن ثورة يوليو ويناير ويونيو حمدين الصباحي.

من الملاحظ ان كلام المرشحين لا يخفي جسامة المهمة التي تنتظر الفائز وتنتظر المصريين معه، أحزابا وقوى ونخباً سياسية وثقافية وعلمية، وخصوصاً الشباب وقود الثورة وأملها، وكلاهما شخَّص الخراب الذي لحق بالدولة المصرية والتراجع المريع لدور مصر العربي والإقليمي والدولي لا يحتاج المرء ليدرك كم من غبار تراكم على مصر دولة ومجتمعاً، فالقوى السياسية في حالة تشتت، والجماهير تتطلع إلى المنقذ الذي يخرجها من هذه الحالة المتردية، حيث النظام العام شبه مفقود والاقتصاد متدهور وكل شيء من صناعة وزراعة وتعليم وصحة وإسكان متدهور، شوارع القاهرة وأرصفتها ونيلها وجسورها وبيئتها تشهد على ذلك. تفتح نافذتك في طابق علوي في الفندق، لترى التلوث يحول دون الرؤية، والازدحام والفوضى في الشوارع وأصوات السيارات تصم الآذان، والناس تعبر الشوارع مخاطرة بحياتها، والارصفة احتلها الباعة المتجولون، فلم يعد بمقدورك حتى التمشي على ضفة النيل، والنيل ذاته بلون مخبوط نتيجة التلوث، ومئات اللنشات المتهالكة تطلق من مسجلاتها أصوات ناعقة، واغاني هابطة يتشغلع على أنغامها المراهقون فتصاب بالدوار. كل شيء يوحي بالانهيار. لكن هناك أملا أطلقته ثورتا 25 يناير و30 يونيو وشباب كسر حاجز الخوف، ولم يعد يقبل بالرجوع إلى الوراء، لقد أحسست بذلك بقوة في مهرجان اليوم الأخير للمرشح حمدين الصباحي في ميدان عابدين، مقابل القصر الملكي التاريخي، وهم إلى جانب والنساء والرجال يهتفون بحماس ويقفون في الهواء، مرددين شعارات الثورة «خبز حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية» والكبير كبير مش لازم يكون مشير»، «يا حمدين ويا حمدين سير بتقرير المصير». و»رئيسكم مين فيأتي الرد يا حمدين» هذا بالطبع لا ينتقص من جمهور المشير عبدالفتاح السيسي وهوخلافاً لحمدين وجمهوره هادئ وأكثر تصالحاً مع الماضي. العلاقات الحميمة بين جمهور الصباحي في ساحة عابدين والنخبة من القيادات السياسية والثقافية والفنية، مسلمين وأقباطاً، صعيديين وبحريين، والذين تناوبوا على الخطابة من المنصة، تؤكد أن المصريين اليوم أمسكوا بقرارهم وبالسياسة، وبمصير بلدهم، ولم يعودوا كمّاً مهملاً أو ما عرف «بحزب الكنبة».

الصباحي ذاته خاطب الجمهور المتحمس الذي قاطع خطابه مرارا بالهتافات، فيما كانت البالونات التي تحمل صورته تطير كالحمام في السماء، عرض جوهر برنامجه، النهوض بمصر داخليا وخارجيا وضمان كرامة كل مواطن مصري رجلا أو امرأة مسلما أو قبطيا والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمحسوبية، وضمان تكافؤ الفرص، والانطلاق لبناء قاعدة صناعية وتوسيع القاعدة الزراعية الحديثة لاستيعاب ملايين الشباب العاطلين والخروج من نفق الفقر والنهضة الثالثة لمصر بعد نهضة محمد على باشا ونهضة ثورة يوليو ويمثل كونه مواطنا عاديا حسب شعار حملته و»احد مننا حيكمل حلمنا» هو القاسم المشترك ما بين حمدين والسيسي، والذي خاطب المصريين أيضا عبر التلفزيون، مؤكدا ذات المعاني ويطرح نفسه كرجل دولة، ويؤكد انتماءه لجيش مصر الوطني وبذلك فإن كلا من السيسي وحمدين ليسا امتداداً لحكم السادات مبارك الفاسد، بل هي «جمهورية ثالثة» على حد تعبير عمرو موسى، «بعد جمهورية يوليو عبدالناصر وجمهور الاخوان مرسي إنها جمهورية ثورتي 25 يناير و30 يونيو».

ما يثلج الصدر أنه وسط هذا الركام، هناك وعي وتصميم من قبل المصريين لكنس الغبار الذي تراكم، والنهوض بمصر، ومن مؤشراته هذا الإقبال الكثيف نسبيا على انتخابات المصريين في الخارج، وما هو متوقع من إقبال كثيف للمصريين على أرض مصر في ظل مراقبة وطنية وعربية ودولية، وما يفرح القلب أغنية حسين الجسمي، باللهجة المصرية المحببة والإيقاع الراقص «اخطي خطوة لقدام»، وهي إسهام خليجي نبيل، في مواجهة التدخلات الخليجية الرسمية السيئة التي تريد استيعاب الثورة المصرية الجديدة، مستغلة حاجة مصر الملحة إلى المساعدات لذلك، فأنا اعتز بأنني وقد يكون غيري من الخليجيين والعرب قد انغمسوا خلال هذه الأيام في ندوات وحوارات عربية ومصرية، لدعم المصريين بالرأي والخبرة في هذه المرحلة الحساسة والحاسمة، وأنا متفائل بأن مصر كما كانت في العديد من حقب التاريخ واخرها حقبة عبدالناصر وثورة يوليو تعود إلى دورها الريادي والقيادي العربي والإقليمي والدولي، وسيحبط من يريد تقزيمها، فلا عزة للعرب إلا بمصر، ولا تحرير لفلسطين إلا بمصر ولا وحدة عربية الا ومصر مركزها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4281 - الثلثاء 27 مايو 2014م الموافق 28 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:12 ص

      بعد جمهورية يوليو عبدالناصر

      بعد جمهورية يوليو عبدالناصر :النهوض بمصر داخليا وخارجيا و.......والانطلاق لبناء قاعدة صناعية وتوسيع القاعدة الزراعية الحديثة ممكن لو تخلي الصباحي او السيسي عن لعبة الامم القذره و اللي فى الجدر بيطلعه الاصطام

اقرأ ايضاً