العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ

الشراكة المجتمعية في مواجهة الجريمة الإرهابية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

العنوان أعلاه هو موضوع دراسة نشرت في كتاب بنفس العنوان إضافة لعنوان فرعي هو «الغنم بالغنم هل يصبح مصدراً جديداً للالتزام»، ومؤلف الكتاب اللواء شوقي محمد صلاح، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة المصرية، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب العام 2014. والدراسة هي بحث علمي متعمق في الموضوع الخاص بالجريمة الإرهابية وأهمية الشراكة المجتمعية لمواجهتها.

وتبدأ الدراسة بتقديم يتضمن الموضوع وأهمية الدراسة وأهدافها ومنهج البحث وخطته والنتائج التي خلص إليها الباحث. والفكرة المحورية التي يطرحها الباحث هي أهمية الشراكة المجتمعية في مواجهة الجريمة الإرهابية، ولكن مثل هذه الشراكة ليست مجانية، بل يجب أن يحصل المشارك من المجتمع على جزء مهم من حصيلة مقاومة الجريمة مثل ضبط مادة الجريمة، ومعداتها، وتقييم ثمنها، ونتائج ذلك مما يترتب عليه إثراء المجتمع، كما في حالة التهرب الضريبي أو التهريب الجمركي ونحو ذلك، ومثل هذه المشاركة في عائد المضبوطات، تعد تشجيعاً على مساهمة المواطن العادي في هذه الشراكة المجتمعية مع رجال الأمن، كما إنها تعد مكافأة له على قيامه بالإبلاغ وغيره من وسائل مقاومة الجريمة.

ومبدأ الغنم بالغنم ليس خاصاً بالجريمة الإرهابية أو قاصراً عليها، ولكنه ينصرف إلى شتى أنواع الجرائم بما في ذلك الجريمة الإرهابية التي تستهدف تخريب اقتصاد الدولة، أو تدمير مصانعها، أو مخزونها السلعي الاستراتيجي، فإن ذلك يعد جريمة إرهابية، والوقاية منها واجب مجتمعي، كما هو واجب على رجال الأمن. وهذا يحقق عائداً للدولة، ولذلك ينبغي أن يحصل المُبلّغ أو المشارك من المجتمع على نصيب. ومن هنا جاء مصطلح الغُنم (الغنيمة) بالغُنم، وكما يقال في أدبيات العمل الدبلوماسي بالأمم المتحدة أنه لا يوجد غداء مجاناً، أي أن الحصول على تأييد دولةٍ ما بدعوة ممثليها لتناول وجبة غداء يتضمن عملياً شرح وجهة نظر الدولة الداعية، وطلب تأييد الدول الأخرى لها.

الدراسة التي نعرض لها تتضمن أربعة فصول، الأول: حول تعريف الإرهاب، والشراكة المجتمعية لمواجهته، ثم النظم الفاعلة والآمنة للتبليغ عن الجرائم بشكلها القانوني والأمني، والضمانات والشهود، وأخيراً المحصلة التي هي تأكيد أهمية مبدأ «الغُنم بالغُنم» كأساس للالتزام بالشراكة المجتمعية، بين رجال الأمن والشرطة المجتمعية بما في ذلك المواطنين.

ويستطرد المؤلف في الفصل الأول حيث يعرض التعريفات المتعددة للإرهاب في المواثيق الدولية، وفي القانون المصري والقانون البحريني، كما يقدّم تعريفه الخاص للإرهاب ويحلل أركانه من واقع هذا التعريف. والفصل الثاني المعنون «الشراكة المجتمعية في مواجهة الجرائم الإرهابية» يحلّل فيه الباحث مفهوم الشراكة المجتمعية وأنماطها الأساسية والعوامل التي تعتمد عليها، وهي: العامل الوقائي، والعامل الإنساني، والعامل التضامني وغيرها. كما يحلل الباحث القواعد الموجهة للتعاون بين أجهزة الأمن والمجتمع، وكذلك كيفية تعزيز الشراكة ودور الجهات أو الآليات المختلفة لتحقيقها، ومنها الأسرة والمدرسة والإعلام والثقافة ورجال الدين ومنظمات المجتمع المدني، أي باختصار أهمية توافر منظومة متكاملة في هذا الصدد بهدف نشر الوعي بأهمية الشراكة، ووضع آليات لتحقيقها، وحماية القائمين بها.

وقد أبرز الباحث ذلك في الفصل الثالث واقترح ضرورة وجود نظم فاعلة وآمنة للإبلاغ عن الجرائم قبل أو بعد وقوعها أو عن أية أشياء يشتبه في استخدامها لأغراض إرهابية. في حين يخصص الباحث الفصل الرابع لما يسميه المشاركة في الإثراء، كأثر أو نتيجة للإبلاغ عن جرم إرهابي. ولتوضيح المفهوم يقول الباحث إن أساس فكرته أن مفهوم الإثراء بلا سبب هو من المفاهيم القائمة في القانون المدني، بما في ذلك القانون الفرنسي. وهو حصول إثراء لشخص نتيجة عمل يقوم به شخص ثاني غير مقصود منه هذا الإثراء للطرف الأول، وبعبارة أخرى هو تحقق إثراء للمدين نتيجة قيام الدائن بعمل ما نتج عنه إثراء الأول، وأحياناً إفقار الثاني. ونص القانون المصري على أن كل شخص ولو كان غير مميز يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر، يلتزم في حدود ما أثرى بتعويض الشخص الآخر عمّا لحقه من خسارة... إلخ.

وفي ختام الكتاب قدّم المؤلف عدة توصيات تتعلق بتأمين وحماية المبلغين والشهود، وتعويضهم في إطار مبدأ الغنم بالغنم، أي المكسب المتحقق للدولة من اكتشاف والحيلولة دون وقوع جريمة إرهابية، ومصادرة أدواتها وأسلحتها أو معداتها، وهو ما يحقق فائدةً للدولة التي ينبغي أن تسمح بتعويض أو مكافأة المبلغين عن ذلك. وقدّم الباحث توصياته ومقترحاته لتطوير القانون المصري والقانون البحريني، وفي النهاية أضاف خمسة ملاحق تضمن الأول أنواع الجرائم التي يمكن التبليغ عنها. والثاني يتضمن إنشاء مكتب تنفيذي للأمن والسلامة العامة. والملحق الثالث عن إرشادات جامعة كورنيل حول دور الشرطة في متابعة الجريمة، والملحق الرابع أفكار حول حماية المجتمع من الجرائم الإرهابية ومخاطر الاضطرابات العامة، والملحق الخامس بعنوان نحو رؤية مستقبلية لتطوير القانون البحريني بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية، وأخيراً قائمة مطولة بالمراجع المتنوعة.

ونود أن نذكر عدة ملاحظات حول الكتاب والمؤلف وهي:

الأولى: إن الكتاب يُعد دراسة متخصصة لموضوعه من باحث متخصص في قضايا القانون والشرطة، فهو عمل ضابطاً حتى رتبة اللواء، وحصل على الدكتوراه في العلوم القانونية، ومارس العمل الشرطي والتدريب القانوني، ومن ثم فهو لديه حصيلة متميزة من الفكر المتعمق في مجاله مستنداً للدراسة والمعرفة النظرية والخبرة العملية.

الثانية: إن المؤلف شوقي صلاح عمل في أكاديمية الشرطة المصرية، كما عمل لفترة في الأكاديمية الملكية للشرطة في البحرين، وبذلك فهو يعد من العارفين بالعمل الشرطي والأمني في البحرين، ومن هنا قدّم في الملحق الخامس عدة مقترحات تختص بمكافحة الإرهاب في البحرين وحماية المجتمع من الجريمة الإرهابية.

الثالثة: إن الباحث بنشاطه الأكاديمي في مصر حقق تميزاً في عمله، وبنشاطه الشرطي قام بتطبيق دراساته وأفكاره ومنهجه في التعليم والتدريب، وبذلك فإن دراساته وأبحاثه ذات طابع عملي لا تعتمد فقط على الفكر النظري، وهو يواصل عطاءه باقتدار في ذلك المجال.

الرابعة: إن الكتاب يعتبر كتابين في آن واحد، ولعل مرجع ذلك من وجهة نظري كثرة وطول الهوامش والحواشي في الكتاب، والتي أحياناً تملأ صفحة أو أكثر، تعليقاً أو تحليلاً أو عرضاً للسوابق بالنسبة لموضوع تناوله في متن الدراسة، وهذا يدل على عمق تخصص الباحث. ولقد لمست ذلك من الأساتذة المخضرمين، ولكنه يجعل القارئ غير المتخصص من أمثالي أحياناً يتوه بين المتن والهوامش، وتتداخل لديه الأفكار ويضطر لقراءة الصفحة أكثر من مرة، ولذلك فإن الأساتذة المحدثين، وأنا منهم أكثر ميلاً لتجنب كثرة الحواشي، إلا في أضيق الحدود ومخاطبة الموضوع مباشرة، ولكن الباحث شوقي صلاح مازال محافظاً على المنهج التقليدي المدقق في الأطروحات التي يحللها من جميع جوانبها.

وختاماً له تهنئتي وإلى مزيد من الإنتاج العلمي لإثراء الفكر القانوني والشرطي.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4283 - الخميس 29 مايو 2014م الموافق 30 رجب 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً