العدد 4300 - الأحد 15 يونيو 2014م الموافق 17 شعبان 1435هـ

«فرانكنشتاين» الإرهاب!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في العام 1818، كتبت البريطانية ماري شيلي، قصة «فرانكنشتاين»، وتدور أحداثها حول الطالب فيكتور فرانكنشتاين، بتوصُّله في جامعة ركنسبورغ الألمانية إلى بعث الحياة في المادّة، ويبدأ بإيجاد مخلوق هائل الحجم، وضمن العملية المركّبة والمعقدة، ثمة خطأ يحدث يرتكبه فيكتور، يتحدّد في أن مخلوقه شديد القبح (مسْخ)! وقبل أن تدبَّ الحياة فيه يهرب من مختبر الجامعة.

حين يعود فيكتور إلى المختبر يكون المخلوق قد اختفى. في تداعيات القصة يُقتل أخوه من قبل المسخ، وأقرب البشر إلى الاتهام بارتكاب الجريمة هي الخادمة التي يتم إعدامها.

فيكتور لم يغبْ عنه أن الذي يقف وراء القتل هو المسخ ولا أحد سواه. بطبيعة المخلوقات حين تدبّ فيها الحياة وتنمو تشعر بالوحدة، فيطلب المسخ من فيكتور أن يصنع له امرأة. في السرد يبرّر المسخ فعلة قتل أخيه بأنه لم يقصدها، فقط أراد إسكات صراخه بسبب الرعب الذي انتابه لرؤيته. تستمر الرواية في السرد، بموافقة الطالب فيكتور على صنع امرأة، فيضطر إلى الذهاب إلى سكوتلندا مع صديقه هنري لتحقيق ذلك. الخشية هنا من أن تكون المرأة مسخاً مثل الذي صنعه، وقد ينتج عنهما مسخ شرير، لذلك يعمد إلى تدمير ما بدأه قبل اللحظات النهائية من إتمامه.

في التصاعد الدرامي يعود الطالب فيكتور إلى بلدته ويتزوج، لتكون زوجته ضحية المسخ بقتله إياها ليلة العرس. هنا يموت أب الطالب حزناً على ما عانته العائلة من أهوال، فيقرر فيكتور البحث عن المسخ ليقتله، قاطعاً المسافة في زيارة إلى القطب متتبّعاً الأثر، ولا يتمكن من ذلك، ليموت بعد وقت قصير. يحضر المسخ وقد عاين موت صانعه، يحاول أن يلقي نفسه في نار مشتعلة بسبب شعوره بالعار مما أحدثه. المسخ هنا شعر بالعار والذنب. في المقاربة هنا نحن أمام مسوخ لا شعور من تلك النوعية ينتابها.

القصة تلك تحيلنا إلى «فرانكنشتاين الإرهاب» الذي نشهد، ذلك الذي له صانع وله مغذٍّ ومموّل في سبيل أن يكون أداة لتحقيق مطالب أو مخططات ما، لكن ذلك المسخ يرتدّ على الذين كانوا سبباً في وجوده.

لم يكُ يتخيل أحد أنه بعد أكثر من 196 عاماً من كتابة الرواية، ستُبتلى البشرية بـ «فرانكنشتاينات» بالخيار وليس بالفرض، أو مجرد مزحة، من دون التعلّم من إمكانات ورود الأخطاء التي ستكون قاتلة، من قبل قوى من المفترض أنها متحضّرة، وأخرى هي في العمْق من التخلُّف، إن كان للتخلّف عمق! القوى التي عمدت إلى خلق وإيجاد تلك الكائنات المُدمِرة للبشر وما حولها وما يرتبط بها من منجز إنساني استغرق عقوداً، تأتي عليه تلك المسوخ نسفاً وتدميراً وخراباً!

