العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ

إبراهيم شريف... معتقل الرأي والضمير بامتياز

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ضمن سلسلة التراجعات التي دأب السلطة في البحرين على السير فيها، أقدمت وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف على رفع دعوى ضد جمعية «وعد» تحت تبريرات واهية لا علاقة لها بالأعراف الحزبية المتعارف عليها في جميع الدول الديمقراطية، بل وحتى الدول ذات الحكم الاستبدادي وغير الديمقراطي. وبعيداً عن تحفظاتنا حول قانون الجمعيات السياسية (المفارقة بأن قانون الجمعيات الأهلية يشير إلى إنها تنظيمات أهلية وهذا القانون يرفض تسمية الأحزاب بالتنظيمات السياسية)، ووجود صلاحيات فيه لوزير العدل باتخاذ قرارات تمس جوهر الحق والحريات العامة، نقول رغم تحفظاتنا هذه، فإن قرار رفع الدعاوى على التنظيمات السياسية المعارضة على وجه الخصوص، يعني انتهاء مرحلة من الانفتاح السياسي على الرأي الآخر المعارض، وبداية لمرحلة جديدة من التضييق وإغلاق وتجميد التنظيمات العلنية المعارضة.

وحيث يركز هذا المقال على الدعاوى الموجّهة ضد جمعية «وعد» والمتمثلة بمطالبة وزارة العدل انتخاب أمين عام جديد لها بدلاً من الأمين العام معتقل الرأي والضمير إبراهيم شريف السيد، وشطب اسمه من قوائم الأعضاء و«طرده» وفصله عن بيته الثاني الذي أسّسه مع كوكبة من رفاقه المناضلين وذوي التاريخ الوطني المشهود لهم، ورفض هذه الوزارة لحق أصيل لكل الأحزاب بتسمية من يقوم مقام الأمين العام وهو غائب في السجون كمعتقل رأي بامتياز.

إن هذه الوزارة لا تعي بأن جميع الدول الاستبدادية قبل الديمقراطية مستوعبة خصوصية وجود تنظيمات سياسية معارضة مرشحة في بعض المحطات بأن يتم اعتقال قياداتها المعارضة لسياساتها وممارساتها القمعية بهدف شل نشاطها وتجميد تأثيرها على المواطنين، كما حدث مع إبراهيم شريف، ولذا فإن هذه الحكومات المستبدة لم تقدم على ما قامت به وزارة العدل في البحرين من حيث المساس بحق المعتقلين السياسيين، وعدم اعتبارهم فاقدي هذه الحقوق وهم في السجون. فالمناضل نلسون مانديلا استمر في سجن الحكم العنصري في جنوب أفريقيا لمدة ربع قرن، وبقي قائداً لحزبه، وتم التعامل والتفاوض معه وهو في محبسه.

والصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي في السودان، كان معتقلاً في سجون السودان لأكثر من مرة (الأعوام 1969 ـ 1973 – 1974 ـ 1983 ـ 1989 ـ 1993 ـ 1995) ولم يفقد حقوقه السياسية كزعيم معارض، ولم تطلب السلطات هناك من حزبه شطب اسمه من سجلات الحزب، بل كان يتم التفاوض معه ويقدم مبادرات وطنية لإنهاء الأزمات في بلاده وهو في معتقله. وكذلك إبراهام السرفاتي زعيم منظمة «إلى الأمام» المغربية، بقي منفياً في المرحلة الانتقالية من الاستبداد إلى الديمقراطية ولم تطلب حكومة المملكة المغربية شطب اسمه من منظمته.

هذا إلى جانب أن قوانين الأحزاب في هذه الدول لا تشير إلى فقدان أعضاء الأحزاب لحقوقهم السياسية في حال اعتقالهم كما هو الحال في المادة (22) من قانون الجمعيات السياسية في البحرين. وهناك عشرات الأمثلة الأخرى في العراق إبان حكم صدام حسين، وفي سورية وبورما وتركيا وحتى ايطاليا أثناء مرحلة الفاشية، لم تكن النظم السياسية تتعامل مع المعارضين في سجونها على أنهم فاقدو حقوقهم السياسية الحزبية.

ومن جانب آخر فإن محاولة الحكم تصوير اعتقال إبراهيم شريف واتهامه بالتهم «الجنائية»، هو ضحكٌ على الذقون، فالجميع يعرف بأن اعتقال بوشريف لم يكن بسبب تهم جنائية وإنّما بتهم سياسية باطلة لا دليل ملموس عليها، فملف الاتهام الذي تجاوزت صفحاته (1650) صفحة لم نجد فيه أي دليل على الاتهامات التي وجهت لهذا المناضل والقائد السياسي، والذي كان دائماً يدعو إلى الإصلاح والسلمية، ورفض للتطرف والعنف والتخريب، وهو القائل بأن «وعد» من دعاة سلم وإصلاح، وتؤمن بالملكية الدستورية الحقيقية، وهذا ما أشار إليه تقرير بسيوني الذي خصص قسماً كاملاً يشرح فيه أساليب التعذيب التي مورست بحق إبراهيم شريف، ودعا في توصيته إلى اعتباره سجين رأي ولابد من إطلاق سراحه. ونحن نضيف: «ورد الاعتبار له».

إن الدولة ووزارة العدل المسئولة عن متابعة إجراءات تسجيل التنظيمات السياسية، عليها أن تعي بأن هذه التنظيمات بمثابة البيت الثاني للسياسيين، وإنها ملزمة تنظيمياً وأخلاقياً، الدفاع عن أعضائها ماداموا ملتزمين بأنظمتها الداخلية ومبادئها المعلنة، وإن وجود تنظيمات سياسية ذات أهداف وطنية وديمقراطية واضحة وتحقيقها عبر وسائل سلمية وحضارية وعلنية، هي صمام الأمان لمنع التطرف والتخريب من جهة، وهي القادرة على تخفيف أي احتقان سياسي وطائفي يؤدي – لا سمح الله – إلى احتراب أهلي وضعضعة السلم الاجتماعي من جهة ثانية، وإن التعامل معها بجدية ومساواة للوصول إلى توافقات أفضل من التضييق عليها وحلها، والذي لن يؤدي إلى إنهائها كتيارات سياسية تحمل أفكاراً وقيماً تشرّبت منها أجيال من مواطني هذا الوطن، وستستمر كتيارات سياسية وفكرية حتى وإن حلّت مؤسساتها وشمعت مقراتها وجُمّدت نشاطاتها العلنية، حيث أصبح كوكب الأرض شقةً صغيرةً الآن، تحتضن من شبكات التواصل الالكترونية ما تحميها من الموت والاضمحلال.

إن الدعوة للتضامن ورفض مثل هذا التضييق والترهيب مفتوحة لجميع الجمعيات السياسية حتى من هي قريبة من مواقف السلطة حالياً، لأن النار ستأتيها بلهيبها، فالتحوّلات العالمية والإقليمية سياسياً وفكرياً ستخلق تناقضات جديدة لهذه الأنظمة ليصبح الصديق المرحلي عدواً في مراحل قادمة، ولابد للجميع دون استثناء الوعي بضرورة تعزيز دور السلطة الخامسة المتمثلة في مؤسسات المجتمع المدني، وإعطاء المزيد من الحريات والضمانات للتنظيمات السياسية لتستمر في عملها العلني السلمي وتكريس حقها في نشر أفكارها ومبادئها بشكل ديمقراطي، والتوقف عن توجيه الاتهامات الكيدية الباطلة لأعضائها دون وجود دليل مادي ملموس، ومغادرة عقلية الانتقام والتشفي عبر محاكمة المعارضين على أفكارهم، بل إن المطلوب هو توسيع دائرة حرية الرأي والتعبير التي صانتها مواثيق حقوق الإنسان وجميع الدساتير الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 4373 - الأربعاء 27 أغسطس 2014م الموافق 02 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 10:57 ص

      بعد قلبى ابراهيم ياما نصح الحكومة

      وقال لهم سوو مجلس مثل الاوادم ولا البلد يا بتضيع او بتضيع قال لهم خسروا قليل من الصلاحيات احسن من ماتتسندرون بكل الصلاحيات والحين الديرة فى ازمة مزمنه حتى لو انتصرت الحكومة الحين لكن المستقبل غير مضمون ولا عقب التجنيس الله يستر

    • زائر 5 | 3:01 ص

      طال

      ابراهيم شريف اصبح رمزا لكثير من البحرينين ورسالتنا للذين يغردون خلف السرب ان ينضموا اليه

    • زائر 4 | 2:58 ص

      ابراهيم الدوسري

      ياوعد لقد انتهى عصركم بعد انضمامكم الي الولي الفقية ابراهيم وانت ...

    • زائر 3 | 2:11 ص

      يظل الشريف شريفا

      لن ننس سلميتك يا ابا شريف ولو كنت طليقا حرا لما وصل الحال لما نحن فيه من بعض الانفلات لان لك كلمة مسموعة ومؤثرة على الكل. الفرج قريب

    • زائر 1 | 11:14 م

      الحرية للشريف إبرهيم شريف

      نحن ندعوا جمعية وعد بالثبات والاستمرار في موقفها الوطني والتاريخي بالدفاع عن هذا البطل الوطني الحر والتمسك بقيادته الحكيمة للجمعية حتى تحقيق مطالب الشعب الرعية ونيله لحقوقه المسلوبة.
      الحرية لإبراهيم شريف ورفاقه معتقلي الرأي بشهادة بسيوني والمنظمات الدولية وكل العالم ولسوف تسطر كلماته في بيان الدفاع الذي ألقاه بالمحكمة بماء الذهب وسيسطر في تاريخ البحرين النضالي المشرف نحو الحرية والمساواة والعدالة.
      شكرا لجمعية وعد وكل قوى المعارضة
      شكرا لكم

    • زائر 7 زائر 1 | 6:25 ص

      تقرير بسيوني واضح

      تقرير بسيوني لم يشر لأي معتقل رأي في سجون البحرين فما بالك بمن وقف وظن نفسه انتصر وقال ............

اقرأ ايضاً