العدد 4286 - الأحد 01 يونيو 2014م الموافق 03 شعبان 1435هـ

تأملات حول نتائج انتخابات الرئاسة المصرية ودلالاتها

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد كانت الانتخابات الرئاسية للرئيس السادس للجمهورية المصرية منذ ثورة 1952 والتي أجريت في الفترة من 26 إلى 28 مايو/ أيار 2014 بمثابة نقلة نوعية في المجتمع المصري ومن ثم فهي تستحق التأملات في نتائجها ودلالاتها.

في البداية نتأمل قليلا في النتائج، وهنا يمكن القول إن نتائج الانتخابات أظهرت عدة تأملات، الأولى بروز دور المرأة المصرية بصورة غير مسبوقة، ومن ثم أكدت المرأة المصرية أنها قوة لا يستهان بها. والمرأة المصرية ليست هي تلك السيدة الليبرالية المنكوش شعرها والتي يتحدث عنها الأجانب ويكتبون عنها ويروجون لها، وليست هي المرأة المنقبة التي يتغنى بها دعاة العودة إلى القرن السادس الميلادي، ويطلقون على ما عداهم وصف جاهلية القرن العشرين، وهم أشد جهلاً ونفاقاً.

إن المرأة المصرية هي بنت البلد الأصيلة المحجبة أو غير المحجبة التي تتصرف بعفوية في أفراحها وأتراحها، وهي تلك التي تعتد وتفتخر بوطنها ولا تهتم بما عداه مما يقوله المثقفون من اهتمام بالعالم الخارجي، وأطروحات سياسية فلسفية لا تفهمها ولا تكترث بها. وهي تلك المرأة التي لمست أن هذه المناسبة لها بعدان؛ بعد الفرح والابتهاج، ولذلك كانت تغني وترقص أمام لجان الانتخابات، والبعد الآخر هو النزعة الوطنية التفاؤلية للمجتمع المصري وارتباط ذلك بمفهوم الزعيم المخلص.

ولذلك أيدت المرشح عبدالفتاح السيسي الذي لمست فيه النزعة الوطنية المصرية، والبعد عن المهاترات واحترام عقل المصري الهادئ المعتدل في أحاديثه، بعيداً عن الخطب العصماء للوصول إلى السلطة والوعود البراقة للمثقفين وذوي الطموحات السياسية من ذوي النفاق والكذب والذين ينتمي فكرهم إلى الماضي بينما نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين.

إنها المرأة الواقعية التي تتطلع إلى حياة كريمة في إطار من العقلانية بالحصول على المأكل والمشرب النظيف والمسكن والتعليم والعمل، كل هذا ينبغي أن يسبقه مناخ من الأمن والأمان حتى تستطيع أن تسير في الشارع وتجلس مع ذريتها في المتنزهات وتركب المواصلات وتذهب إلى المدرسة أو العمل من دون أن يتعرض لها أحد بسوء أو أذى ومن دون أن يقص أحد المتنطعين شعرها أو شعر ابنتها أو يطالبها بزي لم تتعود عليه طوال تاريخها الحضاري.

والثانية دور الشباب الوطني الذي يؤمن ببلاده ولا يساير شباباً يرتبط بالخارج ويحصل على أموال تحت مسميات حقوق الإنسان أو المجتمع المدني أو التغيير أو غيرها من المسميات بهدف إحداث الفوضى في المجتمع، وهي دكاكين معروفة ولم يكن لها أثر حقيقي في المجتمع سوى مع قلة.

إن الشباب المصري يؤمن بالعمل الخيري التطوعي كما آمن بذلك آباؤه وأجداده وكما فعلوا قبل أن تظهر تلك المفاهيم التي تعبر عن كلمات حق أريد بها باطل وينساق وراءها ثلة من الشباب الذي يعاني من الإحباط والبطالة وفقدان الأمل في المستقبل.

والثالثة إن المشاركة المجتمعية في الانتخابات كانت في حدود المعقول، لكنها اقل من توقعات بعض رجال الإعلام والسياسيين الذين اعتادوا النسب العالية والانجازات العظيمة على الورق وليس على أرض الواقع، ولذلك أثاروا الدنيا ولم يقعدوها عندما لم تتحقق توقعاتهم. بينما نسبة المشاركة في الانتخابات كانت تتماشى مع النسب العالمية في مثل هذه الحالات وهي أكبر من النسب الصحيحة في الظروف الاعتيادية.

والرابعة المبالغة في تقدير الذات وتضخيمها من أحد المرشحين الذي حسب نتائجه المتوقعة قياساً على ما حققه في الماضي، غير مدرك أن الظروف اختلفت، ففي الانتخابات الرئاسية السابقة كان هناك مرشحون كثر لأنه لم يكن لدى أحدهم كاريزما حقيقية يتفق عليها معظم أفراد الشعب المصري، ولم يكن لأحدهم انجاز حقيقي لمصلحة المجتمع، وكان عدد من القوى اليسارية والقومية ضد ما أطلق عليه حكم العسكر، وما أطلق عليه حكم المرشد.

أما في هذه الانتخابات العام 2014 فلم يكن هناك مثل هذه الحالة، فهناك بطل ضحى بنفسه وعرضها للقتل لكن لم يتردد دفاعا عن الشعب واستجابة لدعوته إياه للتدخل ودعوات القوى الليبرالية في حركة الإنقاذ ما عدا ثلة قليلة، ولم يتحمس هذا البطل لدور سياسي إلا استجابة لنداء الشعب واحتراما لإرادته وتقديراً للمخاطر الأمنية والوطنية التي تتعرض لها بلاده وظل مترددا حتى آخر لحظة. ولذلك أصيب بخيبة أمل وقعت عليه وعلى حملته وقوع الكارثة.

والخامسة هي ضعف ما يسمى بالأحزاب السياسية وهي أحزاب أنابيب فهي لاتزال في طور الحضانة ولم تتعمق جذورها بعد في المجتمع ومن ثم فان دور الزعيم والبطل مازال هو أساس العمل السياسي، وهذا جزء من التراث المصري والعربي والإسلامي وكان ذلك جزء من المجتمع الغربي في الماضي، لكنهم طوروا تجاربهم وانشأوا المؤسسات في حين أن حضارتنا العربية والإسلامية لاتزال قائمة على أساس البطل.

ونظرة إلى التاريخ نجد اسم الدولة يرتبط باسم الأسرة الحاكمة مثل الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة الصفوية والدولة الطولونية والإخشيدية والحمدانية والفاطمية والدولة العثمانية وهكذا طوال التاريخ حتى اليوم.

ونتساءل ما هي دلالات النتائج؟ وفي تقديري أن هناك ثلاث دلالات رئيسة: الأولى هي عودة الروح إلى الشعب المصري بإحساسه ببلاده والمخاطر التي تتهددها، والثانية عودة الأمل في قيادته الجديدة وقدرتها على تحقيق طموحاته ولو في الحد الأدنى من مستلزمات الحياة، والثالثة هي عودة الإدراك للمواطن أنه صاحب القرار بصوته الذي يجب أن يحترم وأن يعبر عنه بحرية وليس صاحب القرار هو أميركا أو إسرائيل أو أية دولة أجنبية كما ادعى بعض المثقفين في الماضي من دون إقلال من أثر العامل الخارجي في بناء الدولة أو تنميتها أو أمنها الوطني وخاصة العامل القومي.

ومن ثم غاب بوجه عام البعد الخارجي عن الانتخابات أو كان هذا البعد في حده الأدنى المعقول في أية انتخابات في دولة ديمقراطية. فأميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو المانيا نجد البعد الخارجي محدود التأثير إلا في حالة الانتخابات الثانية لجورج دبليو بوش لنجاحه في بث الخوف من الإرهاب الإسلامي في نفوس الشعب، ولذلك تم اختياره لفترة ثانية. وجاء انتخاب اوباما وهو يركز على البرنامج الداخلي وتحسين صورة أميركا بأكثر من تركيزه على السياسة الخارجية التي احدث فيها أسوأ ممارسة خاصة بالنسبة إلى العرب والفلسطينيين على رغم التفاؤل بنجاحه في الانتخابات لنفس السذاجة العربية بالتفاؤل بانتخاب جورج دبليو بوش الابن لارتباطات أسرته باللوبي النفطي في أميركا. ومن ثم تفوق اوباما على بوش في الإساءة وإهمال المصالح العربية في سياسته ما أثر في علاقات أميركا مع العالم العربي.

تلك بعض النتائج وبعض الدلالات. ولا شك أن الانتخابات الرئاسية المصرية ستظل لفترة من الزمن موضع نقاش وربما جدل ما بين أنصار التغيير وخصومه، وبين التوجهات السياسية في المجتمع المصري المعاصر. لكن هذه هي طبيعة الديمقراطية وهي التنوع والتعدد والاختلاف في الآراء ولكن لهذا الاختلاف حدود، وهي البعد الوطني والمصالح الوطنية والقومية وسلامة البلاد ووحدة أراضيها التي يقسم عليها كل رئيس. وبعضهم بادر بخيانتها والتعاون مع أعداء الوطن وأعداء القومية العربية خفية وسرّاً وأحياناً علانية؛ لأن الشعب لم يمهله بحسه الوطني التراكمي، ولهذا قال شاعرها المصري جنسية وفكراً ولغة على رغم أصوله التركية وهو الشاعر أحمد شوقي بعد أن نفاه الانجليز في ظل احتلالهم مصر إلى اسبانيا

وطني لو شغلت بالخلد عنه

لنازعتني إليه في الخلد نفسي

وقال آخر مؤكدا حب الوطن الذي يعلو على الصغائر والمكاسب

بلادي وإن جارت علي عزيزة

وأهلي وإن ضنوا علي كرام

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4286 - الأحد 01 يونيو 2014م الموافق 03 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً