العدد 4393 - الثلثاء 16 سبتمبر 2014م الموافق 22 ذي القعدة 1435هـ

متحقق على أرض الواقع

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

مواطن يسأل والمسئول الحكومي المعني يجيب، بهكذا جواب على كل الأسئلة، جوابه واحد حتى قبل سماع السؤال، هكذا تستجيب حكومتنا الرشيدة، لكل احتياجات المواطن، الحياتية والحقوقية: “طلبكم متحقق على أرض الواقع”. فلله الحمد ليس بيننا في الوطن مَن يُنَغَّص عيشه وزوجه، بتزاحم الأخوة والأخوات، والأبناء والبنات، وأبناء الأخوة والأخوات، في غرفة مساحتها طبيعياً لفردين، فذاك المنتظر عشرين عاماً، ولم يؤوه بيت الإسكان بعد، غداً سيكون بيته متحققاً على أرض الواقع، فمن صبر نال، ولو أرضاً لكل مواطن عرضها شبر.

وكأني بذاك المواطن أبو...، كنّهِ بما تشاء من أسماء أهل البحرين، كأبناء له، فقد كان له عشماً، أنه سينال بيت الإسكان، وله من الأولاد أربعة أو خمسة، تَفْرُقُ سنوات ولادتهم عن بعضهم البعض، سنة أو سنتان أو ثلاث، كأني به رحمه الله، لم ينم تلك الليلة التي صبيحتها، توزيع القسائم الموعودة للمرة العشرين، سنة بعد سنة، ودقات قلبه تزداد سرعة وتتابعاً، وقوة خفقان. كل مرة يسمع فيها المنادي ينادي على اسم ذاك الحائز على القسيمة السكنية، وهو يلتفت يمنةً ويسرة، ليشخص في المُنادى باسمه، ممن لم يسمعه في حياته، في دهاليز الفريج أو القرية أو المدينة، ولم يسمعه ولو بذكر، على لسان أي مواطن حوته مساحة البحرين، وهكذا دواليك يتتالى النداء، وتتتالى الأسماء الغريبة، ومع كل اسم من تلك الأسماء الغريبة، يود أن يكون تاليها، اسم جاره أو جار جاره، إلى السبعين جاراً، ليطمئن أنه وجيرانه باقون في سجلات الوطن. ويسأل الله، متمتماً بشفتين تطبقان على لثة بدون أسنان، التي تثقل لفظ نطقه، ولا يستطيع تكرار، اسم المنادى عليه الغريب، ليتبعه بدعوى على من جعله أسبق من ذاك ابن الوطن، محمدٌ أو أبو خالدٍ، حسينٌ أو أبو جعفرٍ.

فلعل اسم أي من أبناء الوطن حين ينال حقاً، يفتح له باب الاحتمال، أن يكون اسمه هو التالي، خصوصاً أنه يعلم أن موظف وزارة الإسكان، قد اتصل به يطلب منه الحضور هذا الصباح، وأكّد له بقوله: “مبروك، لقد نلت بيتاً، وما بقي إلا القرعة، لكي يتحدَّد لك أيُّ البيوت الجاهزة في المشروع، يكون من نصيبك”.

وكلما علا صوت المنادي الآلي، باسم حائزٍ لبيت، وكان الاسم غريباً، تضاءل الأمل في نفسه، ووسوس له الشيطان، وتقلبت أفكار الاحتمالات، في ذهنه المتعب جراء سنين الانتظار، وجراء ما سمع وعايش مِن لؤم البعض، مِن إخوة الوطن، ومِن فعل الأغراب بما استحوذوا عليه، وأصله حقاً له ولأبنائه، أسوةً بباقي المواطنين، من وظائف وسكن وخدمات أخرى.

وفجأةً ارتسم له في الذاكرة، شريط ما جرى على ابنه، مَن بعد البكر، وهو مَن عضده على مصاعب الحياة، فتحسب ربه فيمن أهانوا ابنه بالصفع في الطريق العام، من بعد قطع رزقه بفصله من عمله، ولم يكن الصافع سوى مَن اسمه شبيهٌ بأسماء من سمع من يناديهم، أنهم نالوا خدمات وزارة الإسكان، وهو مايزال ينتظر سماع اسمه، فغص بالذكرى الأليمة التي جعلت ابنه، بعد أن كان بشوشاً، يوزع الفرح على مساحة الدار والفريج وكل من يلتقيه، أصبح يسكن في ركن قهر الدنيا، وينادي كل صباح، باقي أخوته صغيرهم قبل كبيرهم، هلِمُّوا اصحوا من المنام، فقد أزفت ساعة الذهاب للعمل.

هكذا انقلبت الحال في ذهنه، بما كان لهم يحلم، أنهم يعملون، والحقيقة أن منهم من هو مفصولٌ من عمله، ومنهم من هو مفصولٌ من مدرسته، ومنهم من هو مغيّبٌ وراء قضبان السجن، إلا أنه يرى حلمه فيهم، هكذا كل صباح.

انحدرت دمعة، سالت في شقوق علامات المشيب على خده، لتستقر متكورةً، كلؤلؤة من لآلئ هوية البحرين، في زاوية فمه، فَوَدَّ لو يلعق بلسانه ملوحة شقاء حياته، التي استقت القهر من أعماق مقل الوطن، وهو يحلم أن اسمه يذاع في مايكرفون الوزارة، وفي الغد سوف يُطبع في الجريدة، التي اعتاد أصغر أبنائه قراءتها له، ليصحو من مرارة لحظة الانتظار، ويتمم “الله يفك عوقك يا ولدي”. وفي ذات اللحظة يسمع جاراً له منادياً إياه: “ها بو ...، بعدهم ما نادو إسمك؟”، وفجأةً يرتسم أمام عينيه ابنه الشهيد الذي اغتالته رصاصات “البوليس” كما يسميهم، فغشته مسحة حزن لم تترك له سمعاً ولا بصراً، فلم يكن يسمع المنادي باسمه، ولا القائل له “مبروك، جاك البيت”، فقد مات شهيداً جراء قهر الانتظار، أن يفيض شيءٌ من خيرات الوطن، التي أصبحت أولويتها للمتنفذين، وتاليتها منحة للغرباء، فإن بقي منها شيء وهو فتات، فهو من نصيب المواطن.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 4393 - الثلثاء 16 سبتمبر 2014م الموافق 22 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 1:51 م

      من أحسن وأشرف الناس من إخواننا السنه

      أستاذ يعقوب سيادي وإبراهيم شريف ومريم الشروقي ودكتور زياد بن سند وغاده جمشير

    • زائر 22 | 6:27 ص

      المشتكى لله

      المشتكى لله المشتكى لله من ظلم الحكومة لشعبها المشتكى لله

    • زائر 21 | 5:30 ص

      اللوم

      اللوم يقع على الصامتين وبكره هم اول النادمين

    • زائر 20 | 3:09 ص

      عساني اموت وافتك من هالدنيا

      استاذ انا والله العظيم بتي الكبيرة عرست وهاكهي حامل وانا معرس 1991 وطلبي صار اللحين 1993 واللحين عندي ولد جامعي ينام ويه اخته الثانية في حجرة وهي في الثانوي ،، ياليت المسئولين والله الشيوخ الكبار يشوفون تعليقي عشان يعرفون الضيق الي احنا فيه ولا يسمعون لصوت المستشارين وانا بخلي رقم طلبي وبطاقتي عند الوسط اذا يبغونها

    • زائر 19 | 2:47 ص

      حسبنا الله ونعم الوكيل

      ادميت قلوبنا استاذي الفاضل ولكن هي الحقيقة

    • زائر 18 | 2:35 ص

      الالم والمرارة مايشعر به الا ابن البلد الاصيل

      اما الاجنبي البيت يمتلك والوظيفة عنده وابن البلد في قائمة الانتظار في كل شيء

    • زائر 17 | 2:31 ص

      فتحت جروحنا الغزيرة

      مقال يدمي القلب

    • زائر 16 | 2:29 ص

      قتلني المقال

      اه والف اه يشقى بنوها والنعيم لغيرها كذلك الحال عين عذاري

    • زائر 15 | 2:26 ص

      يعقوب سيادي :ابكاني مقالك كثيرا اقسم بالله

      بالفعل بكيت وانهمرت دموعي بغزارة من مرارة الالم

    • زائر 14 | 2:18 ص

      استاذي اشكرك كل الشكر

      لقد اجريت الدموع والزفرات المكتومة في الاعماق فالى الله المشتكى وهو خير كفيل ولجنة حقوق الانسان تشهد على نفسها بان اهل البحرين كلهم بخير ولا يوجد محتاج او معوز على هذه الارض.

    • زائر 13 | 2:04 ص

      الاخ العزيز يعقوب هذه رثائية وتعزية تدمي القلوب

      شكرا جزيلا على هذا الطرح المؤثر في الصخر فكيف بالانسان الذي له احاسيس انسانية اخوية وطنية ،بصراحة سالت قلوبنا بالدم قبل مقلنا ،لكن هل القلوب المتحجرة تفقه ما كتبت ، الله يقول بما معناه حتى الصخور يتفجر منها الماء وقلوب هؤلاء لا تلين ولاتستلين وشكرا لكم .

    • زائر 12 | 1:44 ص

      مقالك أوجع قلوبنا وأبكى عيوننا

      نعم لقد أستطعت أن تعبر عما في قلوبنا المجروحة ، فياريت لم أقرء مقالك يا أستاذ زادني ألم ليس له حدود ، نعم نحن كل يوم ننتظر فجر جديد يغير مجرى حياتنا ، نشتري الجرائد نتابع التلفزيون والراديو لسماع كلمة من جلالة الملك يثلج بها قلب المواطن ، أملنا بالله العلي العظيم كبير ..
      جلالة الملك المفدى .. المواطن أغلى ماعنده أرضه وعرضه ودينه وحاكمه.. فنحن نراك من الخطوط الحمراء الغالية في قلوبنا وأعيننا لأنك جزء من أرضنا وعرضنا أما سواك ففيه نظر... لا تخيب قلوب مواطنيك...

    • زائر 11 | 1:44 ص

      اسألك استاذ بعض الأسئلة ؟؟؟

      هل المسئولين يقرأون ما تكتبون ؟؟؟ واذا قرأو ما هو شعورهم تجاهكم ؟؟؟ هل يسمونكم مخربين او مشوهين لسمعة البلد ؟؟؟ هل تصلكم ردود فعلهم الأيجابية او السلبية ؟؟؟ هل هناك ولو مرة وصلك رد من احد المسئولين تأثر لحال الناس الذين تكتب عنهم واعلن انه يتألم لهم ؟؟؟ هل فكر هذا المسئول في الأستقالة او على الأقل ينقل للمسئول الأرفع منه معانات الناس ويقف معها حتى لو ادى ذلك لأنهاء خدماته ؟؟؟؟ اخيرا كيف يفكر المسئولون الكبار في البلد وهم يسمعون تلك الألام ونحن نرى البذخ البادي عليهم ؟ في انتظار الرد استاذي .

    • زائر 10 | 1:44 ص

      حفيد بن مهزع

      شكرًا جزيلا استاذ يعقوب على كل ما تفضلت به من قراءة لقلوب عامة المواطنين اصحاب الجذور على هذه الارض التي بدا يجني محصولها الدخيل علينا للأسف فما تلك الا نتاج للسياسات الهدامه والتبعية العمياء للخارج !

    • زائر 8 | 1:32 ص

      لعب الأجانب في البلد فأصبحت خيراتها بينهم تقسّم

      نعم اصبحت البحرين كل البحرين للأجانب يتلاعبون بخيراتها بيوت سكن وظائف خيرات هكذا ارادوها دمارا على اهلها وثراء للأجنبي

    • زائر 7 | 1:23 ص

      فوضنا امرنا لله

      يامنتقم انتقم لنا ممن ظلمنا و استباح حقوقنا و اعراضنا

    • زائر 6 | 12:33 ص

      سلم قلمك

      مقال جداً جداً رائع يحكي مأساة المواطن البحريني في بلد ضاعت فيه خيرات الوطن وأعطيت للغريب، وضاع من ورائها المواطن الشريف!؟!؟!

    • زائر 5 | 11:45 م

      مشكور استاد يعقوب على المقال الرائع

      مشكور استاد يعقوب على المقال الرائع

    • زائر 4 | 11:26 م

      حسبي الله ونعم الوكيل

      من أسماء الله الحسنى العادل، المنتقم، الجبار، فنحن نفوض أمرنا إليه. ونقول للظلمة والمتمصلحين والمطبلين حسبي الله ونعم الوكيل عليكم وكفا

    • زائر 3 | 10:41 م

      زائر

      أ. يعقوب لقد ادميت القلوب قبل دموع العيون

    • زائر 2 | 10:41 م

      لقد كانت هذه البلاد اسمها البحرين

      نعم يا يعقوب لقد أصبح المواطن ينتظر الفتات من خيرات هذا الوطن بينما الغرباء ينالهم الخير كله ، أصبح حال المواطن البحريني لا يسر حتى الغرباء وأصبح العالم يتنذر على ما وصل إليه الحال بهذا المواطن الذي أصبح غريبا في بلده خاصة ، عندما يرى أن المواطنين الجدد بأسمائهم الغريبة والتي من بينها أسماء وألقاب أصبح مادة للتنذر في مواقع التواصل الاجتماعي من كثر غرابتها عند ما يراهم يستولون على خيرات الوطن يموت حسرة ويموت غصة كل يوم حتى زوار البحرين لم يصدقوا ما وصلنا إليه من أحوال ولكن الله يمهل ولا يهمل .

    • زائر 1 | 10:32 م

      أستاذ يعقوب تشعر بما نشعر

      الآن 21 سنة طلبي الإسكاني ووصلت من العمر 52 سنة وأبنائي تخرجوا ولامأوى يضمنا ضاقت شقتي في بيت والدي وخرجت في الإيجار ومثلي أمثال من أهل البلد والأغراب يأتي وسنتين ويحصل على البيت .

اقرأ ايضاً