العدد 4396 - الجمعة 19 سبتمبر 2014م الموافق 25 ذي القعدة 1435هـ

إلى المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يختلف الكثيرون على تفسير معنى «الانتهاك الممنهج» لغياب التعريف الواضح لهذا المصطلح الحقوقي المنتشر، والمستخدم دولياً لإدانة أنظمة وحكومات لا تلتزم بمعايير حقوق الإنسان.

في السابق ترى المؤسسات الرسمية أن «الانتهاكات الممنهجة» يجب أن تكون وفق نصوص مكتوبة وقرارات، وآليات وتشريعات، ليحكم عليها بذلك الحكم، وعند اعتماد هذه المنهجية فلن تجد أية جهة تُتّهم بممارسة أي انتهاك لحقوق الإنسان! فلا أحد يصدر قراراً وتشريعاً يجيز فيه «التعذيب» مثلاً، ولن تجد دولاً تعترف بقرار رسمي ومكتوب رفضها للتظاهر أو حق التعبير، بل ستجدها عكس ذلك، تسنّ تشريعات كثيرة توحي بعكس أفعالها.

الغريب أن تقرير المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، حفل بجملة واسعة من الانتهاكات لحقوق الإنسان، ووثّق الكثير من الحالات على مختلف الأصعدة، ومع ذلك، ذكر الأمين العام للمؤسسة أحمد فرحان أن «المؤسسة لم تجد أن هناك ظاهرة للانتهاك الممنهج لحالات حقوق الإنسان في البحرين، وأن الحالات التي رصدتها هي إما حالات فردية أو وقعت عن جهل أو عدم احترام لحق الآخر كثقافة مجتمعية»!

نعلم جيداً مدى الحرج الذي قد يوقع «مؤسسة رسمية» كالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، في الحديث عن حالات «انتهاك ممنهج» لحقوق الإنسان في البحرين، ومع سردها لجملة واسعة من الانتهاكات، فهي فضلت إلصاقها بـ«الحالات أو التصرفات الفردية» على أن تكون «ممنهجة».

على مستوى الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية والمعنوية، ذكر تقرير المؤسسة الوطنية الأول الذي صدر مؤخراً، أنه «رغم الجهود المبذولة، فإن الحق في السلامة الجسدية والمعنوية لايزال عرضةً لكثير من الانتهاكات تكاد تكون متواترة (مع التركيز على كلمة: متواترة)، حيث أن الأحداث الأمنية التي تشهدها المملكة أبرزت تلك الانتهاكات من خلال الاستعمال غير الصحيح للقوة من قبل قوات الأمن العام، كاللجوء إلى استعمال سلاح الشوزن، وإلقاء الغازات المسيلة للدموع داخل المساكن والأماكن المغلقة، والقنابل الصوتية، فضلاً عن الادعاءات بالاعتداء بالضرب أثناء عمليات القبض على المشتبه فيهم». وأكّدت المؤسسة أنها وجدت حالات فيها «انتهاك هذا الحق، ونتجت عنها إصابات جسدية بعضها يصنف بالإصابات البليغة».

المؤسسة الوطنية، التي ترى أن الانتهاكات في البحرين غير ممنهجة، ذكرت في تقريرها بشأن أحداث سجن الحوض الجاف، أنها «لاحظت (خلال زيارتها السجن) وجود آثار لاعتداء شديد على أنحاء متفرقة من أجساد الموقوفين نتيجة الضرب بالهراوات من قبل قوات مكافحة الشغب على نحو يمكن وصفه بالعقاب الجماعي، إلى جانب إفاداتهم جميعاً بوضعهم تحت أشعة الشمس الحارة لمدة تصل إلى أربع ساعات متواصلة، وتعرضهم للإهانات والشتائم ذات الصبغة الطائفية».

ولكون القضية بحسب رؤية المؤسسة الوطنية «تصرفات فردية»، فإنه كان من الواجب على المؤسسة الأمنية المعنية أن تباشر بالتحقيق، والمحاسبة عبر لجنة تحقيق، لإثبات صحة تلك الفرضية، والتأكد من أن ما حدث ليس عملاً ممنهجاً، إلا أن المؤسسة وفي تقريرها ترد على ذلك بالقول أيضاً «إنها أرسلت تقريراً وتوصيات، وطالبت بلجنة تحقيق جادة» بشأن ما حدث، ولوضع تصور لإجراءات معاملة الموقوفين بمركز الحبس الاحتياطي بالحوض الجاف بما يتفق ويتواءم مع المعايير الدولية»، ومع ذلك لم تحصل على رد (حتى كتابة تقريرها) على كل ذلك من قبل وزارة الداخلية!

على مستوى آخر، وهو الحق في الحرية والأمان الشخصي، ذكر التقرير أيضاً أن «الإجراءات الأمنية الجارية أظهرت حالات كثيرة تعرض فيها حق الفرد في الحرية والأمان الشخصي لانتهاكات تمثلت في قيام السلطات بالاعتقالات التي خلت من اتّباع الإجراءات القانونية الصحيحة بشأنها، رافقها تعدٍّ على حرمة المساكن وقاطنيها»، مشيرةً إلى أنها «رصدت صوراً وفيديوهات ظهر فيها قيام قوات الأمن بتسوّر المساكن، واستعمال القوة من خلال كسر أبوابها وإتلاف الممتلكات فيها، رافق بعضها تَعدٍّ على الحق في السلامة الجسدية والمعنوية وعدم الإفصاح عن الأماكن التي يُقتاد إليها المقبوض عليه، وعدم إبراز المذكرة القضائية بالدخول والقبض، واستمرار احتجاز الفرد رغم صدور قرار قضائي بالإفراج عنه، أو احتجاز من دون توجيه أي تهم إلى عدد من الموقوفين، وعدم الإفصاح عن الجهة المنفذة لعملية القبض، وغيرها».

الحق في المحاكمة العادلة، إذ ترى المؤسسة (صفحة 55) أن هذا الحق «مازال عرضة للانتهاك من قبل بعض الجهات المعنية ممثلة في وزارة الداخلية، وهيئة شئون الإعلام، والنيابة العامة من خلال التعرض لتلك الضمانات المقررة دستورياً على نحو يمسّ جوهرها (...)»، وهنا المؤسسة تتكلم عن جهات وليس أفراد!

في باب الحق في الجنسية، تحدثت المؤسسة عن مجموعة الـ31 الذين أسقطت جنسياتهم بشكل غير قانوني ومخالف للدستور، ولا أعتقد أن إسقاط تلك الجنسيات كانت «تصرفات شخصية»!

حق التعبير، وكذلك حق التجمع السلمي، وما شهده من تشريعات تعيق وتعرقل تلك الحقوق، حتى طالبت المؤسسة الوطنية بتعديل القانون والسماح بحق التظاهر في العاصمة (المنامة) كحق من حقوق الإنسان البحريني، ولا أعتقد أن انتهاك هذا الحق كان بتصرف «فردي» وليس بقرار «ممنهج».

فهل كل تلك الانتهاكات، لا تعد انتهاكات ممنهجة، بل تصفها المؤسسة بـ«الفردية» أمر مستغرب وبشدة وغير مقبول من مؤسسة تسعى للحصول على الاعتمادية الدولية، فعندما تسرد كل تلك الانتهاكات وتعتبرها فردية، فهي بذلك تقر بأننا لا نعيش في دولة.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 4396 - الجمعة 19 سبتمبر 2014م الموافق 25 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 7:05 م

      يا هاني

      لا تنسون قضيه الطفل جهااااد السميع 10 سنواااات ضغطوووو خلو العالم تدري

    • زائر 17 | 7:14 ص

      سقف متفق عليه

      لقد حدد الحكم للمؤسسة سقفا يمكن ان تصل له في التوصيف لمحاولة طمس الحقيقة لهدفين الاول محاولة الضحك على الذقون بان المؤسسة مستقلة وبالتالي تكسب بعض المصداقية داخليا والثاني هي نيل اعتمادية الجهات الدولية. الا انهم يعرفون ان وصف تلك الانتهاكات بانها ممنهجة يخرجهم من جنة الحكم وعطاياه ولذلك فلا تقرير ضمن سقف التمويه المتفق عليه بين عراب الحكم المعارض الموالي حاليا رئيس المؤسسة وبين الحكم

    • زائر 18 زائر 17 | 11:18 ص

      تشكيك يتلو تشكيك ثم ماذا بعد

      إذا كان التشكيك في كل شيء يتم في البلد فلا أمل في توافق ولا أمل في وطن...تشككون في التقرير كما شككتم من قبل في تقرير بسيوني وكما شككتم من قبل في نوايا ولي العهد وتشككون الآن في مخرجات الحوار ..لن نؤسس وطنًا هكذا فاعقلوا رحمكم الله

    • المتمردة نعم | 6:00 ص

      المتمردة نعم

      اذا كانت التصرفات فردية فلماذا لا يعتقل هذا الفرد على الاقل ولماذا لا تحاسبه الداخلية واذا كانت فردية فهذا دليل اخر ان الية التوظيف والمعايير للداخلية تحتاج الى الوضع تحت المجهر فتوظيف هذا الكم ممن لا يراعي حقوق الانسان والضمير يدعو من حق المعارضة الدعوة الى اقالة الوزير الى اقل موظف متسبب في الجرم .الوزير يتحمل وزر موظفيه هذه مؤسسة حكومية يجب من فيها ان يحترم كل القوانين وليست صندقة او كونتر لبيع الكب كيك

    • زائر 15 | 3:58 ص

      يجب أن نشجعها

      المؤسسة تحتاج إلى التشجيع، ولا يمكن أن تصعد الجبل مرة واحدة لابد من التأني وهي خطوة في مشوار الألف ميل

    • زائر 14 | 3:57 ص

      لا نستغرب أبداً

      لا تستغرب تبقى مؤسسة رسمية، لا يمكن أن تشطح بعيداً

    • زائر 13 | 3:57 ص

      من الواضح ان المؤسسة متسحية تقولها

      واضح المؤسسة متحية تقول أنها ممنهجة لانها فضحت كل الانتهاكات

    • زائر 12 | 3:55 ص

      نعم حقوق الإنسان

      الظاهر الفقر (بجميع أشكاله) ما يخص مؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين !!
      إذا حكومة أميركا ما تعرف معني حقوق الإنسان :(

    • زائر 11 | 2:58 ص

      نحن نعيش في غابه البحرين

      فهل كل تلك الانتهاكات، لا تعد انتهاكات ممنهجة، بل تصفها المؤسسة بـ«الفردية» أمر مستغرب وبشدة وغير مقبول من مؤسسة تسعى للحصول على الاعتمادية الدولية، فعندما تسرد كل تلك الانتهاكات وتعتبرها فردية، فهي بذلك تقر بأننا لا نعيش في دولة.

    • زائر 10 | 2:20 ص

      كثرت التصرفات الفردية

      هذا ما بات أكثر وضوحا التصرفات الفردية هي صبغة خاصة برجال الأمن لأنهم لا يمثلون أبناء الوطن الأصليون فهم أكثر وحشية وهم يسعون للمحافظة على الدينار وإرساله للخارج مع نهاية كل شهر

    • زائر 9 | 2:04 ص

      المقال رائع يستحق القراءة

      كالعادة متألق قي ما تكتب وتقول وفقك الله

    • زائر 8 | 2:04 ص

      الجملة الاهيرة لخصت القضية

      لا نعيش في دولة... هذه هي الحقيقة بارك الله فيك وحفظك الله

    • زائر 7 | 2:02 ص

      مقال سجد الحقائق كالعادة

      شكرا لك على هذه الصراحة والادلة لاثبات الحقاءق

    • زائر 6 | 1:28 ص

      قليل من كثير

      غريب ، رجال أمن ، هيئة الإعلام الرسمية. النيابة العامة : هذه الجهات الثلاث الحكومية هي التي يقصدها التقرير الرسمي للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أنها مارست وبشكل واضح إنتهاكات لحقوق الإنسان على نحو متواتر ومستمر.
      أقول كان ينبغي على المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن هي تراعي حقوق الإنسان أيضا وتخبره بالحقيقة لا ربع الحقيقة وتقول الملمة الشجاعة لأنه من حق الإنسان أن يعرف الحقيقة المتعلقة بالشأن العام.

    • زائر 4 | 1:18 ص

      ومن يقول غير ذلك

      وهو فعلا نحن لا نعيش في دولة،وهل تعتقد غير ذلك، لو كنا نعيش في دولة مؤسسات كما يدعون لتم محاكمة منتهكي حقوق الإنسان أي كان رجل أمن أو شخص مدني أو شخصية متنفذة، ولكن ما نراه عكس ذلك بكثير ، الانتهاكات التي تمارسها الجهات الرسمية المختلفة لا تقول بأننا نعيش في دولة تهتم بمواطنيها ولك أن تعدد الجهات الرسمية التي تنتهك حقوق الإنسان ومن ثم تحكم إذا كنا نعيش في دولة أم لا: الإسكان ، العدل، الإعلام ، الداخلية ، التربية والتعليم كل هذه الوزارات تمارس الإضطهاد الممنهج بحق المواطنين فهل نحن نعيش في دولة.

    • زائر 3 | 12:54 ص

      بوركت ولد الفردان

      هذا قليل من كثير تم ذكره من جهة رسمية لو ان الضمير صاحي لسمعت الحقيقة لكن بريق الذهب والمركز والمستقبل يجعل من يحمل وزر غيره بعدم ذكر الحقيقة المره يسكت ليحافظ على ماهو فيه والا جميعهم يدرون من ابل المعارض السابق مع الدرازي وحتى الموالي الفرحان يعرفون حجم التجاوزات لكنه الضمير الخافت عن الحق وستظل آهات المعذبين والمظلومين في رقابهم لعدم قول الحقيقة المجردة

    • زائر 2 | 12:48 ص

      منذ السبعينات وهذا حالنا فماذا نسميه = الداخل لقسم التحقيقات مفقود والخارج مولود

      منذ وعيت لهذه الدنيا ومنذ السبعينات وقضية الداخل لقسم التحقيقات مفقود والخارج مولود وآثار التعذيب رأتها عيني على الدوام في كل من التقيتهم من الخارجين من السجن ... اقترحوا لنا اسما لهذه المعاملة : هل هي تدليك ام مساج ام ماذا

    • زائر 1 | 10:42 م

      كل هالإنتهاكا فردية يعني نحن لانعيش في دولة

      ماسمعت إشقال المتنفذ القانون لايطبق لاعلينا ولاعليكم.

اقرأ ايضاً