العدد 4293 - الأحد 08 يونيو 2014م الموافق 10 شعبان 1435هـ

البرلمان... الورطة... أمُّ الوُرَط

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

أمَّة من دون ممارسة وأداء برلماني حقيقيين ستعاني كوارث. وما بعد الكوارث أن تكون لديها ممارسة وأداء «برلماني» هو عبارة عن واجهة، والممارسة فيه تشرّع لمزيد من خنْق الحريات واختطاف إرادة الناس، تحت عناوين صارخة لا تُقدّم إلى الداخل فحسب، بل إلى العالم باعتبار أن الذين يشرّعون لمزيد من تضييق الأفق وإنهائه هم ممن تم اختيارهم وانتخابهم من الشعب والجماهير! «الجماهير»، تلك اليافطة والقميص الذي يرفع بمناسبة ومن دون مناسبة، تبعاً للمصالح المرتجاة، والأهداف المتوخاة!

كل برلمانات العالم في الدول التي تحترم إنسانها عموماً، وتحترم وتضع وزناً لنوّابها، والذين أوصلوهم إلى قبة البرلمان للقيام بدور التشريع ومراقبة أداء الحكومة، ولديها فصل للسلطات خصوصاً، تعمل على تجنيب أوطانها «عسْكرة» دولها، وأول ما تحرص عليه وتجهد فيه هو تعميق الحريات وصون الكرامات والحقوق، والعمل على تطوير التشريعات التي تحفظ للأمة توازنها واستقرارها. حتى في بعض الدول ذات التجارب الناقصة، ولا تنعم بموارد، وتكاد تكون على الهامش من الأثر بين دول العالم، لا تتورَّط في صيغ «ديمقراطية» برّانية وهشَّة يسهل كشف أدائها وصِفْر إنجازها، وخصوصاً أنها تعاني من أحد مصادر سخط الناس وتذمّرهم، وربما تمرّدهم بسبب نقص الموارد تلك؛ سواء لأسباب طبيعية، أو لأن جيوشاً من المتمصلحين والفاسدين سيجعلونها في عوز دائم ولو نامت على بحيرات وكنوز من الثروات.

وفي الحديث عن الحريّات التي تتآكل بهذه الصورة التي نشهد، واللهاث وراء استعجال القوانين المقيّدة والمنتهكة للحريات، سيبدو أمر إقرار مثل تلك القوانين، من دون وجود مجلس بتلك المواصفات «الخارقة» في الطاعة والإذعان، مُستهجناً أمام العالم؛ وخصوصاً بوجود إعلام وظيفته الوحيدة، وموهبته اللافتة هي التطبيل لكل ما يصدر من تلك القوانين، ولا هامش حرية ولو كان ضئيلاً في التساؤل عن مدى دستوريتها، وقدرتها على الصمود في عصر تتجه في دول العالم إلى إنهاء صداعها وتجنّب الخسارات الناجمة عن مثل ذلك التضييق على الناس في حرياتهم وأرزاقهم، وشيوع آفة التمييز التي تنخر في كل شبْر وزاوية من تلك الأوطان، فكان لابد من إقرار تلك القوانين عبر مجلس هو نفسه لا يريد أن يكون له حول ولا قوة، وهو من تلقاء نفسه يبادر إلى تأصيل وإقرار مثل تلك القيود بالوكالة، وتحت عناوين يبدو أنها ملائمة لمرحلة ليست مستقرة، ولا يُراد لها أن تكون مستقرة، مرة باسم مكافحة الإرهاب، ومرة باسم مناهضة التمييز الذي لا أثر مناهضة له.

معلوم أن «الاستجواب» أداة من أدوات ووسائل الرقابة البرلمانية على أعمال أي حكومة. ما نشهده هنا هو التضييق والتنازل الذاتي عن تلك الأداة، للوصول بها إلى ما يشبه تعطيلها وكأنها لم تكن؛ بالطريقة التي تم إقرار شروط استجواب أي من أعضاء الحكومة بتصويت ثلثي أعضاء المجلس؛ ما يعني مزيداً من الأفق والهامش للحكومة ومنتسبيها، من دون قلق أو أدنى تفكير بأن أداة برلمانية يمكن أن تفعّل وتضع وزيراً ما أمام مسئوليات وتبعات تتعلق بالتجاوزات، وضعف الأداء، وتخلّف الإنجاز، وربما ما هو أكبر من ذلك.

لا يضرّ الشاهد هنا، ولو كان البوْن شاسعاً فيما يُطرح في هذه المقالة، لكنه من باب الوصول إلى ما يشبه المقاربة في أدنى علاماتها، وأبسط مشتركاتها، ولا تقاس التجربة دائماً بالزمن الممتدّ فيها، وخصوصاً إذا كانت عريقة في تجربة لم تقدّم ولا تؤخر، والقشْر هو أحد إنجازاتها، كما أنه لا تقاس التجربة بحداثتها، وخصوصاً إذا عقدت النيات والعمل على إنجاحها والتعلّم من الأخطاء ومحاولة تلافيها وتجاوزها.

التجربة البرلمانية في البحرين بدأت في العام 1973، ولم تكمل عامين بحلول العام 1975، وهنالك دول غربية عرفت التجربة البرلمانية في وقت ليس بعيداً. إسبانيا مثلاً، لم تعرف التجربة البرلمانية إلا بعد وفاة الجنرال فرانكو بعامين؛ أي في العام 1977، ليصدر الدستور في العام 1978 في عهد الملك خوان كارلوس الذي تنحى مؤخراً عن العرش لابنه، على رغم أن إسبانيا عرفت أول دستور لها في العام 1812.

المراد من الشاهد، أن برلماناً لا تمثيل للمعارضة فيه قدّم الأداء المتوقع منه قبل أن تتضح الأمور، وقبل أن تتراكم كقطع الليل يتبع بعضها بعضاً. اليوم، وبعد ثلاث دورات انتخابية، كانت ما دون العجاف، بدليل أن الأمور تزداد سوءاً، باستثناء تجربة يتيمة تم إجهاضها، تناولت أهم وأخطر الملفات المتعلقة بسرقة الأراضي والتلاعب بها، والتي لو استمرت لفتحت ملفات أخرى، ولأنها سبّبت صداعاً يقترب من الورم كان لابد للتجربة أن تختفي - وللأبد - بالذي نعاين ونشهد اليوم!

ألاَّ يكون لديك برلمان فتلك ورطة. أن يكون لديك برلمان بالأداء الذي نشهد فتلك هي أمُّ الوُرَط.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4293 - الأحد 08 يونيو 2014م الموافق 10 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:16 ص

      اخر

      اخر زمن برلمان البحرين سميه بالاخرطى والعبيد هههههههههههههههههههههههههههه

    • زائر 1 | 11:41 م

      هو ما ارادته السلطة

      في التسعينات تم سجننا وقلنا إن البرلمان هو الحل وهو الذي سينقد العباد من كل شيئ ، وحين جاء وجاء النواب الأشاوس صفعنا على وجوهنا بكلتا يديه ، جاء برلمانا كسيح وأعضاء مثل الخاتم في يد السلطة تحركمهم كيف ما تشاء ، ريموت كنترول للحكومة يتساقطون في حضن الحكومة كخشب الشطرنج والدمينو ، تمنيت من الحكومة ولو أن هذا صعب عليها لأنه مساندا لها في كل صغيرة وكبيرة تمنيت من الحكومة الرشيدة أن تلغي هذا البرلمان وتوفر لها مبلغا كبيرا من المال يساعد في بناء بيوت آيلة للسقوط أشرف وأنبل من هذا البرلمان العقيم.

اقرأ ايضاً