العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ

تأملات على هامش زيارة للوطن مصر العروبة والإسلام

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

إنني حريص على زيارة مصر كل شهرين أو ثلاثة أشهر على أكثر تقدير، وفي كل زيارةٍ أعود إلى أرض الوطن وإلى الجذور في قرى الصعيد، وقد لمست تغيراً جوهرياً في الشهور الثلاث الماضية حيث بدأ الوعي الديني الصحيح في التبلور، وإن كان لايزال لم ينطلق الوعي الصحيح الفعال لسيطرة التخلف الديني وضعف دور الدعاة ورجال الدين المتنورين في القرى؛ وكذلك ضعف دور المثقفين من الشباب ممن حظوا بتعليم حديث في تفاعلهم مع التراث التقليدي والقبلي لتطويره وفي تفاعلهم مع أبناء الأحياء الشعبية في مصر، حيث زرت مساجد آل البيت النبوي الكرام وفي مقدمتها مساجد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة رضي الله عنهم جميعاً وعليهم السلام، وكانت هذه المساجد هي أحب مساجد الله إلى قلبي بعد الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف.

إن المرء يشعر بسعادةٍ قلبيةٍ وروحيةٍ وطمأنينةٍ بالغة كلما زار هذه المساجد وقرأ الفاتحة على أرواحهم الطاهرة وتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى بهؤلاء الكرام فيدخل الله على قلبه السكينة ويريحه من كل مشاغل الدنيا وهمومها، ولكنني في هذه المرة وجدت ظاهرةً حديثةً، وهي تراجع الاهتمام بهذه المساجد من حيث النظافة والصيانة، رغم أن عادات المصريين في الزيارة لم تتغيّر، وتدفقهم على هذه الأماكن التي تذكرهم بآل البيت النبوي الكرام لم تتأثر بتقلبات الزمن، وكانت هذه المساجد في الماضي نموذجاً للنظافة والنظام، وتساءلت في نفسي: أين أجهزة الحكم المحلي الإدارية والدينية ورعايتها لهذه المساجد، وكذلك وزارة الأوقاف، بل والمسئولين عن هذه المساجد من العاملين فيها ومجالس إداراتها.

إن الحكم المحلي هو الذي يقود التقدم في أية دولة، وكذلك التخلف يسببه هذا الحكم المحلي، ويجب ألا يكون الحكم المحلي حكراً على قيادات معينة كمكافأة نهاية الخدمة، كما في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أو على المسيّسين دينياً، كما تجلى في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي.

إن الحكم المحلي ليس مؤسسة دينية أو عسكرية أو خلافه، وإنما هو مؤسسة إدارية، وهذا لا يعني استبعاد أي فريق من المواطنين إذا كانت تتوافر لديه الكفاءة والنزاهة والخبرة، ولكن في جميع الأحوال يجب أن يتم تدريب قيادات الحكم المحلي، وتحديد وتوصيف معنى الوظيفة الإدارية المحلية. وأسوق نموذجاً من الصين، حيث يتم تدريب الوزراء ووكلاء الوزارات ومديري الإدارات في الحكومة المركزية وفي الإدارات المحلية والخدمية. ولكن من ناحيةٍ أخرى فقد أثلج صدري ما ذكره أحد الأقارب من كبار مهندسي ومسئولي الطرق عندما أبلغني أن هناك عدة جولات لمسئولين مختلفين للتفتيش على أي إنجاز لهم، وهذا الشيء بالغ الأهمية، لأن الرقابة الدقيقة الأمينة هي إحدى مظاهر التقدم وتحقيق الجودة.

ولقد هالني النبأ التالي وهو إغلاق المطار الجديد بأسيوط بعد فترةٍ وجيزةٍ من افتتاحه، وذلك لإعادة إصلاح ممرات الهبوط، وأن الإصلاح سوف يستغرق عاماً كاملاً كما لو كان الأمر هو اختراع للذرة، وكيف يكون المطار بهذا السوء بعد أقل من عامين من افتتاحه، وأن يستغرق الإصلاح عاماً كاملاً هل هناك فساد وإهمال أكبر من ذلك؟ إنه ينبغي أن يحيل الرئيس عبدالفتاح السيسي هذا الأمر إلى النيابة العامة للتحقيق مع المسئولين الذين نفّذوا مشروع المطار وممراته، والتحقيق مع الذين قاموا بالاستلام وما هي تقاريرهم، وكيف حدث مثل هذا العمل البالغ السوء والإهمال. أنا أعرف أن الرئيس وإدارته الحالية ليسوا مسئولين عن ذلك، ولكنهم اليوم في قمة المسئولية والآمال معقودة عليهم، والعيال تتطلع لانجازاتهم وإصلاح ما فسد في العصور السابقة حتى ثورة 30 يونيو 2013.

إن أكثر ما أزعجني هو ما نشرته صحيفة «الوطن» المصرية يوم 29 يوليو/ تموز 2014 حول حادث يوم العيد في محافظة الدقهلية، ورد الفعل الانفعالي لسعادة المحافظ على أحد المواطنين من كبار السن الذي قدّم له الحلوى بمناسبة العيد، ثم طلب منه إصلاح بعض الجوانب الإدارية، فثار المحافظ وألقى بالحلوى في وجه المواطن العجوز. إن الإدارة فنٌ وأدبٌ وعلمٌ وخبرة، وليست استعلاءً. والإدارة كما هو معروف، هي مهنةٌ قائمةٌ بذاتها، وإذا رؤى لاعتبارات استراتيجية وضع أي شخص في منصب إداري، فلابد أن يتم تدريبه كما يحدث في الصين، وهو ما حقّق لها التقدم.

لقد لمست تحسناً في الطرق، وتحسناً في الانضباط الأمني، ولكن مطار القاهرة القديم والجديد في حاجةٍ لبعض الانضباط والنظام للحصول على حقائب المسافرين، وكذلك للحصول على تاكسي بدلاً من العشوائية بين العاملين في هذين المجالين، وتسابق سائقي التاكسي لاستقطاب المسافر ثم إساءة معاملته بعد ركوبه السيارة، وإزعاجه بالشكاوي من الحياة وغلوها أو مشاكل أسرته؛ وكذلك عدم احترام الراكب بالنسبة لتشغيل المكيّف في عز الحر، والادعاء بأنها سيارات فاخرة أو مطالبته بأجرةٍ أكثر مما هو مقرر.

إن أمام الرئيس السيسي مهمة كبيرة هي الحصول على قوائم من ذوي الخبرة في كل مجال وظيفي وفي كل منصب إداري، ليكون أمامه مجال للاختيار، وليس اللجوء فقط لبعض المقربين أو من يثق بهم، فالثقة وحسن النية هي أقرب طريق للجحيم وليس للانجاز، وإذا جاز أن أشير إلى جهة محددة فأقول أن اختيار الوزراء، والسفراء والمحافظين وغيرهم من كبار المسئولين في مصر بوجه عام، لم يكن في معظم التاريخ الحديث موفقاً بالقدر الكافي، وينبغي أن يُستعان بالأجهزة الرقابية والاستخبارات في تقييم الأفراد المرشحين للمناصب الوزارية أو الإدارية العليا أو السفراء أو المحافظين وأمثالهم، مثل رجال الإعلام وخصوصاً الصحف القومية التي مازال رجال العهد السابق يعيشون فيها.

لاشك أن مصر تقدّمت خلال الشهور الثلاثة الماضية، بل خلال العام الماضي، ولكنها في حاجةٍ إلى ثورةٍ إدارية حقيقية وثورةٍ معرفية، وثورةٍ في منهج اتخاذ القرار، وهذا هو أساس التقدم. إن علوم الإدارة هي من أهم العلوم الحديثة، والخبرة الإدارية ضرورية لمن يتولى أي منصب إداري رفيع المستوى. وأحسن قرار سياسي اتخذه الرئيس السيسي هو الاستمرار في الاهتمام بمصالح مصر كوطن مع ربط ذلك بالانتماء العربي والإسلامي، ولكن دون الاستجابة للشعارات الغوغائية حول أحداث غزة أو غيرها التي طالب بها بعض المثقفين وبعض رجال الأحزاب الذين لا يفهمون معنى الأمن الوطني، ولا معنى الوطن، ومسئولية صاحب القرار، وأنا أشيد بالرئيس السيسي لعدم اهتمامه بذلك، والاستمرار في إعطاء الأولوية لتحقيق أمن مصر الحقيقي بعيداً عن أية أعمال هامشية تعوق تحقيق الهدف الأسمى، فلا يمكن الانسياق وراء مطالب لا يفهم أصحابها معنى الأمن الوطني ومعنى مسئولية اتخاذ القرار وتداعياته.

إن مصر تواجه تحديات جساماً هي تحديات وجود وتحديات بناء وتقدم، ولا ينبغي أن تتورّط أو يورّطها أحد في مغامرات تحت أية دعاوى أو نتيجة سوء تقدير أو سوء حساب من هذا الذي يسعي للزعامة أو ذاك، وكل همّه توريط مصر والتباكي على دور مصر أو سياستها، فهذا عبثٌ لا أتمنى أن تتورط فيه مصر دون استراتيجية واضحة ودون أهداف سليمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4367 - الخميس 21 أغسطس 2014م الموافق 25 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:26 ص

      مصر رائدة العالم العربي

      والاسلامي في الحفاظ على مراقد ال البيت النبوي وقد احترم ابناء مصر على مر تاريخهم الاسلامي قبور هؤلاء الاولياء لانه شعب ذو حضارة عريقة ويعرف مكانة ال البيت وهو لم يكن مجتمعا بدويا ينتج فكرا متخلفا قاحلا لا يعرف الرحمة مثلما انتج غيره من البلدان ذلك الفكر الهمجي الذي يعاني من ارهابه عالمنا العربي اليوم وقد قرانا كيف انتشر هذا الفكر في بداية امره في شبه الجزيرة العربية قبل قرن من الزمان . ان للازهر الشريف دورا مهما في نشر الفكر المعتدل لان اصوله جاءت من فكر لم يلغ الاخر .
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 1 | 3:17 ص

      نتمي الخير

      نتمنى لمصر التطور لكن بدون خطه واضحه ورؤىا شامله لا ادري

اقرأ ايضاً