العدد 4387 - الأربعاء 10 سبتمبر 2014م الموافق 16 ذي القعدة 1435هـ

الذكرى الـ 65 لقيام جمهورية الصين الشعبية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يمثل قيام جمهورية الصين الشعبية علامة فارقة ليس فقط في التاريخ الصيني بل في التاريخ العالمي من أكثر من زاوية.

الأولى: تغيير الأوضاع الإستراتيجية الدولية، حيث انتقلت الصين من حليف للولايات المتحدة إلى حليف للاتحاد السوفياتي.

والثانية: انتقلت الصين من عدو لحركات التحرر الوطني إلى سند قوي لحركات التحرر الوطني، وخصوصاً بعد لقاء قادة آسيا وأفريقيا في مؤتمر التضامن الإفريقي الآسيوي في باندونج في أبريل/ نيسان 1955.

الثالثة: في تاريخ العلاقات العربية الصينية، إذ أن لقاء باندونج حول الدول العربية الجمهورية بوجه خاص إلى مصلحة الصين والاعتراف بها، وكان أول من اعترف بذلك مصر جمال عبد الناصر، وتلاها سورية ثم اليمن والعراق وهكذا.

الرابعة: التغير في اختيار طريق التنمية، فأصبحت التجربة الصينية تجربة رائدة في تحقيق التحرر الوطني عبر نضال دام زهاء ثلاثين عاماً، منذ قيام الحزب الشيوعي العام 1921 إلى وصوله السلطة في بكين في أكتوبر/ تشرين الأول 1949، واختيار طريق الاشتراكية والتعاون مع الاتحاد السوفياتي، ثم حدوث الخلاف الصيني السوفياتي الذي كان خلافاً ثلاثي الأبعاد: اختلاف مصالح، واختلاف إيديولوجيات، واختلاف قيادات. ولا مجال لشرح ذلك تفصيلاً، وإنما يكفي فقط أن نشير إلى نتيجتين من نتائج ذلك الاختلاف:

النتيجة الأولى هي تراجع الموقف الدولي للصين لدى الدول النامية التي كان معظمها يتأثر بالاتحاد السوفياتي، ومن ثم عرفت هذه الدول، حزبين شيوعيين هما حزب مؤيد للصين وهو قليل العدد، وحزب مؤيد للاتحاد السوفياتي وهو الحزب الأكبر والأهم.

والنتيجة الثانية هي تراجع الحركة الآفروآسيوية، فقد ترتب على الخلاف الصيني السوفياتي، وكذلك على الحرب الصينية الهندية، انقسام الدول الأفريقية والآسيوية حتى انعقاد المؤتمر الثاني للحركة متابعة لمؤتمر باندونج في أوائل الستينيات، وكان المؤتمر الثاني قد تقرّر انعقاده في الجزائر حديثة الاستقلال آنذاك، ولكن الإطاحة بأحمد بن بيلا أطاح بالمؤتمر بالضربة القاضية، وقوى جناح المعارضين، وهكذا تراجعت الحركة الأفروآسيوية إلى حركة شعبية من مثقفين، بعد أن كانت حركة رسمية من القيادات الحاكمة. ولكنها مع ذلك ولدت حركة أكثر قوة وتماسكاً آنذاك، وهي حركة عدم الانحياز. ولكن الصين لم تنضم إليها بحكم كونها دولة شيوعية، وكانت الحركة الجديدة على الحياد في الصراع الدولي بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، كما كانت على الحياد في النزاع الصيني السوفياتي، واستفادت دولها في حالتي الحياد آنذاك. وقد ظلت الدول النامية مؤيدة لاستعادة الصين الشعبية لمقعدها في الأمم المتحدة، ولكنها رفضت التورط بوجه عام في الخلاف الصيني السوفياتي كدول ذات سيادة تنتمي لحركة عدم الانحياز.

ثم جاءت الثورة الثقافية الكبرى التي كانت النقلة الثانية في مكانة الصين وفي مخيلة العالم عنها، وهي نقلة تقوم فيها قيادة دولة بإطلاق ثورةٍ ضد كبار المسئولين فيها وتتوقف الحياة العلمية والأكاديمية والتطور الاقتصادي وتشهد صراعا داخلياً امتد عشر سنوات، وقائد الثورة هو قائد الصين ذاتها، وهذا ليس من الأمور المعهودة في السياسة الدولية ونظم الحكم، أما الدلالة الرئيسة فهي تأثير تلك الثورة على خيال الشباب والشعراء والمثقفين في الدول الغربية وخصوصاً أوروبا وبالذات فرنسا وإيطاليا، وعلى الدول النامية أيضاً، فقد شعر كثيرون بأن الثورة الثقافية ضرورية، وإنها تعبر عن التقدم والتجديد خصوصاً أنها انطلقت في إطار ما عُرف بـ “ثورات الشباب” في العالم بأسره، التي انطلقت العام 1968، وتكاد لا تخلو دولة من تحركات شبابية آنذاك، ولكن الفارق الجوهري أن ثورات الشباب كانت ضد النظم القائمة في بلادها وهدفها الإصلاح والمشاركة، وانتهت خلال بضعة شهور، أما الثورة الثقافية فقادها زعيم الدولة ضد من اتهمهم بالمنحرفين والمراجعين في الفكر وأصحاب السلوك البرجوازي، وامتدت أكثر من عشر سنوات، فأصابت الدولة بمخاطر جمة.

ولذلك جاءت النقلة الثالثة بزعامة دنج سياو بنج وإطلاقه مبادرة الإصلاح والانفتاح العام 1978 وإحداث تغير نوعي في سياسة الصين الخارجية، وفي تطورها الاقتصادي، وفي وضع القوى السياسية في المجتمع؛ وهذا حديث طويل، ولكن يكفي أن نشير إلي أن هذه النقلة الثالثة حققت التقدم الأسطوري للصين، الذي أطلق عليه المعجزة الاقتصادية. بل يمكن القول إنه معجزة شاملة، فقد تقدّمت الصين اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجياً، وتغيّرت محاور سياستها الخارجية، وبرزت طبقة جديدة ذات ثروة، وعادت للظهور سلوكيات اجتماعية سلبية منها ظاهرة الفساد الذي تحدّث عنه لاحقاً بوضوح الرئيس السابق خوجنتاو ورئيس وزرائه، أما الرئيس الحالي شي جينبنج فقد كان أكثر وضوحاً في التحدث عنه وفي الحرص على معاقبة الفاسدين وبناء صين جديدة.

يمكن القول إنها صين القرن الحادي والعشرين بإطلاق طريق الحرير الجديد وحزامه الاقتصادي، بهدف إعادة تواصل الصين الحضاري مع آسيا الوسطى وغرب آسيا، وصولاً إلى أوروبا عبر قوة الربط الحضاري المحورية وهي الشرق الأوسط، والتي تحوّلت لتصبح قوة وركيزة اقتصادية وخصوصاً منطقة الخليج العربي، لما بها من ثروة نفطية، ورأسمال وفير، وسوق متنامي.

تلك نظرة عابرة على تاريخ الصين الشيوعية ما بين 1949- 2014، وبهذا نقدّم موجزاً لمن يتابع، ونقدّم نبذة عن الصين في كبسولة لمن لا يتابع حتى يتعرّف على الصين ويزداد إيماناً بأسباب نجاحها، وهو أن العمل الجاد هو طريق التقدم، وأن الانفتاح على العالم، في أطر محدودة، هو ركيزة هذا التقدم.

ونهنئ الصين وشعبها وقيادتها بهذه الذكرى، ونتمنى لها مزيداً من التقدم والصعود في معراج القوة التي تحرص على المواقف الايجابية، وتتمسك بدفاعها عن الدول النامية وخصوصاً القضايا العربية، وفي صدارتها قضية فلسطين وضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف. والصين كقوة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، عليها مسئولية رئيسة لإحقاق العدالة الدولية، ولعدم الانسياق في الدعاوي التي تروّجها قوى أخرى عالمية ذات مصلحة خاصة بالعالم العربي وأفريقيا، وتسعى لتصوير الصين بأنها قوة استعمارية جديدة. وهذا ما ينبغي أن تتنبه إليه الصين، وإنني على ثقة بأنها مدركة لذلك، ولن تقع في الفخاخ المنصوبة لها وستحافظ على مصداقيتها.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4387 - الأربعاء 10 سبتمبر 2014م الموافق 16 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً