العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ

روحاني وقلوب الرعب والرعشة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأكيد أن حسن روحاني يسير بإيران باتجاه آخر. إنه موقع جديد في علاقات بلاده بالعالم ومعادلاته الصعبة. وإذا ما عَلِمنا أن وجهته في ذلك هي في تغيير قواعد اللعبة مع الولايات المتحدة الأميركية صاحبة النفوذ القوي، فإن الأمر لا يبدو سهلاً لعدة أسباب:

أولاً: تاريخ الخصام بين الجانبين والذي يمتد إلى أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وما اكتنفته تلك السنوات من صراع سياسي واقتصادي وأمني دموي ألحَقَ ضرراً بالجانبين، وخلق ظروفاً معقدة جعلت من أمر تذويب جليده شيئاً من المستحيل في المراحل السابقة.

ثانياً: تعقيدات التسوية كونها ستتمدد على مناطق حساسة جداً ومختلفة تبدأ من حدود موريتانيا ولغاية الهامش الجنوبي لقارة آسيا، ثم صعوداً نحو روسيا حتى غربها حيث الحدود مع أوروبا.

ثالثاً: تأثير التسوية على علاقة الطرفين بالمتناقضات السياسية والاقتصادية لحلفاء الجانبين، وإيجاد معادلة وازنة تجعل من تلك التسوية أمراً ليس بالضرورة مخالفاً لمنظومة المصالح القائمة، ولكن لا يتعارض معها في الحد الأدنى، وهي مهمة شاقة جداً.

هذه الأسباب هي التي تجعل من التموضع الجديد في العلاقة بين الجانبين أمراً صعباً، ويحتاج إلى مناقشات وتفسيرات مقنعة للأطراف كافة. وربما يعتقد البعض، أن تلك المناقشات هي من حصة الخارج أكثر من الداخل الإيراني لكن الحقيقة هي عكس ذلك.

فالداخل الإيراني قد بُنِيَ وطيلة ثلاثة عقود على عقيدة مضادة في العلاقة مع واشنطن، الأمر الذي أثر بشكل كبير على توجهات بنية الدولة الإيرانية في النواحي الاقتصادية والعسكرية وحتى الحزبية، حيث أفضى إلى إيجاد منظومة مصالح خاصة ومتوالدة.

لذا، فإن المراقبين يلحظون مدى الخلاف القائم في داخل إيران على هذا الأمر، ليس بين الإصلاحيين والمحافظين، بل في داخل اليمين المتشدد نفسه. وقد ظهر هذا الأمر جلياً في خطاب روحاني في اللقاء السنوي مع السفراء والدبلوماسيين الإيرانيين حيث بدا حاداً.

روحاني قال: «بعض الناس يرفعون الشعارات لكنهم جبناء سياسيون، وما أن يكون هناك حديث عن المفاوضات حتى يقولوا إننا نرتعش». وأضاف: «حسنا، إلى الجحيم... اذهبوا والتمسوا مكاناً دافئاً لأنفسكم، فقد ألقى الله في قلوبكم الرعب والرعشة».

وهو في ذلك، يرد على نواب الثالث من مايو الذين أبدوا معارضتهم الشديدة لأية تسوية قد تجري بين طهران وواشنطن. والحقيقة أن ذلك الموقف يعبِّر عن عدم قدرة بعض الأطراف الإيرانية في الداخل على تفكيك المصالح التقليدية القائمة والدخول في مصالح جديدة.

فاستمرار العداء الإيراني الأميركي يعطي هؤلاء فرصة إبقاء معادلة «تأجيل المؤجل وتعليق المعلق»، وبالتالي تسعير الخطاب السياسي بشكل خَشَبِي ووفقاً للعموميات والاستغراق فيها لإبعاد أية فرصة نحو تقييدها ورسم ملامحها بشكل أوضح من ذي قبل.

كما أن عِدَّة وعدد وكلفة ذلك النهج سيتعرض هو الآخر إلى اهتزاز، أو على الأقل إلى إعادة انتشار في السياسة الخارجية والداخلية لإيران، وما يترتب على كل ذلك من تغيير في الموازنات المرصودة، والشركات العاملة فيه والعلاقات الاقتصادية الناظمة له.

هذا الأمر لا يبدو شيئاً عادياً في داخل الدول. لذا، سعى روحاني في سبيل تحقيق اختراق في الجبهة المناكفة له للاستقواء بأهم مراكز النظام السياسي الإيراني وهي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بالإضافة إلى السلطة التشريعية كذلك.

وقد حَظيَ روحاني فعلاً بقدرٍ لا بأس به من ذلك الدعم، حيث ظهر واضحاً موقف المرشد الأعلى خلال لقائه سفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الإيرانية عندما أبدى دعمه «للجهاز الدبلوماسي الإيراني»، واصفاً إياه بأنه «في الجبهة الأمامية للدفاع عن الأهداف والمصالح الوطنية للشعب الإيراني»، وأنه «جيش دبلوماسي منظم للبلاد».

بل إنه قال نصاً: إن المهمة الذي بدأها الدكتور ظريف وزملاؤه وحققت تقدماً جيداً لحد الآن ستتواصل»، ثم أبدى دعمه لكلمة روحاني في محضر الدبلوماسيين رغم قسوته على معارضيه، لكنه وَضَعَ أيضاً محدّدات له، طمعاً في إيجاد توازن داخلي بين الأطراف المتنافرة.

فيما خصّ البرلمان الإيراني فقد قام رئيسه علي لاريجاني بتكوين لوبي نيابي لدعم روحاني بشكل شبه مطلق. بل إنه ذهب أبعد من ذلك عندما قال صراحة: «إن الظروف الاقتصادية في البلاد تتطلب امتلاك دبلوماسية نشطة»، في اعترافٍ منه بصعوبة الأوضاع الاقتصادية.

كما وجَّه رسالة ضمنية للمخالفين لسياسة روحاني من النواب والمحسوبين على تيار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد في البرلمان، عندما قال: «التضامن في داخل البلاد أصبح أفضل من السابق، والروابط بين السلطات الثلاث باتت أكثر انسجاماً»، غمزاً منه للخلافات التي كان يُشعلها نجاد مع السلطتين التشريعية والقضائية.

إذاً، حقق روحاني تقدماً في نيل شرعية الداخل لتحركه بشكلٍ أكثر جرأةً، مع بدء المرحلة المقبلة من المفاوضات والتي ستدشّن بعد الجلسة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي أبدت فيه طهران استعدادها لتقديم تنازلات غير معروفة لحد الآن، بعد أن قال روحاني في تصريح أخير بأن «الفرصة التي وافقنا عليها قابلة للتغيير». وهي عبارة لها معانٍ وتفسيرات متعددة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4361 - الجمعة 15 أغسطس 2014م الموافق 19 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 4:45 ص

      رد على زائر رقم 2

      هذا أمر الله فيه بعد أن استباح حرمة طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف من الرعايا الباكستانيين نكاية بموقف المرجع الديني الشيخ بشير النجفي منه!! لقد تنازل الرجل عندما رأى نفسه بلا صاحب ولا رفيق والا لكان جاثما على صدور العراقيين

    • زائر 7 | 2:53 ص

      ما يهمنا

      المهم لنا نحن العرب أن نعرف ونتعلم من كل الدول في كيفية رعايا مصالحهاوأمنها القومي والايرانيون مدرسه في ذلك وكذا الأتراك فلماذا نحن العرب مطيه للى يسوي واللي ما يسوى هل بسبب غياب الديمقراطيه

    • زائر 6 | 2:12 ص

      هو رجل المرحلة في ايران

      روحاني رجل محنك وهو قادر ان ياخذ ايران الى بر الامان . مقال متزن

    • زائر 5 | 1:30 ص

      بوابة الهند

      كنت أظن ان ايران بلد رجعي لا يعرف شيء عن التطور ولكني ذهلت عندما زرت هذا البلد وشاهدت مجتمعا متطور يأكل ما يزرع ويلبس ويركب ويستخدم كل ما يصنع كل شي صناعه محليه وتظاهي الأوربية من الإبرة الى الأجهزة الذكيه وعرفت ان ايران تستخدم شعرة معاويه للوصول لمبتغاها واستخدام العصى والجزرة فمره رئيس متشدد وأخرى انفتاحي لتخفيف العقوبات وأما نحن العرب عرفنا نتظر لا اكثر ووصلنا ان الرز الهندي أفضله بوابة الهند

    • زائر 4 | 1:20 ص

      هذا الصح

      نعم هذي المقالات السنعة يا بو عبدالله وليس ذلك المقال الذي ظلمت فيه المالكي وجعلته مجرما ظالما

    • زائر 3 | 1:17 ص

      متى تنتهي مشاكل امريكا مع ايران

      حينها سترجع الأمور لحجمها الطبيعي لتلك الدول التي لاتملك الحد الأدنى من الديمقراطية فعليه سيستقر الإقليم على التعاون البيني كما هو بين ايران وسلطنة عمان وتخفف امريكا تغولها في الخليج

    • زائر 2 | 12:51 ص

      نوري المالكي وثقافة أخذ الذي بين عينيك

      لقد شبهة الرجل الشريف بمروان بن الحكم حين قال الى الامام الحسين عليه السلام بايع او اقتلع الذي فيه عيناك(واليوم قد تنحى خوف على قطرة دم عراقيه بسببه وخوف من سليطي اللسان وحفظ كرامته من الامتهان)

اقرأ ايضاً