العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ

اليورانيوم المستنفد في العراق... أين النتائج الحقيقية لدراسة آثاره؟

بعد تأخير دام عقدين كاملين، استجابت منظمة الصحة العالمية وأجرت مع وزارة الصحة العراقية دراسة عن التشوهات الولادية في العراق، لتوضيح حجمها وأنواعها وأسبابها المحتملة وتوفير معلومات أساسية لوضع برنامج وقاية وطني لتحسين صحة الأم والطفل.

لكن المنظمة لم تلتزم بما أعلنته. فإنجاز الدراسة الذي كان مقرراً خلال 18 شهراً استمر ضعفي هذه المدة. وأُجل إعلان النتائج مراراً، ما أثار تخوف علماء وخبراء دوليين من ألا تعلن النتائج الحقيقية للدراسة والأسباب الحقيقية للحالات المدروسة. وفعلاً أعلنت المنظمة حذف اليورانيوم المستنفد بذريعة «أن إقامة صلة بين انتشار العيوب الخلقية والتعرض له تحتاج الى مزيد من البحث من قبل الوكالات والمؤسسات المتخصصة».

وردّاً على التبريرات الواهية، توجه علماء وأطباء وخبراء في الصحة وحقوقيون من عدة دول بمذكرة، وانطلقت حملة تواقيع على شبكة الإنترنت، تطالب بالإفراج عن البيانات والنتائج الحقيقية للدراسة، باعتبار ذلك من حق الضحايا وذويهم. وأعلنت خبيرة السموم البيئية في جامعة ميشيغان الأميركية العالمة مزهجان سافابي: «ثمة أدلة دامغة تربط الأعداد المتزايدة من العيوب الخلقية وحالات الإجهاض بالعمليات العسكرية، أكدتها دراسات علمية سابقة، وكشفها البحث الميداني الذي أجراه فريقنا في العراق، حيث عثر على مادة اليورانيوم المستنفد وملوثات أخرى في شعر آباء الأطفال الذين يعانون من التشوهات الخلقية في مدينة الفلوجة. إن تجاهل الملوثات والعناصر المعدنية مثل اليورانيوم المستنفد هو أمر مثير للقلق».

وأكد كبير خبراء الإشعاع في منظمة الصحة العالمية سابقاً العالم كيث بافرستوك أن «إغفال دور اليورانيوم المستنفد هو تجاهل صارخ». واعتبرت الباحثة كريستين ديلان، مؤلفة كتاب «حرب الخليج: الحرب القذرة النظيفة»، أن «عدم نشر تقرير المنظمة، الذي اشتغلت عليه فترة طويلة، يُعد فضيحة، وخصوصاً أن نتائج الدراسة كشفت وجود تشوهات خلقية وحالات سرطانية لدى الأطفال بشكل متزايد».

وأكد مطلعون أن الدراسة شملت 10800 عائلة من ست محافظات عراقية هي السليمانية وديالى وبغداد وذي قار والبصرة والأنبار التي تضم الفلوجة. ووجدت تشوهات خلقية وسرطانات لدى الأطفال بشكل كبير ومتزايد. بيد أن المنظمة ظلت تماطل أشهراً عديدة، كي لا تكشف بنفسها النقاب عن صلة اليورانيوم المستنفد والفوسفور الأبيض بانتشار تلك الحالات. ولم تتجرأ على إعلان النتائج المزورة، وإنما أوكلت المهمة الى وزارة الصحة العراقية، التي عقدت ما سمته «مؤتمر إطلاق النتائج الأولية لمسح العيوب الولادية»، قدمت خلاله «خلاصة نتائج المسح وإحصائية عن العيوب الولادية في البلاد خلال السنوات الماضية».

لم يذكر ما نشرته الوزارة على موقعها في (11 سبتمبر/ أيلول 2013) أي إحصاءات أو أرقام أو توضيحات. إلا أن ممثل منظمة الصحة العالمية جعفر حسين، زعم أن الدراسة «لم تقدم أي دليل مادي يمكنه أن يشير الى نسب عالية وغير اعتيادية من تشوهات الولادة في العراق. فقد أظهرت نتائج البحث تسجيل 23 حالة تشوه خلقي لكل ألف ولادة حية، ويُعد هذا الرقم ضمن المعدلات الطبيعية المتعارف عليها عالميّاً والبالغة 20 ـ 40 حالة تشوه لكل ألف ولادة. وتبين عدم ظهور أي نمط غير طبيعي في حالات العيوب الولادية للأعوام الـ15 الأخيرة».

لا مجال هنا لمناقشة مزاعم «عدم وجود أدلة» ولا «مصداقية» الأرقام المذكورة واعتبارها «طبيعية»، وهي تزيد على المعدلات الطبيعية في الدول الأوروبية بعشرات المرات. لكننا نشير الى أن حسين نسي ما أعلنه بنفسه قبل أسابيع قلائل، مؤكداً الشكوك بأن تقرير منظمته لن يتطرق الى اليورانيوم المستنفد والفوسفور الأبيض، إذ قال: «ولن يتضمن أيضاً ملوثات مثل الرصاص والزئبق كعوامل متغيرة».

من جهتها، نسيت وزارة الصحة العراقية ما أعلنه مسئول كبير فيها لفضائية «BBC» في (21 مارس/ آذار 2013) قائلاً: «أثبتت جميع الدراسات التي نشرتها وزارة الصحة حتى ذلك الوقت بالأدلة الدامغة زيادة التشوهات الخلقية والسرطان عند الأطفال، وأن التقرير المخبأ لدى المنظمة الدولية كشف التأثير الواسع لاستخدام السلاح السام من جانب قوات الحلفاء على الأجيال المقبلة، وخاصة في المحافظات التي استخدم فيها بشكل أكبر.

كما أظهرت دراسات أخرى أجرتها الدول المسئولة عن هذا التخريب، كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وجود نسب كبيرة من العقم والإجهاض والولادات الميتة».

ونسيت الوزارة أيضاً تأكيدات باحثين فيها: «يشكل الوضع بصدد حالات السرطان والتشوهات الخلقية أزمة كبيرة بالنسبة إلى الجيل المقبل من الأطفال. وهذه الحالات تتزايد، في وقت واحد في ثلاث مناطق، هي نينوى والأنبار والنجف».

هذه وغيرها من معطيات الوزارة تؤكد عدم مصداقية نفي وجود أدلة لانتشار السرطانات والتشوهات الخلقية والإجهاض المتكرر وموت الأجنّة والعقم وتزايدها.

إن اتفاق منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة العراقية على إخفاء الأسباب الحقيقية للحالات المرضية التي انتشرت في العراق عقب الحرب، ما هو إلا تضليل وتستر على جريمة دولية، وتواطؤ مفضوح مع الجاني، وخيانة للواجب المهني والإنساني، ودليل على انعدام المصداقية العلمية.

العدد 4346 - الخميس 31 يوليو 2014م الموافق 04 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً