العدد 4340 - الجمعة 25 يوليو 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ

«استتابة» من يدّعي كتابة الشعر!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا أكاديمية في الدنيا ستخرّج شاعراً. مثل تلك الأكاديميات إن وجدت لن تجد فيها إلا المناهج والنظريات، وما يشبه رصْف الطُوب بعضه فوق بعض. ستتخرّج من تلك الأكاديمية ربما بنّاءً، ولا عيب في ذلك، العيب في أن تتنكّر للبنّاء فيك، وتصرّ على أنك شاعر، بشهادة مختومة من تلك الأكاديمية!

جزء كبير من المادة الخام للشعر ستجدها في الشارع. في الأزقة المُهملة. بملاحظة ومجاورة الناس البسطاء الذين ربما لم يتعلّموا الضغط على زر إشارة العبور إلى خطوط المشاة. الشعر في المنسيّ والمُحتقر والمُهمل. الأكاديميات خلاف ذلك.

ولأن الشعر لا يؤمن ولا يلتفت إلى الشرط، ولا يلتفت إلى القوالب والمناهج، ولأنه حالة، فلن تستطيع تلك الأكاديميات أن تقبض على مثل تلك الحالة. تلك الحالة هناك. في قدرة بشر على أن يكونوا يقظين ومتأملين ونهمين إلى أن يكون الجَمال شائعاً في العالم من حولهم. ترتيب أولويات العالم بالشعر تتأتّى من قدرته على الخروج من الوصفات الجاهزة التي تُحضّر له؛ لأن في ذلك إفساداً للمدى الذي وجد فيه ومن أجله. ولم يفسد الحياة إلا مثل تلك الوصفات التي جيّرتنا وجعلت منا عناصر في تركيبتها. ذلك هو دورنا وكفى!

***

الشعر نبوّة غير مُعترف بها وخارج التغطية. نبوّة بمعنى قدرة الشعر على قراءة المستقبل، ولا يعني ذلك قراءة الطالع وقراءة الفنجان، واللعب بالبيضة والحجر! الأمم الشاعرة، أمة متصالحة مع الحياة، وقادرة على منح قيمتها وجمالياتها إلى الذين حرموا منها، وفي ذلك تبشير جميل. وهو ما يقوم به الشعر الملفت اليوم في العالم. التبشير بجماليات وسط كل هذا الكمّ المفزع من القبح. التبشير بقيمِ أن تكون إنساناً أولاً قبل أن تكون سليل عائلة تجارية أو صناعية أو ملكية، أو حتى سليل عائلة لم تنل حظها من هذا العالم إلا في القسط المعهود لكل البشر من هواء وشمس!

والذين يصرّون على كتابة الشعر بأي ثمن، هم ضحايا أنفسهم أولاً بتلك الكذبة الكبرى، ومن بعدها الناس. الناس ضحاياهم الكُثُر. أولئك الذين ربما لا يجدون وقتاً للإنصات للشعر في أبهى صوره، سيُضطرهم أولئك لسماع ما يغريهم ربما على مغادرة هذا العالم.

***

تستطيع اليوم أن تجامل في مضمون وأسلوب خطاب، وتستطيع أن تجامل في إعلان تجاري، وتستطيع أن تتذاكى على لوحة فنية لم تستوعب منها شيئاً وتبرز مجاملتك لصاحبها، ولكنك لن تستطيع أن تجامل في الشعر، ولو فعلت فأنت متواطئ وتعاني من مشكلة كبرى، لا تتعلق بالذوق، بل هي مشكلة أخلاقية بالدرجة الأولى!

تحضرني حساسية صديق ذات هجْرة، حين طالبَ في جلسة جانبية لمنتدىً عقد بإمارة الشارقة، الذين يتجرّأون على نشر ما يعتقدونه شعراً - وهو ليس كذلك - بالتوبة! وأن تتم استتابتهم! وإن لم يفعلوا لا بأس في جلْدهم في أتفه ميدان حتى يتوبوا ويثوبوا إلى رشدهم! راقت لي الفكرة، لكنه هنا يعيد لنا «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في صيغة أخرى لا تتسق والجماليات التي يبشّر بها الشعر، ولا جمالية في الجلْد!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4340 - الجمعة 25 يوليو 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً