العدد 4375 - الجمعة 29 أغسطس 2014م الموافق 04 ذي القعدة 1435هـ

الآثار الاجتماعية للدعْشَنَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وَضَعتُ يدي على قلبي عندما قرأت أحد الأخبار قبل أيام على السومرية نيوز. الخبر يقول بأن كتائب فدائيي «طاووس ملك» الإيزيدية، قَتَلَت 22 عنصراً من تنظيم «داعش» بعد اشتباكات مسلحة في قضاء سنجار، غرب الموصل، وحرق خمس عجلات تابعة لـ «داعش»، حسب تصريح المتحدث الرسمي باسم كتائب فدائيي طاووس الإيزيدية خوديدا الهسكاني.

وللعلم، وطبقاً لبقايا الخبر، فإن هذه المجموعة المعلَن عنها «هي إحدى التشكيلات الإيزيدية المسلحة التي تأسست عقب سيطرة تنظيم (داعش) على قضاء سنجار»، وهي تضم «شباباً إيزيديين متطوعين مهمتهم الدفاع عن المناطق الإيزيدية» كما جاء نصاً.

بالتأكيد ليس الخوف هو من شكل الحدث وآنيَّته، والذي يأتي بعد تعرُّض الأزيديين لحملة إبادة وتهجير قاسية من إرهابيي «داعش» في جبل سنجار ومحيطها، بقدر ما هو خوف من التحولات الاجتماعية والنفسية في المجتمع الأزيدي الأقلّي، والتي أظهرته اليوم محارباً يحمل السلاح بعدما كان ولأزيد من 5000 سنة من الوجود لا يتمثل إلاَّ في شكل مدني، على الأقل عبر تاريخه المستطال. وهو تخوُّف ينسحب على كافة الأقليات في عالمنا العربي.

فحين تتحوَّل الإثنيات والطوائف والأعراق والمذاهب إلى جوقة «مقاتلين» فإن هذا الأمر مخيف جداً ولا يُبشِّر إلاَّ بمستقبل قاتم. هو يعني ضمن ما يعنيه، أن عقد الدولة العربية بدأ ينهار، لصالح دويلات غير مرئية، لكنها في طور التشكل على هيئة جماعات مسلحة، جاهزة للاحتراب حتى الفناء.

يزيد من هذا الخوف أنها تتطور بهذا الاتجاه وهي في بقعة جغرافية هشَّة ومليئة بالانقسامات. فإذا كانت دول أوروبا تضم 113 أقلية قومية ودينية، وهي التي فصلها المد العثماني في أقصى الحالات بوصوله إلى جنوبها فما بال العالم العربي والإسلامي، الذي تزيد أديانه وطوائفه وإثنياته على أوروبا حتماً، كونه المهد الذي تفتَّقت منه الأديان والأعراق.

حين ينفرط قوام الدولة، وتتناثر سلطاتها المادية على الجماعات والطوائف، فنحن أمام مشكلة أمنية واجتماعية خطيرة جداً. فالطوائف حين تواجِه تدميراً ممنهجاً للذات كآخر متاريس الحماية من الضياع وتفسيخ الهوية الجامعة، تلجأ في أحيان كثيرة إلى التطرف والتخندق في محيطها الأقرب وهو الطائفة/ العِرق/ المذهب، الذي يمثل لها سكينة نفسية وانسجاماً أكبر بين أفرادها، وهنا تبدأ أولى صور «الدويلات» الصغيرة.

اليوم في العراق وحده، لا يوجد أحد ينتمي إلى دين أو طائفة أو عرق إلاَّ وتسلَّح. الشيعة والسنة والأكراد والمسيحيون والأزيديون والصابئة والتركمان والفيليون والعشائر، ثم وفي التقسيمات الفرعية في كل مكوِّن من أولئك يوجد هناك جماعات مسلحة متخاصمة. ولنا أن نتخيَّل حجم البركان الذي يمكن أن ينتظره العراق في المستقبل القريب والبعيد.

في سورية، الحال كذلك. فمع وجود عشرات الجماعات المسلحة لا يبدو أن الأزمة يمكن أن تنتهي بهذه السهولة. بل حتى المصالحات التي يقوم بها النظام السوري هي أيضاً تنطوي على خطورة تكمن في الاعتراف بالسلاح الداخلي للأحياء والقرى والمدن ذات اللون الطائفي المتباين، فضلاً عن مشكلات الجيش الشعبي الذي تم تأسيسه منتصف الأزمة، والذي عادةً ما يكون أكثر تحرراً من الجيوش النظامية في المساءلة واتباع قوانين الحروب.

في ليبيا لم يعد الحصول على السلاح فيها صعباً، بل بات أسهل من الحصول على أي شيء آخر أو تساوى معه. سلاح ثقيل من دبابات ومدرعات ومضادات أرضية وصواريخ باتت موزعة على كيانات جهوية ومناطقية، كل منها يدَّعي الوصل بالمصلحة الوطنية، لكن النتيجة كانت تدمير 90 في المئة من الطائرات الرابضة في مطار طرابلس الدولي!

أما السلاح في اليمن فهو في مسار مخيف. فوجود 50 مليون قطعة سلاح خارج الدولة ليس أمراً عادياً أو يمكن إحالته إلى الأعراف القبلية أو التقليدية، لأن عدم الاستقرار السياسي والأمني عادةً ما يدفع كل الأنماط المادية إلى الانزلاق نحو المواجهة المسلحة والمباشرة. وربما أوضاع اليمن اليوم تعطي تفسيراً لما أقوله، بعد تزايد النفس المذهبي في غير منطقة من أراضيه. هذه صور حقيقية لما يجري في العالم العربي.

عندما اندلعت 32 من حروب العصابات في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية حتى منتصف السبعينيات اهتز العالم كله على إثرها بما فيهم الثلاثون دولة من خارج حزامها القاري، خصوصاً أن المصالح الاقتصادية والاتصال الاجتماعي، باتا يُحطمان أية فواصل جغرافية قد تقوم الدول بإنشائها ظناً منها أنها قد تكون الحامية لداخلها.

وإذا ما عَلِمنا أن حروباً ذات دوافع وأشكال سياسية أو تحررية من الاستعمار، قد خلَّفت كل ذلك الرعب للعالم، فكيف بحروب ناشئة عن دوافع دينية أو عرقية، وتجري داخل بقع جغرافية محددة وذات اتصال اجتماعي غائر، وقواسم ثقافية تكوَّنت بفعل الزمن والمصالح؟

باعتقادي، أن الحديث عن حاجة لعقد اجتماعي جديد في الدولة الواحدة قد انتقل إلى حاجة أكثر إلحاحاً نحو تشكيل عقد اجتماعي جديد ولكن للأمة العربية والإسلامية بأكملها. ورغم أن هذا الأمر قد يكون حلماً لكن لا يمنع من القول أنه حاجة ضرورية وضرورية جداً.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4375 - الجمعة 29 أغسطس 2014م الموافق 04 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:12 ص

      السلاح عز الرجال

      السلاح محصور في يد الحكومات حسن لكن ماذا لو كانت الحكومة بأجهزتها تهاجم بيتك ودون مراعاة لحرمة وتسلب وتقتل وتغتصب، وماذا لوكانت الحكومة غير قادرة على حمايتك رغم نزاهتها وعدلها، ياليتنا كن نملك أصغر قطعة سلاح لنحمي مساجدنا وأعراضنا وأنفسنا من الداخل والخارج.

اقرأ ايضاً