العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ

الآجل الجيِّد والعاجل السيِّئ عند الإيرانيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كل شيء يبدو ممكناً في السياسة. هذه ليست نظرية، بل هي نِتَاج التجربة. فالأصل، هو أن الأحداث عبارة عن «انزياح أحمال» تتبدل مواقعها نتيجة تدافع إرادي يُقصَد به معالجة نقاط محددة في السياسة، لكن مضاعفات تلك المعالجة تؤثر بصور مختلفة على النقاط المستقرة الأخرى، بالضبط كما يفعل العلاج المركّز على الخلايا السرطانية المراد إذابة نواتها، وبالتالي جعلها مُعرَّضة للضرر والتبدل.

لكن وفي أحيان أخرى يكون التدافع غير إرادي، ويفرض أوضاعاً جديدة مُرغِمة لكافة الأطراف، بحيث يرى الحلفاء أنفسهم في حالة خصومة، في الوقت الذي يجد المُتَعادُون أنفسهم في حالة تحالف. هذان النوعان من التدافع الإرادي واللاإرادي وليس لهما أجل مُسمَّى يُبرم بشكل هندسي ومعلوم، بل هو يأتي على حين غرَّة أو متدحرجاً، وهو ما يجعل العمل السياسي كناتج عنهما أكثر حذراً وبالتالي يؤثر على سَيْرِه ومداه.

فالأحداث تكبر وتتوسع نتيجة تضارب المصالح وعدم التوافق حولها، الأمر الذي يجعل سرعة تعاظم حجمها وتوسعها أكبر من قدرة السيطرة عليها من قِبَل الدول ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بها، وهو ما يجعل الزمن والممكن في حركتها بلا ملامح ولا توقعات، فيصبح ما أشرنا إليه من اختلال في الميزان.

انظروا إلى كافة الأزمات العالمية من حيث حجمها وتوسعها، ثم التسابق على لجمها دون جدوى، وكيف حدَثَت وإلى ما آلت إليه الأطراف المتورطة فيها من تقارب أو تباعد. الأزمة الأوكرانية. أزمة بحر الصين الجنوبي. أزمة بحر قزوين. أزمات الربيع العربي الملتهبة كليبيا ومصر وسورية واليمن. ثم أزمة العراق. الأزمات الاقتصادية. حركة واتجاهات المنطقة البوليفارية في أميركا اللاتينية، وغيرها من الأحداث، التي خلقت أوضاعاً جديدة.

وعندما نقول ذلك، فإن الأهم هو التدقيق في مسار تشكُّل الصداقات والعداوات الناشئة. فالدول عندما ترى نفسها قِبالة دول أخرى وعلى حين غُرَّة نتيجة انزياح الأحمال، فإنها لا تسعى مباشرة للقبول بما جرى لا من حيث الإقرار به كواقع (والتي لا خيار لها فيه)، بل من خلال قيامها بتحسين موقعها في التحالفات الناشئة بطرق متعددة كي تنال مكاسب أكبر. والأطراف هنا وضمن هذا المسار تفتح عيونها على الخواصر الرخوة لدى الطرف الآخر بهدف التأثير عليها من خلالها.

دعونا نُسقِط هذه المعادلة على إحدى صور التحالفات الجنينية الناشئة والسياسات المحيطة بها نتيجة التدافع اللاإرادي. فقبل أيام، قرأتُ تصريحاً ملفتاً للناطق الرسمي السابق باسم الخارجية الإيرانية خلال حكومتَيْ محمد خاتمي وأحمدي نجاد، وسفير طهران السابق لدى دولة الإمارات العربية المتحدة حميد رضا آصفي في مقابلة خاصة أجرتها معه وكالة مهر للأنباء شبه الرسمية. آصفي قال: «إن التوصل إلى اتفاق جيد للموضوع النووي في فترة طويلة أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ في فترة قصيرة». ثم قال: «إن هدف إيران ليس التوصل إلى اتفاق مع المجموعة السداسية وإنما ضمان الحقوق المشروعة والعادلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال الأنشطة النووية». لكنه قال بأن: «شهر سبتمبر/ أيلول الحالي سيكون حاسماً في المفاوضات النووية، وهذا رهن بالمفاوضات الثنائية مع الجانب الأميركي».

إذاً وبناء على ذلك التصريح، نحن نتحدث عن عقدة اتفاق هو رأس جبل لتقارب أنتجه التدافع، وتجري خياطته بإتقان. فهذا الدبلوماسي الإيراني ينصح قادة بلاده بعدم توقيع اتفاق سريع «سيء»، بل التمهُّل حتى ولو استطال الزمن لتحقيق اتفاق «جيد». وهو يعني ضمن ما يعنيه، أن سعيكم في ذلك يتطلب سياسات ضاغطة باتجاه الخصم كي يقبل بشروط وسقف أعلى من الحالي. قالها صراحةً معلّلاً ذلك بأن واشنطن تواجه تحديات اقتصادية وأمنية كالتحالف ضد الإرهاب، ما يعني الولوج إليها من هذه الملفات.

في السياق ذاته وخلال استقباله أعضاء مجلس خبراء القيادة في ختام اجتماعهم السادس عشر، قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بأن «العالم يتجه نحو بناء نظام عالمي جديد بعد انهيار النظام الذي بني على يد الدول الغربية قبل 70 سنة»، في الوقت الذي شنَّ فيه هجوماً لاذعاً على واشنطن قائلاً: «منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن حاولت إسقاط أكثر من 50 دولة، وقامت بقمع عشرات التحركات الشعبية التي أرادت التغيير والإطاحة بالأنظمة القمعية»، وهو على حد وصفه «يدل على مدى الانحطاط الفكري والثقافي للولايات المتحدة».

طبعاً حديث خامنئي الحاد، وقبله آصفي، وما يترتب عليهما من سياسات «ربما» تنطوي على تنمُّر أو إضرار متعمّد بالطرف الآخر لتحقيق مكاسب محددة، لا يعني أن هناك قطيعةً بين الطرفين، فالمساران متلازمان. وكلنا يعلم أنه في الوقت الذي تقول فيه طهران ذلك، هناك اجتماع «نووي» في جنيف بين الفريقيْن المفاوضيْن الأميركي والإيراني، الذي ضم عباس عراقجي ومجيد تخت روانجي وحميد بعيدي نجاد، وخبراء من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وهما محمد نيا وأميري ورحيميان. ومن المتوقع أيضاً أن يقوم مساعدو وزير الخارجية الإيراني بزيارة لكل من ألمانيا وبريطانيا لإجراء محادثات ثنائية أيضاً.

الإيرانيون والأميركيون هما في مسار صياغة نظام مصالح مشتركة بينهما. وربما نرى ونسمع العديد من المماحكات المتبادلة، لكنها لن تكون سوى عض أصابع.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4384 - الأحد 07 سبتمبر 2014م الموافق 13 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:14 ص

      الامر الغريب هو

      في الاونة الاخيرة صار الاعلام الايراني يركز على دور الولايات المتحدة لافشال الاتفاق مع ايران

    • زائر 2 | 1:50 ص

      يجب على الايرانيين ان يفهموا هذا الامر جيدا

      مثلما فعلت الصين الشيوعية فعلى إيران الإسلامية أن تسوي مشكلاتها مع امريكا وباسرع وقت

    • زائر 1 | 10:29 م

      مـنـصـور الـعـودي

      سابدأ من حيث انتهيت في مقالك سيدي الكريم اصبت كبد الحقيقه فالسياسه الأمريكيه والأيرانيه كما قلت في مسار صياغه نظام مصالح مشتركه بينهما وربما نرى ونسمع العديد من المماحكات المتبادله لكنها لن تكون سوى عض اصابع صدقت اخي الكريم ومقالاتك جميله وثقافيه بحته لكل مطلع ع مقالاتك تحيااتي لك !!

اقرأ ايضاً