العدد 4321 - الأحد 06 يوليو 2014م الموافق 08 رمضان 1435هـ

حين تتحوَّل الأخطاء إلى خريطة طريق

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في الحياة عموماً، وفي السياسة خصوصاً، يصبح عدم الاعتراف بالأخطاء منهج عمل وأسلوباً يظل يتكرّس في الحياة والممارسة. عدم الاعتراف بالأخطاء فيه تقرير لصحتها. اعتبارها صحيح موقف. تصبح الأخطاء مع إدمانها واعتياد إتيانها خريطة طريق في الاستقرار - إن حدث - وفي الاضطراب وهو الغالب في بيئة وجماعات وكيانات تهتدي بهديها - إن كان لها هدْي.

هذا الاضطراب في العالم اليوم. في علاقات البشر في ما بينهم. في السياسات المتخبطة لبعض الدول. في كيانات الشر والإرهاب التي تطلع من الأرض كالفِطْر. في انهيار الاقتصادات. في المجون الذي يكاد يكون علامة مُسجّلة يمكن رؤيتها من الكواكب الأخرى. هذا الاضمحلال في الإنسانية، وشيوع التوحّش. هذه القلاقل التي يتبع بعضها بعضاً من دون شعور بالإنهاك والملل والاستنزاف. كل ذلك نتاج أخطاء لم تجد طريقها للتصحيح؛ بل على العكس من ذلك، وجدت الطرق أمامها مشرعة لتتمدد وتتطاول وتتجذّر وتقَّر في الوعي وديمومة الممارسة.

ومن المفترض أن تكون الأخطاء ضمن التاريخ، فرصة لتجاوزها والتعلم منها، والعمل على تفاديها وعدم تكرارها؛ لكنها - عربياً - هي جزء من حركة الحاضر. الحاضر المكتنز بالأخطاء ذلك الذي يتوهم أصحابه بأنهم حجزوا مقاعدهم بها للدخول إلى المستقبل. فيما أول شروط الدخول إلى المستقبل انتفاء سجلّ من يريدون دخوله من الأخطاء؛ أو على أقل تقدير ألاّ تغلب الأخطاء على السيرة. المستقبل لا يمنح فرصة لدور ثانٍ وثالث ساعة الدخول إليه. هناك تتركز مهمة المنتسبين إليه في إشاعة المبهر والمذهل والصائب ما وسع الاجتهاد؛ لأن المستقبل عينه: اجتهاد والأخطاء في الاجتهاد ليست من ذلك النوع الذي ينام عليه بعض ويطمئن إليه. الأخطاء في الاجتهاد حافز لتعميق النظر، والبحث عن طرق استنارة تفضي إلى إنجاز... كشف... إضاءة تراكم ما اهتدى إليه أبناء المستقبل؛ أولئك الذين تجاوزوا حاضرهم، واستجْلَوا ماضيهم من دون أن يتنكروا لهما؛ انشداداً لشروط وجودهم في المستقبل وما يتطلبه من استحقاقات.

في محصّلة ما؛ أو هكذا يبدو الأمر: كأن بشر هذا الجزء من العالم من أوفى البشر لأخطائهم. البشر في ما نعني: الذين يسيّرون شئون الناس بسياسات هي رجْع صدى لأخطاء التاريخ. كأن الدرس لم يمر عليهم. كأن الذين صنعوا المآسي والكوارث يأخذون بأيديهم إلى النعيم لا إلى الشقاء. تعجّلَ حضوره أم أبطأ، فلاشك أنه صائر يوماً في التفاصيل من حياتهم تلك. وفوق هذا وذاك، ثمة تابعون ممن هم رهن تسيير تلك السياسات. رهن نسخ والثناء على تولّد تلك الأخطاء وتناسلها. لا يجدون حرجاً في الممالأة والتنطع لهم ولها (الأخطاء). هو نفسه التاريخ الذي يحظى بقداسة كما القداسة لدى الآلهة الأرضيين! لا يهم كم من الكوارث والأخطاء فيه مادامت فيه بطولات عابرة، ومُلْك تقوّم بالسيف وجبال من الجثث والجماجم!

تلك أخطاء لا تُرى؛ بدليل تكرارها كأنها لم تكن شريطاً من زمن وذكرى سطّرتها الأسفار ولم تأت من خيال سرد وموهبة شائعةٍ في انتشارها. الدرس من كل ذلك غائب ومغيّب. كأن لم تكتنف ذلك التاريخ فظاعات لا أخطاء فحسب. كأن لم يرجع بشر ذلك التاريخ بالحياة والإنسان والقيم إلى أحط منازلها، والدَرَك الأسفل من قيمتها.

يورد الرحالة والمؤرخ علي بن الحسين المسعودي في الجزء الرابع من «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: «ذكر المنقري، قال: سئل بعض شيوخ بني أمية ومحصّليها عُقيب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: ما كان سبب زوال ملككم؟ فقال: إنّا شغلنا بلذّاتنا عن تفقّد ما كان تفقّده يلزمنا، فظلمنا رعيتنا، فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة منا، وتُحومل على أهل خراجنا، فتخلّوا عنا، وخربت ضياعنا، فخلتْ بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا، فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أموراً دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا، فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا فتظافروا معهم على حربنا، وطلبَنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الأخبار عنا من أوْكد أسباب زوال ملكنا».

والأخطاء والفظاعات نفسها ارتكبها العباسيون بل تجاوزوها ومن جاء بعدهم تعدّوها بمراحل. كأنه ماراثون على من يحرز السبق في كل الفظاعات والأخطاء تلك، وإلى يومنا هذا!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4321 - الأحد 06 يوليو 2014م الموافق 08 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً