العدد 4383 - السبت 06 سبتمبر 2014م الموافق 12 ذي القعدة 1435هـ

هل سيرفض الإنسان أن يموت مرتين؟!

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

من يُصدق ان ينتحر هذا الممثل الاميركي (روبين وليام) من الاصل الاسكتلندي واللذيذ الاداء والطلعة الكوميديان المشهور، وروبين هو اسم البلبل بالانجليزية، هذا البلبل الذي َغرد في التمثيل والافلام المتنوعة الرائعة، والحائز على الجوائز!

لماذا ينتحر الانسان ويصل لمرحلة السقوط، ويُقرر فجأة الرحيل رغم انه كان يُخطط لمشاريع افلامه القادمة؟

وعوضاً عن ذلك يذهب الى حجرته ويُقطع اوصال يديه ويَشنقَ نفسه. زعلتُ وتأثرتُ كثيراً عليه، وبقيت حيرى من امري ومفاهيمي للحياة، لماذا يُفكر انسانٌ ناجحٌ والذي تزوج لثلاث مرات وله ابنان وابنة ويحبهم، ويعيش مع زوجه سعيداً، ولديه كل ما يتمناه المرء! قُمة من النجاح، مال وبيت وعائلة وشهرة وماذا بعد؟! ويقرر الرحيل بهدوء! وبقدر زعلي عليه لامسني حزنه قبل الرحيل وبعد ان عَرفت سبب انتحاره بدأت أُدرك حقيقة امره وربما اثني على شجاعته وانتحاره.

نعرف جميعاً ان المبدعين هم الاكثر حساسية وهي التي لا تستمتع بالحياة الا من خلال العطاء المُميز المتجدد، وتنتهي حياتها حالما تتوقف!

وروبين هو احد ضحاياها والذي اعطته كل شيء! كي تَسحب البساط من تحته فجأةً ولايقاعه في فخ الموت المؤجل، حينما تم تشخيصه بمرض الباركنسون (parkinson diease) هذا المرض الذي يُميت الفرد قبل ان يموت بسحب كل صلاحياته للحياة تدريجياً وقدرته للتحكم باطرافه من المشي أو الاكل أو حتى الكلام بسبب التقلصات اللاارادية في العضلات وضمورها تدريجياً في كل جسده بما معناه الموت البطيء! وخاصةً انه كان مصاباً بالاكتئاب كمعظم المُبدعين حيث انه جزء مُكمل للابداع كما يقال، ولم يقبل التنازل بالعيش معوقاً بعدما كان ملء العين والبصر، لم يقبل ان يحزن على نفسه وان يُحرم من التمتع في الحياة كما عَرَفها، ولم ينتظر نظرات الشفقة وعطف الآخرين، وتمكن من انهاء حياته وقبل ان ُيِدفن حياً في المستشفيات وبيوت الرأفة، وكان شجاعاً بالموت شامخاً وفي عز عطائه.

قد ينتابنا الحُزن والخوف رغم كثرة ما حققناه في الحياة من نجاحاتٍ، ونشعر بالوحدة احياناً تُقطع اوصالنا! ان الانسان يأتي الى هذا العالم ويرحل وحيداً، ونشغل المسافة ما بينهما بتواجدنا مع الآخرين من الاهل والاصحاب، وفي العمل المُضني لننسى معها هموم غربتنا الحياتية وسبب وجودنا، علَ ذلك يُنسينا الالم المكبوت والمكنون من الوحدة، هذه كانت مشكلة روبين حينما قال (انه لا يسعه التخلص من الوحدة والفراغ الداخلي حتى عندما يكون مع الجموع الغفيرة). ان لكُلٍ بصمته الخاصة على الحياة، كيف تبدأ بالاحلام والسعي للمزيد وكيف تنتهي، لنشعر بعدها بالتعب والخواء، والسقوط في فخ العدمية واللعب بالاوهام والسير الى المجهول، ولندرك انه مهما كان مشوارنا فهو حتماً سيتضاءل يوماً ما، اما بسبب الامراض أو الموت الدائم أو المؤقت والذي يموت فيه الانسان قبل ان يموت!

والسؤال هنا، هل يحق للفرد انهاء حياته وتحديد وقت الرحيل؟

لقد كان الهنود الحُمر يقررون وقت الرحيل حينما يشعرون بعدم تمتعهم أو لمرضهم، فيودعون اهاليهم والعالم وينزوون بعيداً ويجلسون تحت شجرة ويمتنعون عن الاكل، للرحيل للعالم الآخر، هكذا كانوا ينتحرون بطيئاً في الماضي، وهو انتحار السرعة في ايامنا. وفي كلتاهما ارى شجاعة البشر في الرحيل طوعاً، ولايزال الامر محتدماً في المستشفيات عالمياً، في الحق في القتل الرحيم للنفس للمرضى الذين ماتوا اكلينكياً لانهم يعيشون على المكائن... الله يُجيرنا، وحيث ان الله قد حرّم قتل النفس في الاديان السماوية وذِكر ذلك في القرآن الكريم (ولا تقتلوا انفسكم ان الله كان بكم رحيماً. ومن يفعل ذلك عدواناً وظُلماً فسوف نصليهِ ناراً) النساء: 29 - 30.

هي حكمة الله في الوجود، ولكن يبقى السؤال، مع تقدم الحضارة، هل سيقبل الانسان ان يموت مرتين؟!

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4383 - السبت 06 سبتمبر 2014م الموافق 12 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 5:34 ص

      كلام منطقي وحساس

      يدل ذلك على حساسية البشر تجاه الكون وليش البعض تعطيهم الدنيا كل شي وبعديين تهدهم وتنزلهم اسفل السافلين هل هو الكون اللقبيح اللي مله ضمان علنا نشكر الل على كل نعمه وفي كل يوم نصلي انا صاحيين ونموت موته طبيعيه آميين

    • زائر 3 | 5:34 ص

      الانتحار

      انا مصاب بالاكتئاب ولكن لا يمكن أن أفكر بالانتحار لانني بكل صراحة مؤمن بالواحد القهار وبعذابه الاليم بعد الموت الانتحاري ولو كان غير الايمان بالله وبوعيده لكنت أحد ضحايا ذلك العمل الشنيع لان الانسان المصاب بالاكتئاب لابد من الافكار التي تراوده بين الحين والاخر ف الانتحار للتخلص من حالة الاكتئاب المؤلم حقاً والعياذ بالله.

    • زائر 2 | 2:16 ص

      الرحمه الالهيه تتسع لكل البشر والاديان

      ولكن الله رحيم لا يعذب انتقاما أنما عقابا وفيه رحمه ولو كنا في موقعه لفعلنا الشئ ذاته

    • زائر 1 | 1:20 ص

      شكراً للكاتبه

      من كان الله والإيمان باالله في قلبه لا يفكر أن ينهي حياته لأي سبب فالإيمان بالله والبلاء والقضاء والقدر هو من يمنع المؤمن من الإنتحار

اقرأ ايضاً