العدد 4340 - الجمعة 25 يوليو 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ

صعوبة الدولة البسيطة!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل فترة، صَدَرَ كتاب حَمَلَ عنوان «الدول الفيدرالية في العالم... دراسة في النظام السياسي» للدكتور باسم علي خريسان. ورغم الاختلاف مع الكاتب على مسألة الفيدرالية، إلاَّ أن ذلك لا يمنع كون الكتاب محاولة بحثية من المؤلف للانتصار إلى فكرة الفيدرالية، بتعريجه على العديد من نماذج الفدرلة لدول مستقرة تتبع ذلك النظام.

الكتاب يقع في 218 صفحة من الحجم المتوسط ويضم ستة فصول، تحوي كلها 28 من العناوين المتفرقة. وقد استعان الباحث بـ 103 من المصادر المختلطة ما بين عربية وأجنبية، تناولت بحث نماذج دستورية من آسيا واستراليا وأوروبا وإفريقيا والأميركيتين.

ورغم أن نسبة رأي الباحث في الكتاب قد تكون شبه غائبة كونه يعتمد على استدعاء تجارب الدول ووصف أحوالها الدستورية دون إبداء وجهة نظره المسترسلة إلاَّ أن السياق البحثي جاء متناسقاً ومفضياً إلى ذات الفكرة المتمركزة حول الفيدرالية. وهي في مجموعها تعطي انطباعاً للقارئ بهشاشة الدولة البسيطة والمركزية التي سماها الباحث لصالح الدولة المتفدرلة.

يعتقد الباحث بأن الدولة تتطور كما يتطور أي شيء في هذه الحياة. وهي أيضاً عرضة لعوامل «التغيّر والتغيير الداخلي والخارجي» التي تجعلها مضطرة لأن تحاكي تلك التغييرات، وبالتالي لإجابات دستورية وتلبية حاجات الناس والجماعات. ومن ضمن تلك التطورات والإجابات الدستورية الملحة هي المسألة التنظيمية للدولة وشكلها.

كما يرى الباحث أن صيغة الدولة الفيدرالية قد تكون أكثر عدلاً للناس فيما خصّ توزيع الثروات وإقرار الحقوق، مع خلق ثقة متبادلة بين المكونات الديمغرافية. وهو في سبيل الانتصار إلى الفكرة يطرح نموذج الولايات المتحدة الأميركية كأكبر قوة في العالم وكيف أنها دولة فيدرالية، وبالتالي لم تنتقص الفدرلة من قوتها ولا هيبتها.

أيضاً يستعرض الكاتب تجربة النظام السياسي الكندي كحالة مُركَّبة. وهو وكما في الحالة الأميركية، يتحدث عن الأحزاب وتمويلها والنظام الانتخابي والمؤسسات السياسية كالتنفيذ والتشريع والقضاء. وهو بذلك، يقدم نموذجاً لواحدة من «مجموعة الدول الصناعية السبع ومجموعة الثماني ومجموعة العشرين وحلف شمال الأطلسي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية ودول الكومنولث والفرانكفونية ومنظمة الدول الأميركية والإبيك» وفدرلتها أيضاً لم تنتقص من قوتها.

يستمر الباحث في استعراض التجارب: السويسرية والألمانية والبلجيكية والنمساوية والإسبانية والبوسنية والبرازيلية والأرجنتينية والفنزويلية والأسترالية والماكرونيزية والنيجيرية والأثيوبية والمدغشقرية والكوموريوسية والهندية والباكستانية والماليزية والمالديفية والإماراتية والروسية وأخيراً العراقية كآخر نموذج في البحث.

ورغم أن الكتاب قد خلا من خاتمة تؤكد على النموذج أو تنفيه من خلال تدوين الباحث لرأيه، إلاّ أن السياق يَشِي بأن البحث ينتصر إلى غير الدول المركزية. والحقيقة، أن مناقشة الكتاب وسياقه تحتاج إلى تفصيل يمكن طرحه بعمق وبأكثر من مقال، لكن الأهم من كل ذلك هو ضرورة الحديث عن موضوع الهوية، الذي يعتبر الرابط الأساس بين الشعوب.

