العدد 4377 - الأحد 31 أغسطس 2014م الموافق 06 ذي القعدة 1435هـ

ناشر يساري يرفع دعوى لسحب كتب ماركس وأنجلز من "الشبكة"

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

كل شيء في طريقه إلى التغيّر. لا شيء يظل مستقراً على حاله. الكتّاب والفلاسفة الذين كانوا في يوم من الأيام رموزاً لضرب الاحتكار، أولئك الذين لم ينجزوا أفكارهم ونظرياتهم كي يجنوا المزيد من الأموال. من تصدّوا للرأسمالية وجذورها. من وقفوا سدّاً ضد الملكية الخاصة. من حاربوا عدم المساواة بين البشر، سيجدون بعد زمن من يحاربهم بشراسة. يريدهم؛ أو بالأحرى، يريد لأفكارهم ونظرياتهم أن تخضع لقوانين السوق، والدخول في عباءة الرأسمالية وتتكيّف مع قانون العرض والطلب. ربما في الأزمات والانهيار المالي، يظل شيء من الحنين إلى مثل تلك الأفكار والنظريات حاضراً، فقط للخروج من الوضع الراهن، حين تعود الأمور إلى طبيعتها، من الطبيعة أيضاً أن تظل الرأسمالية متوحّشة، كما هي. ولن تستطيع أن تغيّر من صورتها تلك مهما تجمّلت، أو أبدت شيئاً مما يمكن تسميته "العاطفة الطارئة"، لكنها سرعان ما ستذوب وتذوي في حمّى البحث عن مزيد من الأسواق، ومضاعفة تكديس الأرباح والثروات. جزء منها يأتي من صناعات لا تكتفي بإفقار البشر، بل إرسالهم إلى موت سريع (شركات ومصانع السلاح)! في المعرفة والقراءة لا ينفصل الأمر عن قوانين السوق. تلك سوق ضخمة وقائمة بحد ذاتها.

نعوم كوهين، يتطرق في تقريره الذي نشره بتاريخ 30 أبريل/ نيسان 2014، في صحيفة "إنترناشيونال نيويورك تايمز"، إلى رفع جهة دعوى قانونية لسحب كتابات كل من كارل ماركس، وفريديريك أنجلز من شبكة المعلومات، في المقابل، هناك مجموعات وقعت عريضة تذهب في الاتجاه المعاكس، ضد فكرة المطالبة بحقوق المؤلف للكاتبين. الغريب في الأمر أن الدعوى مرفوعة من قبل ناشر يساري هذه المرة. نعم ناشر يساري! هنا ملخص لأهم ما جاء فيه:

الأرشيف الماركسي على الإنترنت، هو موقع مكرس للكتّاب والمفكرين الراديكاليين، تلقى مؤخراً رسالة بالبريد الالكتروني نصها: "يجب سحب مئات من أعمال كارل ماركس وفريدريك أنجلز أو مواجهة عواقب قانونية".

التحذير لم يأت من تكتل وسائل الإعلام متعددة الجنسية ولكن من ناشر يساري صغير "لورنس وويشارت"، الذي أكد ملكية حقوق الطبع والنشر لـ 50 مجلداً، في طبعتها الإنجليزية هي كتابات تعود إلى كارل ماركس وأنجلز.

بالنسبة إلى البعض، مثل ذلك الطلب والموقف هو خلاف "الرفاقية" (من الرفيق) المعروفة في الاشتراكية والشيوعية، صادر عن أشخاص راديكاليين يقومون بما يشبه نشر وتعميم الأداة الرأسمالية من قانون الملكية الفكرية للحفاظ على كتابات ماركس وأنجلز خارج فضاءالإنترنت. ولم يكن ذلك خسارة لمؤيدي الأرشيف فحسب؛ وخصوصاً أن الموعد النهائي للامتثال للطلب جاء عشية الأول من مايو/ أيار، وهو يوم العمال العالمي.

"ماركس وإنجلز ينتميان روحيا إلى الطبقة العاملة في العالم، إنهما بتلك الأهمية"، ذلك ما قاله ديفيد والترز، وهو أحد منظمي الأرشيف الماركسي. وأضاف "في اعتقادي أن ماركس كان يريد توزيع أغزر قدر من أفكاره، وبأية طريقة ممكنة - لم ينجز كل تلك الأفكار من أجل المال".

ومع ذلك، قال والترز، إن الأرشيف يحترم حقوق التأليف والنشر، والتي تغطي الأعمال المترجمة، وليس النسخ الأصلية الألمانية التي تعود إلى القرن التاسع عشر.

يوم الأربعاء (23 أبريل/ نيسان 2014)، أزال الأرشيف الكتابات المتنازع عليها مع مذكرة تحوي إلقاء اللوم على الناشر وعنواناً واضحاً: "الملف لم يعد متوافراً!"

المعركة على الانترنت من أجل السيطرة على أعمال ماركس تأتي في لحظة تاريخية، عندما وجدت في أفكاره صلة جديدة، سواء بسبب الأزمة المالية في العام 2008 التي هزت ثقة الناس في الرأسمالية العالمية، أو لأنه مع مرور الزمن، أصبح اسم ماركس أقل تقييداً لإرث الاتحاد السوفياتي السابق. ومن المستبعد أن يعود الكتاب الأكثر مبيعاً للخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، إلى مكانته، وهو يذهب في ذاكرة أعمال ماركس، ودراسة الاتجاهات التاريخية تجاه عدم المساواة في الثروة.

وقالت مدير التحرير لدى شركة النشر "لورانس وويشارت"، وتقع شرق لندن، سالي دافيسون، إن الهدف هو خلق طبعة رقمية لبيعها للمكتبات بدلاً من النسخة المطبوعة، والتي تكلف نحو 1500 دولار للخمسين مجلداً.

وأضافت "خلق استراتيجية رقمية هو مفتاح بقائنا". نحن نتفاوض حالياً مع شخص ما، لهذا السبب طلبنا سحْب الأرشيف. من الصعب بيعها (المجموعة) لأمناء المكتبات إذا كان الإصدار موجوداً فعلاً على شبكة المعلومات".

"لورنس وويشارت" كمؤسسة، فقدت الحجّة على الانترنت، إلا أن الناشر قال إنه تلقى نحو 500 رسالة بريد إلكتروني غاضبة، على غرار "كيف يمكنك أن تقول إنك راديكالي؟" هناك أكثر من 4500 توقيع على عريضة على الإنترنت تعارض فكرة المطالبة بحقوق المؤلف لكتابات ماركس وأنجلز. العريضة تستشهد بالتناقض، مشيراً إلى أن اثنين من الفلاسفة "كتبا ضد احتكار الرأسمالية وجذرها والملكية الخاصة، طوال حياتهما".

وقالت دافيسون: "كنت مندهشة لرؤية (لورنس وويشارت) وقد تم تدبير وضعية لها كي تبدو ظالمة. ولدى الناشر اثنان من الموظفين بدوام كامل واثنان من العاملين بدوام جزئي وبالكاد يلبّون احتياجاتهم، ينشرون عدداً قليلاً من المجلات مثل دراسات الفوضى، ونحو بضع كتب يسارية في السنة. وقالت: "ليس لدينا أية أرباح ولا ندفع بشكل جيد".

ودافعت دافيسون عن موقفها بالاقتباس من ماركس حول التأثير الذي يجب أن يتكيّف مع ظروف العالم الحقيقي: "نحن لا نعيش في عالم يتقاسم فيه الجميع كل شيء. كما قال ماركس، وأنا هنا أعيد الصياغة: نحن نصنع التاريخ الخاص بنا، ولكن ليس في ظروف من اختيارنا".

حاول الناشر أيضاً قلب الطاولة على منتقديه متسائلاً عمّا إذا كان واقعاً أنها راديكالية الاعتقاد بأنه لا توجد ملكية لمحتوى المنتج من خلال عمل جاد، مثل الترجمة الضخمة وحواشي وملاحظات حول أعمال ماركس وأنجلز، وهو مشروع موجّه في البداية من قبل الاتحاد السوفياتي (سابقاً) في أواخر ستينيات القرن العشرين، والذي امتد إلى نحو 30 عاماً من التعاون بين العلماء في جميع أنحاء العالم.

في مذكرة على موقعها، قالت "لورنس وويشارت"، بأن الانتقادات لم تنطوِ على التقاليد الاشتراكية والشيوعية، ولكنها تعكس "ثقافة المستهلك الذي يتوقع المحتوى الثقافي ليتم تسليمه مجاناً للمستهلكين، تاركين العاملين في الحقل الثقافي مثل الناشرين والمحررين والكتاب من دون أجر، بينما الناشرون الكبار ووسائل الإعلام الأخرى والتكتلات الكبيرة تستمر في الإثراء من خلال الإعلانات وعائدات استخراج البيانات".

وأشار البيان إلى أن العديد من أعمال ماركس وإنجلز - بما في ذلك "البيان الشيوعي" الذي يحث على "يا عمّال العالم اتحدوا!"، متاحة بحرية للترجمة على الأرشيف غير الربحي وغيره من المواقع.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:31 م

      ابتزاز رخيص

      لكن لن يتم احتواء اعمال ماركز وانجلز بسبب رأسمالي وضيع مثل هذا الناشر.

اقرأ ايضاً