العدد 4427 - الإثنين 20 أكتوبر 2014م الموافق 26 ذي الحجة 1435هـ

"ذاكرة الأغنية البحرينية" للدوسري... تقصٍّ لأكثر من 116 عاماً

الوسط (فضاءات) - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

يرصْد الباحث إبراهيم راشد الدوسري، جاهداً، "ذاكرة الأغنية البحرينية (1895-2011)"، في كتابه الصادر عن كتاب "البحرين الثقافية"، الذي تصدره وزارة الثقافة. محاولة مثل تلك بتتبّع تاريخ الأغنية لأكثر من قرن من الزمن، لن تكون عملية سهلة، من دون الاتكاء على عدد كبير من المراجع التي سبقت في تناول الموضوع، ولو ضمن فترات متقطعة ربما تبدأ مع ثلاثينيات القرن الماضي، بلوغاً إلى حركتها النشطة في السبعينيات والثمانينيات، وسنوات من التسعينيات، وبالتتبع والرصد يمكن معاينة خفوت وانحسار الأغنية منذ مطلع الألفية الجديدة حتى اليوم؛ الانحسار من حيث جديتها وانتشارها.

ربما لا تضر الإشارة هنا إلى أن البحرين، ولا يقتصر ذلك على ميدان فن الغناء والموسيقى فيها فقط، تعاني من عجز توصيلي وانتشار في ما ينتجه أبناؤها على المستويات كافة، بدءا بالكتاب على اختلاف موضوعاته، مروراً بالمطبوعات الأخرى من صحف ومجلات؛ وتكاد قنوات التوصيل المتاحة والشائعة والتي باتت تقليدية نوعاً ما لتوصيل وانتشار الأغنية تتحدد في ما يملكه الآخر من منصات تتمثل في القنوات الفضائية، ومحدودية إقبال شركات الإنتاج الكبرى وأحياناً عزوفها عن تسويق الأغنية البحرينية والصوت البحريني.

وفي حدود موضوع الكتاب، لن نتجاوز التاريخ والذاكرة، وقد لا تجد كتاباً اليوم أو غداً يتناول مستقبل تلك الأغنية بالواقع الذي تعيشه والتقوقع الذي تحياه، وشح الدعم؛ بل انعدامه من قبل الجهات الرسمية.

يبدأ الدوسري في مقدمة الكتاب بالإشارة إلى الموسيقى في الأختام الدلمونية، والتي كانت ضمن الأنشطة الاجتماعية الرئيسة، بالرجوع إلى النقوش على تلك الأختام، وشيوع آلات مثل المزمار والقيثارة والكنارة والجنك، تلك التي تشبه الربابة، من دون أن ينسى الإشارة إلى المصادر التي ذكرت "أن الموسيقى في دلمون لم تعرف ضمن الطقوس الدينية"؛ الأمر الذي يكاد يكون حاضراً ورئيساً في معظم الحضارات، وخصوصاً النهرية - أو تلك القريبة منها.

لا تتوجه الكتابة هنا إلى المناقشة والقراءة؛ بمعنى استجواب ما بدا أنه وجهة نظر الكاتب وضمن هوامش محدودة؛ بقدر ما تذهب في مجملها إلى استعراض مادة الكتاب.

فنون الغناء الشعبي ودُورُه

يقدم الفصل الأول من الكتاب لمحة سريعة في مقدمته لأغاني العمل منذ اليوم الأول لإنزال السفينة إلى البحر؛ بمعية صوت النهّام، وبمشاركة الأصوات الصادرة عن الطبول والتصفيق المنتظم للبحارة بتكرار: "بالسلامة يا ملو... بالسلامة يا ملو"، وبعد إفراغ السفينة من الماء وتحميلها بالمعدات تبدأ الحدوة الآتية: "هيلي يا... هيلي يا". يسرد الفصل مراحل من العملية تلك ولكل منها حدوة.

يتناول الدوسري عدداً من ألوان الغناء؛ مضمّناً تعريفات مختصرة لها، إضافة إلى روافدها وخصوصاً ما يتعلق بفنون لِفْجري وهو "غناء السمر عند الغواصين والبحارة، ويؤدى بعد فترة انتهاء الغوص"، ومن روافده، والتي تسمى عند العامة بالفصول: "فصل بحري، فصل عدساني، فصل حدّادي، فصل مخولفي، فصل حساوي"، إضافة إلى الإيقاعات المستخدمة في ذلك الفن، كالطبل والطار والمرواس والطاس والجحلة.

في الفصل نفسه ثبْت لأعلام فن لِفْجري في البحرين، وأشهر الحدّائين، وأشهر الحفظة، وأشهر الراقصين في هذا الفن، وعازفي الإيقاعات، وبعض أسماء الدُّورِ الشعبية.

كما يستعرض الفصل الأول الفنون الغنائية النسائية، وتنوع المناسبات؛ كالأعراس والنذور والأعياد، وأشهر الفرق، والآلات والإيقاعات، ويتخلل ذلك التطرق إلى عدد من الفنون كفن العاشوري وفن الترشيدة والحفال، ذلك الذي يُتغنَّى به بعد أن تصل الزوجة إلى زوجها في الفرْشة؛ لتهدئتها وبعث الطمأنينة في نفسها، وفن الخمّاري، وقيل إن التسمية جاءت من الخِمار الذي تستر به المرأة وجهها حين رقصها، وفن النجدي، وفن اللعبوني نسبة إلى الشاعر الأشهر في الجزيرة العربية، محمد بن لُعبون، وفن الجلْوَة والردحة وفن الزار الذي كان يمارس كعلاج نفسي، وتتفرع عن ذلك الفن أنواع ثلاثة: زار الذكْر، والزار التقليدي أو زار النساء وزار الطنبورة، ويسمى أيضاً بالنوبان وغيره.

فن الصوت

في البيئات المحافظة للغناء الكلفة كبيرة؛ بالنظر إلى واقع تعاطي بشر تلك البيئات مع الذين يزاولون ذلك الفن. تظل الأمكنة المغلقة البعيدة عن الرصد والعسس هي الأمكنة التي يطمئن فيها الفن وأصحابه. الغريب أن الغناء في محصلته وهدفه، إشاعة حالة استقرار واطمئنان، فيما هو محاط بذهنية وقيود تلك البيئات؛ لذا لا ينجو في كثير من الأحيان من فترات انحسار وترهل وتلاشٍ.

ضمن الذاكرة والمرجعيات التي رصدت طبيعة وتفاصيل تلك البيئات يستند الدوسري إلى رواية الفنان سعد النوبي فيما أورده الباحث مبارك العماري في كتابه "محمد بن فارس أشهر من غنّى الصوت في الخليج العربي"، وفيه يذكر "أن المطربين وعشاق الطرب كانوا يقيمون جلسات الطرب خلسة في الليل، وكانوا يتوافدون إلى مقرات اجتماعاتهم، واحداً تلو الآخر، مخافة أن ينكشف أمرهم وينصرفون قبل طلوع الفجر، وكانوا يغيّرون أماكنهم في كل مرة خشية افتضاح أمرهم، وكان الرجال يمنعون أبناءهم من حضور جلسات الطرب وينصحونهم بعدم مجالسة الفنانين".

يستهل الدوسري عرض رواد الغناء من حيث ما تم التمكن من رصده فيما تم تتبعه، في بداية القرن العشرين، حين بدأ عبداللطيف بن فارس (1887-1961) (وهو أخ رائد فن الصوت فيما بعد محمد بن فارس)، يعلم أخاه العزف والغناء على آلة العود. لم يستمر محمد بن فارس بعد زمن في التشبث بالأسس في ذلك الفن، فراح يتمرد عليها، باحثاً عن إسلوبه الخاص، خارجاً على تقليديته، بانتقاء الكلمة، وإبداع اللحن ضمن إيقاعات جديدة وأداء مبتكر ضمن الزمن ذاك.

ولم يتأتَ له تحقيق كل ذلك بعيداً عن التأثر واكتساب الخبرات ممن سبقوه غنىً في الممارسة والتجربة، باحثاً عنهم "وأشهر من أُعجب به وجالسه وربطته به صداقة حميمة هو الفنان عبدالرحمن العسيري، وذلك في العام 1913، حيث تعرّف من خلاله على أنماط الغناء الحجازي واليمني، ودوّن فيه القصائد اليمنية المختلفة، واستفاد من أسلوب العزْف على العود عنده...".

في الفصل نفسه مساحة تتناول عصر الإسطوانات؛ إذا في العام 1925 دخل جهاز الجرامافون إلى البحرين، وكانت فترة مبكرة قياساً بالأوضاع العامة للحال المعيشية والإمكانات وشح الأساسيات من ذلك العيش في منطقة الخليج العربي. في ذلك العام بدأ "محمود الساعاتي وأبناؤه في أواخر العشرينات باستيراد الإسطوانات، والتي كان إقبال الناس عليها متواضعاً، بسبب كون أغلبية الإسطوانات عراقية ومصرية، حيث كان الناس آنذاك لا يعرفون اللهجة التي كان يغني بها مثلاً بعض العراقيين، ومحمد عبدالوهاب ونور الهدى ومنيرة المهدية من مصر".

الروَّاد في النصف الأول من القرن العشرين

في ما يشبه البورتريهات، يستهل الفصل الثالث بمحمد بن فارس، الذي اشتهر بـ "على دمع عيني"، "يا واحد الحُسْن"، "مال غصن الذهب". وضاحي بن وْلَيد؛ كما يُنطق الاسم الأخير، وهو من مواليد المحرق في العام 1896، وتوفي في العام 1941، واشتهر بصوت "دَع الوشاة"، "يا ساري الليل"، "ألا يا صبا نجْد"، "من ركّبْ الخال". ومحمد بن زْوَيِّد، وهو أول مطرب يسجّل إسطواناته في العراق العام 1929. واشتهر زويد بالمحافظة على نشر الصوت البحريني "فضلاً عن قيامه بغناء العديد من الألوان الغنائية، مثل المقام والبسته والخمّاري، وبلغت أعماله الغنائية المسجّلة 300 أغنية"، ومن أشهر أغانيه "ظريف المحاسن"، "هُم يحسدوني"، "الواحدي قال"، وغيرها من الأعمال.

في الفصل نفسه يفرد الدوسري قائمة طويلة من الأسماء أغلبها تتضمن الأعمال والأغنيات مسبوقة بالسيرة الذاتية، فيما اكتفى بقائمة بأسماء أخرى برزت في عقد الستينيات من القرن الماضي، من دون الطواف ببعض أعمالها أو جانب من سيرتها، ومن بين أسماء الفئة الأولى، عبدالعزيز بورقبة، داوود سلمان، محمد عيسى علاي، عيسى بورقبة، عبدالله أحمد، عبدالله سالم بوشيخة، محمد راشد الرفاعي، فرحان بشير، سالم بونفل، عنبر طرّار، يوسف فوني، أحمد خالد، علي خالد، أحمد سند، عرفج الرفاعي، عيسى عبدالله، علي هزيم، عبدالواحد عبدالله، حسن كلكوت، مفرّح عبدالله، ومن الفئة الثانية: سلطان حمد، إبراهيم الجودر، سبت صالح، محمد بوصقر، أحمد سند الدوسري، زايد عتيق، عبدالله علي الدوسري، سعد بن فرج الدوسري، راشد فخرو، راشد زويد، مبارك مفتاح، مبارك عتيق، خميس الشروقي، عبدالعزيز أبوالعينين، حمد المرّان، جعفر الصفافير، وعيسى بوخوّة.

الإذاعة والتلفزيون ومشوار الأغنية

في الفصل الرابع من الكتاب بعد الإشارة إلى ريادة التسجيل التي لمحمد زويد في العام 1929، ينتقل المؤلف إلى العام 1941، بافتتاح إذاعة التلغراف في منطقة الحورة بالمنامة فترة الحرب العالمية الثانية، واستضافة المطربين البحرينيين، من محمد بن فارس، وانتهاء بالمطربين الشباب وصولاً إلى المطرب عبدالله أحمد. بلوغاً إلى العام 1955 مع افتتاح إذاعة البحرين وكان مقرها في منطقة العدلية، والدور الكبير الذي لعبه مديرها الأول إبراهيم كانو في "تشجيع المطربين واستقطابهم لتسجيل أغانيهم في الإذاعة".

المساهمون في تعليم الموسيقى

في الفصل الخامس يخصص الدوسري في مطلع البحث لأسماء ساهمت في تعليم الموسيقى في البحرين، من بينهم البحريني يوسف هادي وهو من مواليد المنامة، وعبدالسلام (مصري)، إبراهيم زيدان (مصري)، الياس ميشيل (سوري)، مجدي مرزوق (مصري)، محمد كمال الدين (مصري)، مجدي عدس، ممدوح مصطفى الوراقي، عبدالمجيد نجاتي، عبدالمجيد سليم (مصري)، محمد جمال، الباحث والموسيقي المعروف، ويعتبر أول مدرس لمادة التربية الموسيقية في وزارة التربية والتعليم في بداية السبعينيات، ولجمال إسهامات كبيرة فترة التأسيس إذ تذكر مساهمته "في تثبيت عدد من الموسيقيين الشباب ليكونوا النواة الأولى لنهضة موسيقية مرتقبة، إضافة إلى الدراسة في معهد الموسيقى بالكويت".

ومن بين الأسماء، راشد مبارك الصقر، وجليل شبّر، وكان يعمل موسيقياً في فرقة بقوة دفاع البحرين منذ تأسيسها مطلع السبعينيات، وكان يعزف على آلة الكمان، وكذلك وحيد الخان، خريج معهد الكونسيرفتوار بالقاهرة، ومبارك نجم، وهو من أوائل الطلبة الذين تم ابتعاثهم لدراسة الموسيقى في القاهرة.

أوائل الدارسين في المعاهد الموسيقية

أحمد الجميري، محمد جمال، راشد الصفر، مبارك نجم، وحيد الخان، محمد باقري، خليفة زيمان، خالد خليفة، إبراهيم علي، عادل البنكي، هدى عبدالله، نورية مطر، جمال السيد، عدنان الخاتم، علي الديري، عصام الجودر، أحمد زليخ، جاسم الحربان، أحمد الحداد، سعاد الحايكي، فؤاد هجرس، عارف الزياني، خالد الشيخ، إبراهيم حبيب، جعفر حبيب، محمد حسن، فؤاد البنكي، وعباس الدرازي.

تناول الفصل السادس، الفرقة الموسيقية واستوديوهات التسجيل، والسابع، جمعية البحرين للموسيقى والفنون الشعبية، والفصل الثامن، مؤسسة صوت وصورة، أما الفصل التاسع فيرصد المهرجانات والمؤتمرات الموسيقية المحلية والعربية والدولية، ويركّز الفصل العاشر على الإصدارات البحرينية في مجال الموسيقى والغناء والفن، ويخصص الدوسري الفصل الحادي عشر للفنانين الذين أسهموا في الأغنية البحرينية، لينتهي الفصل الثاني عشر والأخير برصد الفنانين والشعراء الذين أسهموا في الأغنية البحرينية.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً