العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ

«ضريبة المرحوم»... حينما يتجرّع الفقير مرارة العادات والتقاليد

من البديهي أن يعاني الفقراء في مجتمعاتنا العربية أيّما معاناة في حياتهم بسبب أوضاعهم المادية المحدودة، ولا شك أن زماننا الذي يستفحش فيه الغلاء بصورةٍ واضحة يساعدُ على ذلك، ولكن ما لا يُمكن الأخذ به أن تساهم العادات والتقاليد والأعراف في مجتمعاتنا في زيادة ألم تلك الفئة، لتساهم في تجرّعهم مرارة الحياة، وليكون ذلك ضريبة إضافية على وجودهم في تلك المجتمعات، حيث وجوب الالتزام بعاداتها وأعرافها وإن خالفوا فمصيرهم النبذ.

ذلك بوضوح ما يجسّده الواقع في مجالس العزاء على المُتوفين، إذ يدفع الفقراء ضريبة وفاة أحد أقاربهم، ليضحّوا بما يملكونه، والذي لا يكفي لقوت يومهم، في استضافة المعزّين بإعداد الوجبات المكلفة، وإن لم يستطيعوا فأحاديث الناس لهم بالمرصاد.

«ضريبة المرحوم»... فيلمٌ قصيرٌ شاهده حوالي 40 ألف شخص على اليوتيوب (http://www.youtube.com/watch?v=1e7_HUB2zy0)، يجسّد معاناة الفقراء ويضرب على الوتر الحساس في تعلّق الكثير بعاداتٍ وتقاليد ينعكس الالتزام بها سلباً على غيرهم، يقدمه عدد من الشباب المبدعين بمدينة الإحساء في السعودية، من فكرة وإخراج عبدالله البراهيم، وتصوير حسين البطاط، ومونتاج خليل الموس، وتمثيل كل من إبراهيم العبدرب النبي، صالح البراهيم، تقي الزارعي، وياسر الحميدي.

يبدأ الفيلم بمشهد يظهر فيه الأب خارجاً من منزله الذي يعكس مستواه المادي، وإلى أي مدى وصل به الفقر، ليمشي مع ابنه منصور إلى سيارته التي لم تختلف كثيراً في مظهرها عن هيئة بيته القديم، ليركبا السيارة ومن ثم يسأل منصور أباه عن إمكانية بيع مزرعتهم، للتغلب على حالتهم المادية والديون، ولشراء منزل جديد وسيارة جديدة، ومن ثم يجيبه الأب أن المزرعة مرهونة وليست ملكهم، ليتفاجأ منصور من ذلك، على اعتبار أنه تربّى وكبر وهو يعمل فيها، مع عدم علمه وأمه بما أفصح عنه أبوه.

ويظهر الأب في مشهد جديد، يعمل مع ابنه في المزرعة بكل جد واجتهاد، ومن ثم تصيب الأب وعكة صحية مفاجأة أثناء العمل، فيسقط أرضاً، ومن ثم يراه العامل الأجنبي الذي يعمل معهم في المزرعة، ليذهب مسرعاً لإخبار منصور بذلك، ليأتيه وهو مُمددٌ على الأرض، وينهال عليه بالبكاء والعويل، مودّعاً إياه في المزرعة التي قضى فيها جُلّ عمره.

وفي أيام العزاء، يشارك عدد من الأشخاص في تعزية الابن بوفاة أبيه منصور، فيما يظهر الأشخاص وبعضهم غلبه النعاس، والآخر ينظر لليمين والشمال، تعبيراً عن تأخرهم في الجلوس، ومن ثم يقول خال منصور الذي يجلس بجانبه، إن الأشخاص في مجلس العزاء ينتظرون العشاء وإنهم تأخروا كثيراً، ليتفاجأ منصور بذلك ويقول إن ما يملكه لا يكفيه لشراء وجبة العشاء، وإن عليه ديون كثيرة، ليرد عليه خاله «الناس لن يرحمونا من حديثهم»، ومن ثم يتفقا على شراء عشاء بالمبلغ الموجود عندهم.

يوضَع العشاء ويجلس المشاركون في العزاء لتناوله، فيما يلوم أحدهم الآخر عن القدوم لهذا المجلس، تعبيراً عن عدم إعجابه بوجبة العشاء، فيما يتحدث آخر عن سوء الوجبة ونقصها من الماء وغيره.

تنتهي ليالي العزاء، وتبدأ معاناة منصور المؤلمة من ظروف الحياة، فيما تتعرض والدته لمرض وتموت بسببه، ومن ثم يشارك عدد من الأشخاص في تشييعها، وأثناء ذلك يطلب منهم منصور الذي يبكي مع خاله، أن يتوقفوا قائلاً: « لحظة يا مسلمين... أنزلوا النعش»، ويتفاجأ بذلك المشاركون، ليقول لهم: « الذي جاء ليعزينا، نقول له أجرنا وأجره على الله، ولكنّي لازلت أدفع تكاليف عزاء والدي، ولا أستطيع أن أستضيفكم لثلاث ليالٍ»، ليرد عليه أحدهم: « أنت يا منصور تعارض العادات والتقاليد بذلك، وهذا لم نعتد عليه»، ومن ثم يرد عليه خال منصور: «والله إن العادات والتقاليد التي تتحدث عنها هي التي ضايقت عيش كل فقير في هذا البلد، فحتى لو لم يملك مالاً فسيضطر للسلف من أجل أن يبتعد عن القيل والقال»، ومن ثم يزيد على حديثه منصور قائلاً: « يعلم الله أني أحاتي كيف سأعيش، وكيف سأتحمل الديون، وديون جدي التي لم يتحملها والدي المرحوم.. النعش أمامكم والأجر بين أيديكم»، فيقول أحدهم « كل هؤلاء الذين شاركوا لا تقدّرهم؟» ثم يقول آخر، «إننا جميعاً أهل، ونبحث عن الأجر»، ويستمروا في التشييع.

عندئذٍ، يأتي أحد الأشخاص مسرعاً إلى منصور وخاله، ويعزّيهم، ومن ثم يصرخ على المشيعين «يا جماعة الخير... ابن العمدة توفي، وثلاث ليالي دق عيش ولحم»، فيسمعه المشاركون ويتركوا النعش أرضاً، ويركضوا خارجين من المقبرة، وقبل أن يحمل منصور وخاله النعش للاستمرار في تشييعه، يأتي العامل الأجنبي للابن ويعطيه مبلغاً من المال، قائلاً: «هذا راتبي ولا أريده، أبوك وأمك تُوفيا، وسنلحقهم نحن»، ليقول منصور: « الله يا الدنيا... شفت يا خالي ، الناس تركتنا من أجل بطونهم، فيما الأجنبي يضحّي براتبه من أجل مساعدتي»، ويُرجع منصور المبلغ للعامل ويطلب منه نيل الأجر من خلال المشاركة في التشييع، ليحملوا النعش لإتمام مراسم الدفن.

لقطات من الفيلم القصير
لقطات من الفيلم القصير

العدد 4368 - الجمعة 22 أغسطس 2014م الموافق 26 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:55 ص

      هناك عادات لا تنتمي للإسلام في شي و واحدة منها المبالغة في الصرف على العزاء ... المفروض ان الناس تراعي ظروف عائلة الميت و تمشي قبل موعد الوجبة ... بس في ناس يقعدون لمدة ثلاث ايام و ياكلون مع أهل الميت اللي ما عدهم رغبة في الاكل

    • زائر 6 | 7:36 ص

      ابو حافظ

      فيلم حلو ومعبر ويعكس ظاهرة سلبية في المجتمع ،، وبالنسبة لهذه الظروف على حد سواء لا تحتاج كل هذه المظاهر من ولائم
      واكلات لانها ليست بحفلة زواج او نزهه

    • زائر 3 | 1:31 ص

      واقع مرير

      هذا هو الواقع الخاطىء ولكن من المفترض ان الجيران هم من يتولون إعداد الوجبات لأهل المتوفي.

    • زائر 4 زائر 3 | 2:53 ص

      صح

      مشكلتنه المظاهر وخوف من كلام الناس
      ياخي مد ارجولك ع قد الحافك

    • زائر 5 زائر 3 | 3:38 ص

      بل

      بتكحلها عميتها ههههههههه

    • زائر 2 | 12:33 ص

      زائر

      السبب واضح قلة الرواتب وفساد الحكومات السبب الرئيسي لو كان هناك حكومات تدعم الموطن لا ن ترى فقر مثلاً أنا عمري 30 ولم أتزوج والسبب قلة راتبي أين دور الدولة من دلك

    • زائر 1 | 11:28 م

      زائر

      عمل جميل وحقيقة مره

شاهد أيضا