منذ بدء حركات التحرر التي جنح بعضها في الممارسة من خلال اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن وقتل البعض منهم، مطلع سبعينيات القرن الماضي، لم يختتم إلا بقيام أو تشكيل لأكثر من فرانكنشتاين بشري في شكل مجموعات وتنظيمات، غير مشوّهة في الخلْقة ولكنها مشوهة في الروح وتزييف وتحريف القيم، لتحتاج تلك المخلوقات فقط لأقل من عقدين مُفاجِئةً العالم بالتوابيت الطائرة التي تقلّ مئات الركاب إلى مقاصدهم، ليكونوا رهائن في يد تلك المخلوقات، في واحدة من أكبر جرائم شواء اللحم البشري على ارتفاع آلاف الأقدام، الذي استقرّ في برجين يوم 11 سبتمبر 2001، وما أعقبه من حوادث وفظائع هزّت كل ذي ضمير.

فرانكنشتاين ذي الصبغة والطابع والتعهّد الدولي، ومن بعدها أو قبلها الإقليمي، تعدّدت أشكاله ومسمياته، من «القاعدة»، «داعش»، «النصرة»، «بوكو حرام»، «التكفير والهجرة»، «الجهادية السلفية»، وغيرها.

لا نحتاج إلى الدخول في افتراض أشكال الحياة فيما لو قُدّر وتمكّنت مثل تلك التنظيمات، ومن بينها ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من إحْكام سيطرتها على العراق وإتباع ذلك بتنفيذ تهديد دول إقليمية سمّاها «داعش» خصوصاً، ولم يكتفِ بالتلميح. من المؤكد أنها لن تكون حياة مع كائنات قادمة من عصور ما قبل الكهوف وما قبل اكتشاف النار!

نحن اليوم إزاء فرانكنشتاين يتمثل في الإرهاب الذي بدأ بالانقضاض على البشر ومُنجزهم، وصولاً إلى الانقضاض على الخرائط وإعادة رسمها وتحويلها إلى إمارات وولايات فيها يُعاد تركيب ذهنيات البشر بالغصب والقسر، وفيها يتم الانفصال عن الحاضر وإلغاء المستقبل، واستدعاء تاريخ مشحون بالكراهية والتشوّه والمصادرة والاستئثار، مع فارق أن فرانكنشتاين الذي نعاصره يحيا ويتنفس ويتحدّث ويفكّر ويُملي ويمارس كل ما يمارسه باسم الله الواحد الأحد!

كم من الأخطاء القاتلة التي ارتكبت في مختبرات صنع تلك «الفرانكنشتاينات»، فيما واحد منها يكفي لزعزعة استقرار هذا الكوكب؟!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4300 - الأحد 15 يونيو 2014م الموافق 17 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:49 ص

      مقال رائع

      ليس كل من نطق وكان في هيئة البشر هو الانسان بعض البشر داخلهم اشباة مسوخات لا رحمه في قلوبهم بعضهم شبه ثعالب ويعضهم شبه ذئاب وبغضهم حردان

    • زائر 3 | 7:34 ص

      رائع!

      مقال رائع سيدي و تشبيه مناسب جداً. الآنسة شيلي كانت تحذر من الجانب السيئ من العلم و ها نحن اليوم امام الجانب السيئ من مطاردة المصالح قصيرة الإمد بدون عقلانية.
      أحسنت سيدي

    • زائر 1 | 11:27 م

      الاصلي له احساس

      ان فرانكنشتاينات العصر الحديث اكثر قباحة من الاصلي لا ويعتقدون انهم من اهل الجنة بعد ..بعضهم يلقي نفسه في النار ليفطر مع رسول الله وبعضهم فقط يحرض الاخر على السباق للفوز بالجنة والافطار مع رسول الله وهؤلاء تراهم من اصحاب الاموال الذين يعرفون نهايتهم نهاية فرانكنشتاين الاصلي نار تتشتعل في اجسادهم فلا جنة ولا حتى افطار

اقرأ ايضاً