العدد 4372 - الثلثاء 26 أغسطس 2014م الموافق 30 شوال 1435هـ

نكبة التجنيس مسئولية تتحملها الدولة

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

تعداد السكان وتوثيق تأصيل المواطنين في أية دولة، إنما يأتي لحفظ حقوقهم إزاء الآخرين من المقيمين، فإن لهم الأولوية في خيرات الوطن، من دون نيلٍ بالتقصير، على الآخرين حقوقهم، وكذلك بسط الإحصاءات أمام القائمين على الإدارة الوطنية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتخطيط حركة كفتي الميزان ما بين الموارد والاحتياجات، بما يلبي حاجات المواطنين في هذه المضامير، حاضراً ومستقبلاً، وبما ينقل حياتهم من حالة العوز إلى الاكتفاء، ومنها إلى الرغادة.

ومن المنظور الديني في جميعها، إن الله خلق الأرض أولاً، ثم خلق الإنسان، والعلوم وأهلها يرون أن الإنسان تطوّر عن مخلوق آخر أقل منه تطوراً، ذاك المخلوق سكن الأرض، من بعد انبلاجها نتيجة الانفجار الكوني الكبير، فكلا الفكرين الديني والعلماني، يلتقيان عند التسليم بفكرة «في البدء كانت الأرض»، ثم قطنتها جميع المخلوقات، بما في ذلك الإنسان، كلاً في بقعة من بقاعها، التي كانت له وطناً باستيطانه بها، فتناسلوا وتكاثروا، وسعوا في الأرض هجرةً واستقراراً، فكان لكل جماعة أرض يستوطنونها ويعمرونها، فتشكّلت الجماعات البشرية، كلٌّ من مجموعة من الأسر التي تنتسب لعائلة ما، ثم توسعت لتشمل العمومة والخؤولة ونسل جميعها، وهكذا إلى أن تشكلت القبيلة، وتعدّدت في قبائل استوطن كلاً منها أرضاً، وصدّت عنها اعتداءات باقي القبائل الأخرى، فَتَسَمّت هذه الأرض باسم هذه القبيلة، وتلك باسم تلك.

إلى تلك المرحلة من التاريخ، تقاسمت القبائل، أراضي البدو والحواضر، وتنازعت على الأراضي المشاع، للفوز بمائها والكَلإِ لرعي مواشيهم، وخصوصاً أيام الجفاف والقحط، فكانت الحروب بين القبائل، ونتاجاتها من النهب والسلب والسبي والعبودية، وصولاً إلى الغزوات والاحتراب، للسيطرة على الأرض بما فيها من صيد البر والبحر وثروات الأرض الطبيعية، من خلال استحواذ من قبل بعضها حتى في ظل خضوعها لسلطة مستعمر خارجي، مقابل دعم المستعمر لها.

وفي حال البحرين، إلى ما قبل أواخر أربعينيات القرن الماضي، كانت تتحكم في إدارة مناطقها المختلفة، إضافة إلى السلطة، عدة مشايخ عائلية ودينية، منها منطقتا سترة وجدحفص على سبيل المثال، وإلى أواخر الثلاثينيات من ذاك القرن لم يكن سارياً توثيق الولادات، ولا تعداد أنفس المواطنين، فكل ما يتعلق بذلك من معلومات، كانت معروفة لدى الخاصة والعامة من الناس شفاهةً، أو في مراسلات العوائل، وقد كان يسكن البحرين عدة جماعات، إضافة لمواطنيها بالولادة من الطائفتين، قدموا لطلب العيش، لوفرة الخيرات في هذه الأرض، وقد قدموا من عدة مناطق وخصوصاً عرب السواحل الإيرانية (الحُوَلَة)، وعرب الخليج، وخصوصاً العمانيين، وجماعات من الأجانب الإيرانيين وغيرهم، وبالمقابل استوطنت جماعات من مواليد البحرين مناطق في الخليج وسواحل إيران والهند وبعض مناطق سواحل أفريقيا.

إلى أن صدر قانون الجنسية البحريني لأول مرة في 8 مايو/ أيار 1937، حيث تم تسجيل كل الحائزين للجنسية البحرينية، وقد كان معتداً ومسنوداً من قبل بيت الدولة البريطانية في البحرين، بعدة جهات محلية من مشايخ ووجهاء المناطق وشيوخ الدين للطائفتين الكريمتين للإفادة بـ، أو لإصدار الوثائق الثبوتية والشهادات لإثبات ولادة أبناء البحرين بها، وبحيازة الجنسية البحرينية، وذلك حتى أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1948، حيث بدأت عملية مَرْكَزَة إدارة الدولة في يد حكومة البحرين وحكامها، بدعم وإدارة البريطانيين لأمور البحرين بالانتداب والحماية، فاقتصر من حينها أن يتحصل رعايا حكومة البحرين على جوازات السفر وأوراق الجنسية ورخص السفر، من حكومة البحرين فقط.

ثم في 20 فبراير/ شباط 1955، أصدر مستشار حكومة البحرين البريطاني، إعلاناً بأن حكومة البحرين لن تمنح الجنسية البحرينية إلا لمن تتوافر فيهم الشروط الخمسة، التي ذكرناها في مقالتنا السابقة، وقد صدر هذا الإعلان، من بعد توثيق مواليد البحرين، ليأتي الدور لمنح الجنسية، لأسباب إنسانية، فرضتها الدولة البريطانية على حكومة البحرين، لمنح الجنسية لمن يستوفون تلك المتطلبات القانونية، من غير مواليد البحرين وغير المواليد في الخارج لأب أو جد مولود في البحرين، ولكنهم استوطنوا البحرين سنوات عمرهم وملكوا بيوتهم فيها، وأنجبوا، وأصبحوا أما أن يتجنسوا بالجنسية البحرينية وأما أن يصنّفوا عديمي الجنسية، فتم منح الكثير منهم الجنسية البحرينية.

إلى هنا لا غبار ولا مآخذ على كل من حاز الجنسية البحرينية تنفيذاً لقانون 1937، بما في ذلك تفعيل منطوق المادة 5 من القانون «لحاكم البحرين أن يمنح الجنسية البحرينية إلى أي شخص يسكن البحرين ويقدم طلباً بذلك، وله أن يلغي هذه المنحة إذا انقطع ذلك الشخص عن السكن في البحرين»، وكذلك قرارات حكومة البحرين الخاصة بمنح الجنسية لعام 1955، فقد كانت تلك المرحلة تتسم بالعلاقة الطبيعية بين حكومة وشعب البحرين، رغم الخلافات السياسية التي قادتها حركة الهيئة ما بين عامي 1954-1956 وما قبلها من حراكات، لتبدأ من بعد الإطاحة بقادة الهيئة من قبل الحكومة وبريطانيا، ونفيهم إلى جزيرة سانت هيلانة، والآخرين إلى الهند، لتبدأ مرحلة من العلاقات المتوجّسة من قبل السلطة تجاه شعب البحرين، وخصوصاً في حالة تلاحمه ووحدته الوطنية، كما تبدّت في فعاليات حركة الهيئة.

ثم صدر قانون الجنسية البحرينية لعام 1963، بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 1963، ليلغي قانون 1937، ثم تبعه تداركاً بالتعديل عليه بعد شهر وذلك في 12 أكتوبر 1963، وتبعت ذلك تعديلات أخرى على قانون الجنسية البحرينية، دراستها وتحليلها لابد وأن تلقي الضوء على التغيرات في العلاقة ما بين السلطة والشعب، وعلى ذلك ستكون لنا وقفة.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4372 - الثلثاء 26 أغسطس 2014م الموافق 30 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 4:28 ص

      فذكر ان نفعت الذكرى

      نكبة التجنيس وعواقبها على المواطن والحكومة سواء
      فانتظر اني معك من المنتظرين

    • زائر 10 | 3:48 ص

      عجيب المقال

      سلمت الايادي يابن بلدي الاصيل

    • زائر 9 | 2:16 ص

      هي نكبة فقط بل هي كارثة او طامّة كبرى قريبا

      نكبة، كارثة، طامّة كبرى : كل هذه الأسماء توصف وضعا البحرين مقبلة عليه لا محالة : هناك مخطط لاستهداف الطائفة الشيعية لكي تصبح اقليّة ثم يتم الانقضاض عليه ومحاولة سحقها ...هذا هو المخطط الاكيد

    • زائر 8 | 2:12 ص

      ماذا عن تجنيس الخمسينات و الستينات يا يعقوب؟

      ماذا عن تجنيس الخمسينات و الستينات يا يعقوب لماذا لا تتكلم عنه؟ أليس نكبه كذلك؟ انا ضد التجنيس القديم و الجديد

    • زائر 7 | 1:42 ص

      الخمسينات

      منح الجنسية لاسباب انسانية في الخمسينات فرض من قبل بريطانيا لاسباب انسانية هههههههههههه قصدك المزارعين
      ياخي قول هالشي بشكل صريح

    • زائر 14 زائر 7 | 9:47 ص

      اعداد المجنسين

      ارجوا ان تذكر فى مقالك القادم اعداد المجنسين فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والبلد الذى جلبوا منه والطائفه حتى يكون هناك مصداقيه لمقالك والجميع يعرف من هم ومن اين ولماذا جنسوا انها ايام تتداول يا اخى الكريم

    • زائر 6 | 1:39 ص

      حتى الاسكان ماثر عليه ......

      مدينة حمد طلبات من التسعينات للحين ماعطوهم بيوت ليش لان ........غازين مدينة حمد والمواطنين قلعتهم

    • زائر 5 | 1:17 ص

      مراقب ...

      وأنا أؤيدك في ما ورد أن الدولة مسؤولة عن توثيق سجلات شعبها ومنحهم أوراقها سواء الجنسية أو غيرها
      ومن منطلق مسؤولية الدولة هذه فهي من حقها أن تمنح جنسيتها لمن ترى فيه الشروط والحاجة وإن كان هناك تجاوز فأتمنى ان يتم بيانه مدعما بالأدلة فالكل اليوم وجد في هذه القضية مجال للتهريج
      أذكرك بندوة تلفزيونية بين مسؤول في الجوازات وبين المعارضة أنتهت الندوة بعد أن عجزت المعارضة أن تقدم أي دليل على التجنيس العشوائي وتعترف انه لا يوجد تجنيس مخالف في البحرين
      سيادي ؟؟! من كان بيته من زجاج فلا يرم الناس بالحجر

    • زائر 12 زائر 5 | 6:17 ص

      الظاهر ان انت بيتك من زجاج

      المضحك في بلدي البحرين .. والمثير للسخريه ان يرد عليك مجنس ويحاول جاهدا ان يكون هو ابن البلد ..

    • زائر 4 | 1:13 ص

      لا للتجنيس العشوائي

      اكثر شيء يحز في نفس المواطن ان يرى الأجنبي وقد احتل مكان المواطن الغلبان في رزقه ... في السوق، في البرادة، في المجمع ... المواطن الغلبان وين يشتغل في السماء؟

    • زائر 3 | 12:37 ص

      أصيل

      تحياتي لك أستاذي الجليل من قاهرة المز

    • زائر 2 | 11:17 م

      الله يكثر من امثالك

      توثيق تأصيل المواطنين في أية دولة، إنما يأتي لحفظ حقوقهم إزاء الآخرين من المقيمين( المجنسين ) فإن لهم الأولوية في خيرات الوطن.

    • زائر 1 | 9:42 م

      مقال ولا اروع *عجيب*

      ما شاء الله تبارك الرحمن ربي يحفظك من كل سوء وشر وضر. مقال ولا اروع يثلج الصدر وان شاء الله يوقض النائم.

اقرأ ايضاً