وقد أشار أمارتيا سين في كتابه العميق «الهوية والعنف.. وهْمُ القَدَر»، إلى أن «التجزيء الحضاري أو الديني لسكان العالم يؤدي إلى مقاربة انعزالية للهوية الإنسانية، وهي التي تنظر إلى بني الإنسان، بوصفهم أعضاءً في مجموعة واحدة فقط»، وبالتالي إلى ظهور الصراعات الأهلية و»إنماء حس الحتمية بهوية مفردة» كما جرى في العديد من الدول.

نعم، الولايات المتحدة دولة فيدرالية لكن جميع مَنْ قرأوا التاريخ يعلمون أن ظروف تشكلها كان من موزاييك قومي وعرقي وديني مختلف، عندما بدأت الهجرات الأوروبية والأفريقية والآسيوية إليها بشكل أساسي خلال مراحل تشكل الدولة الأميركية، فضلاً عن أشكال الاستعمار المحيط بها وفيها أيضاً، والذي فرض وضعاً محدداً. وكذلك الحال بالنسبة إلى كندا منذ جموح اونتاريو وتبوونزويك ونوفاسكوتشا وكيبك نحو الائتلاف.

أما في عالمنا العربي فمَنْ كان يسمع عن «الفيدرالية» كضرورة عربية قبل احتلال العراق؟ بل ربما لم يكن هذا الموضوع يحظى بمقالة واحدة في صحيفة ما كونه واحداً من العلاجات السياسية البعيدة عن ثقافة المنطقة منذ سنين، إلى الحد الذي جعل اليمن الجنوبي يتخلى عن 336 ألف كم من أراضيه وألفَيْ كم من سواحله ويتَّحِد مع اليمن الشمالي الذي لم تَزد أرضه عن الـ 195 ألف كم.

لكن، ومنذ العام 2005 بدأت بعض النخب العراقية تطرح مثل هذا الموضوع في ظل تكرُّس واقع العراق الاتحادي الذي أوجدته لحظة الاحتلال. ومنذ ذلك الوقت، وهذا الموضوع يُثار كلما زاد القتل في الجنوب أو الوسط أو الشمال العراقي، أو اختنق السياسيون بالتسويات السياسية الهشَّة. ومؤخراً، أعلن الأكراد صراحةً أنهم قد يخطون خطوة أكبر من الفيدرالية وهي الانفصال التام عن العراق بعد هيمنتهم على كركوك.

بالتأكيد، فإن الفيدرالية ليست أمراً طارئاً على الفكر الدستوري العالمي، بل هو أحد أهم صور التسويات التي جعلت من الشعوب الأوروبية تتعايش مع بعضها، بعد خوضها حروباً دينية وسياسية دامت بمجموعها مئتين وثمانين عاماً، جعلت من هذه الدول لأن تعيد مفهوم الهوية ومعالجتها بالطريقة التي لا تخلق توحشاً باتجاه السلطة، وبالتالي ديمومة الحال إلى يومنا هذا مع وجود «113 أقلية قومية أو دينية» داخل الاتحاد الأوربي.

لكن ورغم كل ذلك، لم يكن ذلك الخيار خياراً سحرياً ولا «خيار ضرورة» لدول لم تكن مشاكلها الداخلية هي التي أفضت إلى شعورها بضرورة اللجوء إلى الكَيْ بل إن العوامل الخارجية هي التي سَعَّرت من هيجان الهويات الفرعية التي انْبَجَسَت من الهوية الجامعة المتلاعَب بها. ومن ضمن تلك الصور هي صورة العراق بعد العام 2003.

في المحصلة، القضية أبعد من كونها حالات يمكن إسقاطها بهذه السهولة على الدول. فالموضوع مرتبط بتاريخ وبمشتركات دينية ولغوية واجتماعية غائرة ومترسخة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4340 - الجمعة 25 يوليو 2014م الموافق 27 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً