العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ

كي لا يغرق الأكراد من قارب «البرزانية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأكراد شعب عظيم. هم كذلك رغم اهتزاز صورة عديد من قادته السياسيين بسبب ما يُقال عن قضايا فساد. كما أن الكرد أصحاب حرب وبأس. لَحِقَهم حَيْفٌ شديد في غير مكان وزمان. وربما كان الأجلى من كل ذلك ما حَلَّ بهم في مدينة حلبجة يومَيْ 16 – 17 مارس/ آذار 1988، عندما تعرّضوا لقصف بالسلاح الكيماوي راح ضحيته 7000 إنسان.

وكعادة السياسيين، فقد أفقدت الظروف القاسية، وميدان السياسة الصعب بعض قادة الأكراد بوصلة الطريق «الأسلم» لشعبهم منذ منتصف القرن الماضي. ففي يناير/ كانون الثاني 1946، أعلن قاضي محمد رسمياً عن تأسيس جمهورية مهاباد الكردستانية جنوب بحيرة أرومية في الغرب الإيراني. بعد أحَدَ عشر شهراً جاءت قوات الشاه محمد رضا بهلوي ودمَّرت هذه الجمهورية عن بكرة أبيها.

وبسبب الظروف ذاتها، وطمعاً في الظفر بصديق كيفما اتفق، أخطأ سياسيو الأكراد مرةً أخرى عندما نسجوا علاقات متينة مع «إسرائيل» في أوج قوة المد القومي العربي. عصمت شريف فانلي زار «إسرائيل» والتقى برئيس وزرائها ليفي أشكول، وبرجل الموساد القوي حينها شمعون بيريز. واتفق الجانبان على أن تُعيِّن «إسرائيل» ممثلاً دائماً لها في كردستان. حَنَقَ العرب على الأكراد بسبب ذلك، وبدأت بينهم خصومة وعِداء كبيران.

في السبعينيات أعاد الأكراد علاقاتهم مع الشاه الذي كان يريد استخدامهم كبندقية مستأجَرة ضد البعثيين في العراق، ثم تخلّى عنهم بعد اتفاقه الشهير مع بغداد حول الشط. ورغم الدم الذي سُفِحَ لهم في حلبجة، لجأ مسعود برزاني إلى صدام حسين العام 1996 كي يساعده لدحر قوات «أخيه» جلال طالباني من مدينة أربيل وهو ما حصل.

اليوم، يعيد الأكراد ارتكاب خطأ جديد. فقد انبرى مسعود برزاني نحو خطوةٍ قد تجلب متاعب لشعبه، وهي الاستفتاء/ الاستقلال، بعد استيلاء قوات البيشمركة على مدينة كركوك عقب هروب الجيش العراقي منها. الخطير في الأمر أن ذلك المشروع يجعل الأكراد في قِبالة أربع دول: العراق وتركيا وإيران وسورية.

نعم العراق قد يكون مُتعَباً وكذلك الحال بالنسبة لسورية، لكنهما قد يتعافيان وتستعر فيهما قومية هاجعة. وقد تبدأ تحالفات «عربية» جديدة في العراق بين متنافرين «ومع إيران أيضاً» في مواجهة فكرة الاستقلال «الكردي» في الشمال وتقسيم البلاد. هذا الأمر وارد بقوة.

وربما سيزيد من تنامي ذلك الشعور القومي العربي ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما قال علناً: «إننا بحاجة إلى دعم التطلعات الكردية من أجل الاستقلال. إنهم يستحقون ذلك، هناك تغيرات تاريخية تحدث في جميع أنحاء المنطقة، وهي ذات تداعيات مهمة للأمن الإسرائيلي ولأمن العالم. لقد وصلت اتفاقية سايكس - بيكو التي شكلت حدود منطقتنا منذ ما يقرب من مئة عام إلى نهايتها».

بالنسبة لتركيا التي تستورد الغاز من كردستان، فسوف يبقى خوفها من 15 مليون كردي في بطنها أكثر على أمنها القومي من مصلحة اقتصادية يمكن تعويضها من بائعين جدد. وبعدما أصبحت المناطق الوسطى من مياه نهري دجلة والفرات، وآبار النفط الرئيسية في كل من العراق وسورية والعراق محل قلق بسيطرة «داعش» عليها، بات الأمن التركي أمام تحدٍ خطير لا يطمئن كثيراً للجُدُر الكردية الرخوة، التي يُروَّج أنها ستحميه.

أما إيران فلها حكاية خاصة. فهي الأقدر على اتخاذ إجراءات عقابية ضد الدولة الكردية المرتقَبة. وقد صرحت طهران قبل أيام بأنها ستُقفل «كل المعابر بين البلدين (حاج عمران وبرويز خان وباشماخ) وبدعم أي فريق يواجه هذا المشروع». وعندما تقول طهران هذا الكلام فإنها تعني تَيبِيْس كردستان من السلع والخدمات والدورة الاقتصادية، ثم الإخلال ببنيته الأمنية عبر دعم أطراف مسلحة مناهضة لمشروع الدولة الكردية.

كما أن الإيرانيين لديهم علاقات خاصة مع جلال طالباني وخصوم برزاني، وهو ما يعني أنها ستلجأ للعب على التناقضات الكردية، خصوصاً بعد تراجع نفوذ برزاني في الانتخابات الأخيرة لصالح معارضيه. وقبل فترة زار السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر السليمانية والتقى برهم صالح ونجل طالباني وزوجته، ومحافظ كركوك، لحثهم على الاعتراض على فكرة الاستفتاء/ الاستقلال. فإيران أيضاً تخشى من 5 ملايين كردي لديها، قد تُثار لديهم النزعة القومية نحو الاستقلال عبر راية حزب «بيجاك».

إذاً، الأكراد يواجهون إقليماً ينظر بريبة لفكرة استقلالهم. كما أن الدول الكبرى يمكن أن تطرح عليهم استفهاماً محدداً حول مسألة الحدود والمصالح الدولية. فـ 600 أقلية في هذا العالم يُمكن أن تفضي إلى نشوء 100 دولة قومية جديدة كما يقول العارفون. هذا الأمر يحتاج إلى إعادة تفسير للسياسات الدولية المتبعة ولطبيعة المصالح الناظِمة لها.

كما لا يمكن تحاشي افتراض أن هناك خطر اندلاع صراع عرقي ومذهبي دموي داخل الدولة الكردية المرتقَبة، كما حدث في دولة جنوب السودان بين النوير والدنكا، أو في تيمور الشرقية بين الأعراق المتخاصمة في شرق البلاد وغربها. فالأكراد كشعوب تنطوي على العديد من القبائل والعشائر المتمددة على غير منطقة في آسيا، كالحركي والوزازا الدملي/ الفيكا، والهورامي، والسارلي، والباجلاني، والشبك، والشكاكي، فضلاً عن وجود موزاييك ديني، حيث المسيحيون والأزيديون بالإضافة إلى شيعة فيليين وسُّنة بمدارس مختلفة بما فيها الصوفية والسلفية.

كل هذه محذورات لا يمكن للساسة الأكراد أن يتغاضوا عنها. ومن الظلم أن يُزَجّ الشعب الكردي في مشروع دولة ليست لها ظروف مهيأة سوى حقول كركوك النفطية، وبالتالي لا مقومات للبقاء.

نعم، الأكراد هم أكبر الأقليات في العالم، ومن حقهم أن ينعموا باستقرار سياسي والسير نحو مستقبل لأجيالهم، ولكن ليس عبر التحليق بطائرة من ورق كما سماها أحد الكُتَّاب.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:03 ص

      منذ يومين

      منذ يومين او ثلاثه ذهب مساعد امين عام الامن القومي الايراني الى اربيل واجتمع مع البرزاني بعد عودة البرزاني من تركيا والضاهر انه حصل له فركه اذن عدله .وفي اليوم التالي للاجتماع تسربت انباء عن تراجع البرزاني عن حلمه في الدوله الكرديه

    • زائر 5 | 5:24 ص

      لم يحصل الاكراد

      على حقوقهم في العراق الا حينما شارك الشيعة في الحكم ولنا في حكومة المالكي وفي عبد الكريم قاسم خير مثال فهو الذي جاء بالملا مصطفى البرزاني من الاتحاد السوفياتي مكرما معززا و وصل عن طريق البصرة بباخرة واستقبلته العشائر بالأهازيج والافراح ولم يصل الى بغداد الا بصعوبة لكثرة مستقبليه من أبناء الجنوب وقال فيه الجواهري قصيدته العصماء . روحي لكردستان تهدى والدم . وافتى السيد محسن الحكيم رض بحرمة الدم الكوردي ولم يفت أي شيخ من ملته بمثل هذه الفتوى وها هو مسعود يرد الجميل بالنكران .
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 3 | 4:32 ص

      التجربه التاريخية

      من الملاحظ يان منطقة الشرق الأوسط التاريخية قبل التاريخ وقبل الجغرافية وفبل البشرية لم تنهي حتى تاريخه مرحلة الانسانية فنحن ننتظر ان نكون بشر

    • زائر 4 زائر 3 | 5:13 ص

      وش كاتب انت ؟

      تتكلم عربي ؟

    • زائر 2 | 2:52 ص

      بداية الصراع

      لقد بدأ الخلاف والصراع بين الاكراد والعشائر السنية في كركوك منذ ايام

    • زائر 1 | 10:27 م

      رجاء

      ابعثوا المقال بالبريد المسجل الي اردوغان. لربما يتجه الي الطريق الصحيح بعد فقدانه البوصلة.

اقرأ ايضاً