العدد 4338 - الأربعاء 23 يوليو 2014م الموافق 25 رمضان 1435هـ

قلاقل الدول مثل الغول كي لا تنتهي الوصاية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

من المفاضلات القبيحة لدى بعض الساسة في موقف تبريري وتحصيني للواقع في دولهم؛ وخصوصاً مع وجود الاضطرابات والقلاقل والمواقف الاحتجاجية في بعض الدول القريبة والبعيدة، أن وجود الطاغية والاستبداد في تلك الدول وفّر لها الاستقرار ونوعاً من الرخاء الذي تفتقده بعد سقوط الاستبداد ورموزه فيها.

و»الذئب لا يهرول عبثاً»، مثل ذلك الترويج وتكرار تمريره في المؤتمرات الصحافية واللقاءات الإعلامية، وحتى البرامج؛ والدينية منها خصوصاً، بسبب أو من دون سبب، يريد تكريس حال الاستبداد القائم في تلك الدول، ولا يُراد بذلك الالتفات إلى سنن التغيير التي تطول حتى الأشياء، ولا يُراد لها أن تنسحب على أمم بعينها!

تثير مثل تلك المفاضلات تزويراً للوعي ولعباً على المتغيرات التي تطرأ على الأمم، والاستقرار والرخاء اللذان يتم الترويج لهما؛ والتهديد بخطر زوالهما في حال عقدت أمة عزمها على التغيير ووضع حد لحال الارتهان والاختطاف لإرادتها، هما في حقيقة الأمر «استقرار الغصْب»؛ تماماً مثل استقرار رهينة وهدوئها والسلاح مصوّب إلى رأسها، مع فارق أن «أجهزة الأمن» و»رصْد الأنفاس» تقوم بتلك المهمة مرة عن قرب وأخرى عن بعد!

وللرخاء الذي «صدّعوا» رؤوسنا به حكاية أخرى. إنه رخاء الممسكين بمقاليد الأمور و«فتات الرخاء» للتبع لهم والممالئين والقانعين بفضلات الموائد؛ أو حتى أولئك الذين لهم نصيب فيها وهم في حال تطابق تام في الأهداف والمشايعة لما يحدث!

تبرز مثل تلك المفاضلات مع كل حراك، لا يستهدف إلا تجنيب الأوطان والبشر السقوط والاستدراج إلى ما بعد الكارثة والتشرذم وتحول الأوطان إلى أطلال بعد أن تحول بشرها إلى أشباح.

وبمسح بسيط وشبه عابر لكل الثورات والتحولات التي طالت الأمم والشعوب؛ لن نقف على مثالية تعقب ذلك. لكل تحول ثمن ولكل متغيرات ضرائب تُدفَع في سبيل الدخول إلى سياق المجتمعات البشرية التي تريد أن تكون مستقرة، وتلتفت إلى ما تأجل من مشروعاتها وخططها للإنسان؛ قبل أن تكون مشروعات وخططاً تمس ظاهر المدن وبنيتها التحتية؛ فيما الإنسان يعيش الضياع وبنيته الوجودية مترهلة ومتآكلة!

لم تمضِ على بعض الحراكات والتحولات في بعض الدول شهور، وبعضها سنوات هي أقل من أصابع اليد الواحدة؛ ويُراد لها إما أن تكون عرضة للتشفي وضرب المثل بالخيبة؛ وإما العودة بها إلى عصور الاستبداد التي ألغت آدميتها ومن دون دم كي لا نقول «بدم بارد»!

وفي تغافل أو صرف النظر عن حقيقة الاضطرابات والقلاقل التي تعقب مثل تلك التحولات؛ لإبعاد شُبَه صناعة على قدم وساق تضخ فيها الأموال لحدوث مثل تلك الاضطرابات والقلاقل خوفاً من امتداد الاستقرار الحقيقي في تلك الدول بقيام القانون بدوره ومسئولياته، ودخول المواطن شريكاً في العملية من ألِفِها إلى يائها، من دون أدنى تهميش له لاعتبارات اللون أو المذهب أو الدين أو الفكر.

وهناك تناسٍ أيضاً لحقيقة أن الذين يمارسون الاضطراب والقلاقل في درجاتهما الخارجة عن العقل والمنطق والأخلاق، وبعيداً عن حقيقة المطالب الرئيسة والمشروعة؛ وهي أن أولئك لهم تاريخ من الحاضنات والتبنّي والتمويل والمؤازرة في يوم ما من تاريخهم؛ ووجدوا مع قوة عُودهم، واختبارهم للمواجهات التي خاضوها خارج حدودهم، شهادة كفاءة يديرون بها أوضاع أوطانهم حين تقرب ساعات الصفر؛ أو انتظاراً لقطف الثمار بعد أن تجهد الغالبية لتحقيق خياراتها، وتدفع ثمن ذلك دماء وأموالاً ومصادرة للحريات.

اليوم نحن أمام مكنة إعلامية تخصص لها موازنات مفتوحة. نحن أمام أجهزة أمنية تمت مضاعفة صلاحيات القيام بمهامها، ولا نحتاج إلى تبيان معنى مضاعفة الصلاحيات تلك للحيلولة دون أية تحولات أو متغيرات هي من طبيعة السنن التي لا يمكن لأي قوة في العالم أن تحول دون وقوعها. كل ذلك من أجل التذكير بالمثل الذي يضرب توظيفاً لواقع قائم في الداخل، من شيوع الفتن والقلاقل في دول قربت أو بعدت، متناسين أن أخطر الفتن تلك التي تستنزف موارد الأمة في سبيل ألاّ يكون للإنسان أدنى قيمة، ولا يحق له أن يتطلع إلى تغيير وضعه البائس والمزري، ومن ثم التحرك لتجاوزه وصنع واقع هو على النقيض منه.

إنه الغول الذي يتم به تخويف الأطفال كي يبكّروا في نومهم. الأطفال الذين لم ولن يكبروا ولو بلغوا أرذل العمر؛ بفعل وصاية تستنزف الموارد في سبيل تأبيدها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4338 - الأربعاء 23 يوليو 2014م الموافق 25 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:21 ص

      المختار الثقفي

      اعتقد ان اكبر غول معارض للشعوب والامل في تحررها هم وعاظ السلاطين (كما عبر عنهم الدكتور على الوردي) المتلبسين بالدين والدين من براء.. ابحث عن كل موبقة يرتكبها حاكم بحق شعبه وكل ظلم يجرى على مغضوب عليه بعيد كل البعد عن قصور الخلفاء والامراء فستجد ان وراء ذلك موعظة لرجل متلبس بالدين نسى أو عمى عن نصح الحاكم الجائر إما خوفا منه او طعما في مزيد من الاعطيات وتوجه بعظاته إلى الشعب العاري الذي بالكاد يسد رمقه في آخر النهار...

اقرأ ايضاً