العدد 4419 - الأحد 12 أكتوبر 2014م الموافق 18 ذي الحجة 1435هـ

فقط للذاكرة... بين حرام الأمس وواجب اليوم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

مازلنا نتذكَّر يوم أن كان التلميح بالبرلمان ولو بشكل عَرَضي، قد يؤدّي بصاحبه إلى السجن الإداري الذي يمتد إلى ثلاث سنوات، بعيداً عن المحاكمة وإجراءاتها، في الوقت الذي كان البرلمان لدى البعض رجْساً من عمل الشيطان ومن الكبائر، وباباً من أبواب الفتن الكبرى التي يجب سدّها اتقاء شرٍّ عظيم.

الذين لمّحوا بالأمس تجاوزوا التلميح إلى التصريح ودفْع الأثمان الكبيرة والمُكلفة، لا ليصلوا إلى عضوية المجلس، وينتشلوا أنفسهم وأهليهم من فقر مقيم، وفاقة مؤبّدة، التماساً لوجاهة اجتماعية يحتاجون ربما ألف سنة كي يحققوا القريب منها. لم يتهافتوا على كل ذلك. تهافتوا على ما يُصلح شأن البلاد والعباد. تهافتوا على ما يجعل لإنسان هذه الأرض قيمة حقيقية لا يتم التلاعب بها، وبحسب المزاج الذي يتقرّر في اليوم التالي.

الذين دفعوا الأثمان الباهظة منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لم يُثروا، ولم يسكنوا القصور، ولم يستدرجوا الوكالات العالمية إليهم بتلك المطالب. ما تحقق لبعضهم تحقق قبل المطالبات تلك، أو بعدها بالجد والاجتهاد والتماس الطريق الحلال إلى الرزق، لا الوصولية والانتهازية وتسخير شبكة من العلاقات البريئة وغير البريئة لتحقيق مآرب ومصالح ومنافع وثروات، قد تكون معجونة بالظلم، وعرق الناس البسطاء، وعذاباتهم الطويلة.

والذين عارضوا وحاربوا ورأوا في تلك المطالبات ما رأوا فيها، لم ينأوا بأنفسهم عن التهافت على الترشّح، وإنفاق لا حصر له على حملات قدمت للناس الشمس في يد والقمر في يد أخرى، ليُفاجأوا مع كل صيف بانقطاع الكهرباء! قدّموا لهم السمك في البحر، ليُفاجأوا بأن البحر لم يعد بحراً، بل مدناً إسكانية مغلقة، ومشاريع لشركات آخر همّها مطالب الناس مادامت كالمنشار (طالعة مآكلة... نازلة مآكلة).

لم يعودوا فقراء وموظفين وطبّاخين، أولئك الذين شتموا وسخّفوا وخوّنوا أصحاب المطالب تلك وقتها. لم يعودوا ينتظرون أدوارهم في المراكز الصحية بكل الخدمات البائسة التي تقدّمها. لم يعد أبناؤهم ينتظرون باص “تاتا” في لهيب أغسطس ليوصلهم إلى مدارسهم وقد بلغوا حد الإنهاك ذهاباً وإياباً. لم ينتظروا موافقات لجان القروض الشخصية في المصارف كي تُمدّد، أو تعيد جدولة قروضهم. تجاوزوا كل ذلك بكثير، وأصبحوا على حساب الذين دفعوا الكُلف وضرائب المطالب بالحقوق، من نجوم المجتمع، والوجهاء وفي الصف الأول في حفلات الاستقبال الرسمي وغير الرسمي، ولتذهب عذابات الناس إلى الجحيم، وليطالب من يطالب مادامت المطالبات لا تتسق وتتفق مع أهل الحل والعقد، ولتُصب اللعنات على أصحابها والتخوين، إلى أن تأذن مصالحهم بفتح ينتظرونه على شكْل مكافآت و”شرْهات” وامتيازات، وتتغيّر الظروف والمراحل، ويتم ركوب الموجة والنعق مع الناعقين، والهتاف مع الهاتفين، والخضوع مع الخاضعين، فذلك أيسر الطرق وأضمنها لانتظار قطف ثمار الذين سعوا للناس، كل الناس، من دون النظر إلى مذاهبهم وانتماءاتهم وألوانهم، كي تصلهم حقوقهم غير منقوصة وغير مُتلاعَب بها.

بين الأمس واليوم، صار التهافت على برلمان شهِدْنا صيغته والمتاح له والمنزوع الدسم، موقفاً وطنياً يحدّد الفارق بين المسالم و”الإرهابي”، وبين “الوطني” و”الخائن”، وبين من يُفني حياته “لتقدُّم بلده” وبين الذي يعمل ضمن “أجندات خارجية” وبين “التقي” وبين “الدعيّ”.

صار من حق جناحٍ أن يطعن في الذين قرّروا ألاّ يشاركوا في مجلس التشريع فيه بيد القويّ؛ والتمرير لأُولي “السطْوة”، هو الجناح نفسه الذي حذّر الناس من فتنته يوم أن قرّرت جهة أنه فتنة؛ في الوقت الذي لا يحق لجناحٍ آخر أن يحذّر من فتنة الدخول في مجلس لن يثري منه إلا أعضاؤه، ولن يستفيد منه إلا الذين “لا حول لهم ولا قوة”، على رغم البهرجات، والظاهر من الهيبة؛ فيما عذابات الناس وفاقاتهم ومحنهم وسوء أوضاعهم في تراكم وتنامٍ.

ليت الأطراف والأجنحة على تضارب آرائها ووجهات نظرها واختلافها حول كمال الدسم من عدمه في المجلس المقبل تلتزم قناعتها من دون تخوين، وليثبت كل على موقفه؛ لكن استمرار وتكرار انتظار الانتهازيين وتلقّفهم الفرص على حساب الذين ضحّوا وسُجنوا وعُذِّبوا وشُرّدوا يقدِّم لنا خلاصة الانتهازية التي وصل إليها بعض المحسوبين على البشر، فيما الضباع أكثر نبلاً وقيمة ومعنى منهم!

فقط للذاكرة... التي يحاول بعضها أن يتبرّأ مما شهد وساهم فيه... بين حرام الأمس وواجب اليوم!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4419 - الأحد 12 أكتوبر 2014م الموافق 18 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 8:39 ص

      نعم عزيزي نتذكر

      عندما شتموا المطالبين بالبرلمان وحتى امروابسجنهم وخم اليوم يتهافتون على كراسيها لك الله يل شعب البحرين

    • زائر 11 | 6:01 ص

      الصبر

      الصبر جميل والله مع الصابرين وسيحقق المراد الى هاده الشعب المظلووووووم

    • زائر 10 | 4:36 ص

      سلاما عليك

      السلام على الوالد الغالي سماحة الشيخ عبدالامير الجمري،الذي ناضلا من اجل هذا الشعب .
      السلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا

    • زائر 8 | 2:54 ص

      قالها قبل 20 عاما وصدق

      ...................................... والان وبعد 3 برلمانات و الرابع بالطريق ما ذا تحقق للمواطن ... لو صرف علي ماصرف للبرلمان لنتهت ازمة الاسكان وشيدت مدارس و مستشفيات مكانها.

    • زائر 7 | 2:44 ص

      ............

      هذا مطبلكم ...........منذ التسعينات والان تبكون الم يكفيكم البكاء والنواح على كل فعل تفعلون تاريخكم مليء بنماذج للبكاء تقدمون على الشي ثم تبكون علية ارجعوا لصفحات التاريخ لطم وبكاء

    • زائر 4 | 1:31 ص

      احسنت

      ولا اروع.

    • زائر 3 | 12:51 ص

      المختار الثقفي

      كلمة قالها الشيخ عبدالأميري الجمري رحمة الله الواسعة عليه: ليس هذا البرلمانو (الزحرمان) الذي ناضلنا من اجله.. كلمة تختصر كل المقالات وكل الكتب....

    • زائر 6 زائر 3 | 2:25 ص

      رحمة الله عليك جمرينا العزيز

      الله يرحمه برحمته الواسعه
      المقال جميل جدا

    • زائر 2 | 11:41 م

      نعم وحينها كان الشعار

      البرلمان هو الحل وكان المطلب برلمان كامل الصلاحيات ليس كسيحا ويأتمر بالاوامر العليا

    • زائر 1 | 11:02 م

      يا ريت بقى حراما

      ياريت تمت واستمرت حرمة إنشاء البرلمان في البحرين وياريت لم تنفذ الحكومة هذا المطلب وبقي الوضع على ما هو عليه سابقا ، ماذا استفاد الشعب من هذا البرلمان الكسيح ومن استفاد غير المتمصلحين والمنافقين ، التهافت الآن على عضوية البرلمان ليس حبا في مصلحة الشعب وتشريع قوانين تفيد المواطن والوطن ولكنه تهافتا على الوجاهة وجني المال وتعديل الوضع المعيش للمترشح فقط والدليل أن نوابا منذ أربع سنوات لم يقولوا كلمة واحدة في المجلس ونسيهم مرشحيهم . ناس تموت من أجل مجلس نيابي شريف وناس تستفيد من دون تعب ولا خسائر.

اقرأ ايضاً