العدد 4282 - الأربعاء 28 مايو 2014م الموافق 29 رجب 1435هـ

حين تُسرق الجهود باسم الفُرص

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الحياة مليئة بالفرص. الفرص ليست ملقاة على الأرصفة ليلتقطها الناس. الفرص تتضح بالسعي في الأرض، وتلمّس الرزق من طرقه الشرعية والقانونية والأخلاقية. الفرص هناك أيضاً بإعمال الإنسان عقله وتفكيره وسعة خياله. وفوق هذا وذاك، أن يكون للإنسان جهد واضح في تحويل تلك الفرص إلى نتائج وقيمة وعمل على الأرض.

الفرص ليست اشتهاء ونوعاً من التمنّي، ولا تأتي بالاستدعاء والطلب والأوامر. حين يحدث ذلك فلن تتعدّى «التنْبلة» والوهم في درجاته النهائية! وحين يحدث ذلك، فلن تختلف مثل تلك الفرص عن السطو وسرقة تعب وعرق الآخرين. لا تكون الفرص فرصاً إلا بالذهاب إليها.

والفرص في نهاية المطاف «فكرة»، «اهتداء»، وليست كنزاً مفتوحاً في سبيل يسلكه أحدنا فيرتطم به، في صور وحكايات أفسدت الإنسان ليس من بوليوود في الهند وحدها، بل في واقع عربي يهرب إنسانه لفرط الضيق وتعاظم الظلم، وتراكم النهب، إلى ما يشبه الهلوسات والخيال العاجز المريض، والتمنّي الفارغ، ويريد من خلال كل ذلك أن يصحو على واقع أفضل، وأوضاع أكثر مثالية. لم يمنح الوهم واقعاً من الأساس كي يمنح المثالية في ذلك الواقع، وكل ما تشتهيه الأنفس.

كم بيننا اليوم من يجد في أيدي الآخرين فرصة له كي يكون في يده وتحت هيمنته، من دون أن يبذل أدنى جهد، وفي اليسير من الاستقواء وقليل من السعي، ولا سعي في ذلك. إنه أول البطش وأول الحرام؟

كم بيننا اليوم من يجدون في أيدي الآخرين، خطأ يجب تصحيحه بتحوّل كل ذلك إلى ملكيتهم وسطوتهم؟ كم بيننا اليوم من لا ينام ليله، ولا يهدأ في نهاره ما لم يُحِل نهار الآخرين إلى ليل، وليلهم إلى قبر؟

كم بيننا اليوم من يجدون الفرص أحياناً، هناك بتقويض استقرار وطمأنينة الآخرين، ظنّاً منهم أن في ذلك مضاعفة لاستقرارهم وطمأنينتهم؟

كم بيننا اليوم من يرون في شقاء وعذاب وفقر وحاجة الآخرين، فرصاً لا يمكن تعويضها، ظناً منهم بإمكانية إخضاع أولئك البشر إلى هيمنتهم وسطوتهم، ولا فرص بعد كل ذلك كما يتوهمون؟

كم بيننا اليوم من يتوهمون قدرتهم على تصحيح أخطاء الحياة (كما يرون)، بفرض ذلك التصحيح الذي هو ما بعد الأخطاء والكارثة بمراحل، ويرون في ذلك فرصة هبطت عليهم من سماء يتوهّمونها أيضاً، أو في رؤوسهم هو فقط؟!

كم بيننا اليوم من يصل به الأمر إلى الاعتقاد ليس فقط بأن هذا العالم تمّت تهيئته وتكييفه كي يتناسب مع مزاجه، وقدرته على القفز على حقوق الآخرين، والإمعان في التنغيص عليهم، والحيلولة بينهم وبين ما حققوه وجنوه بخلقهم الفرص أحياناً، وتتبّعها والتمهيد لها، أحياناً أخرى؟

وفي البناء لدى أي مجتمع، وحتى على مستوى الفرد، لابد من مشاركة في صورة أو أخرى. جهود تتضافر وتجتمع على إنجاز ذلك البناء، وفي ذلك فرص لإتقان العمل والارتقاء به، والأخذ به إلى حيث يعلو ويتجذّر ويرسخ في الوقت نفسه.

وهناك من يجد فرصته في هدم ونسف ذلك البناء ما لم يكن صاحبه أو على أقل تقدير، صاحب السطوة والهيمنة عليه! ولا فرصة في ذلك سوى أن تتهدّد الجهود تلك وتذهب أدراج الرياح، إذا وجد ذلك المريض بالاستيلاء على جهد وعرق وإنجاز الآخرين فرصة له، من يشايعه، ويمدّه بأسباب تعدّيه وتحت أكثر من غطاء وعنوان.

ثم إنه لا بناء أساساً، في أمكنة ودول وجماعات تحتكر الفرص في الحياة والعمل والإبداع والمشاركة في هذا التنوع الجميل والمبهر إذا حدث. تحتكرها، بمعنى أن تكون وقفاً على من تراه مطابقاً للشيطان فيها، ومطابقاً للطمع والجشع، اللذين لا تستقر أوضاعهم وشئونهم من دونهما، وكل ما يسيء إلى نقاء وبياض وطهْر الإنسان في صورته وقيمته ومضمونه الحقيقي، من دون أن يمسسه سوء إرهاب أو تهديد أو سطو، بكل صوره وعناوينه التي يبدو ألاّ نهاية لها فيما نشهد اليوم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4282 - الأربعاء 28 مايو 2014م الموافق 29 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:27 ص

      أحسنت

      وكم بيننا اليوم من يجد في ضرب عناصر المجتمع وخلق النزاع الداخلي والطائفي فرصة ثمينة لاستقراره وهيمنته واستمرار عرشه؟

اقرأ ايضاً