العدد 4431 - الجمعة 24 أكتوبر 2014م الموافق 30 ذي الحجة 1435هـ

مستقبل السلطة في إيران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«السُّكوت» ليس سِمَة السياسة في إيران. فمجتمعهم السياسي كثير الحديث والتعليق، إنْ بضجيج أو بهمس على حد سواء. هذه العدوى بدأت تسري الآن شيئاً فشيئاً لتلامس السُّكوت «المفروض» على مصير سلطة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي التي ظلت مهيمنة على المشهد الداخلي والخارجي لإيران.

في الثامن من سبتمبر/ أيلول الماضي، أجرِيَت عملية جراحية لخامنئي لإزالة غدة البروستاتا، بعد نصائح طبية من رئيس الفريق المعالج له. ورغم أن الرجل لم يمكث طويلاً في المستشفى، ولم يحتج للقثطار وللتخدير العام، بل وعاد لممارسة المشي الجَبَلِي بعد شهر تقريباً، إلاَّ أن مرضه فتح الباب من جديدٍ للحديث عن مستقبل السلطة هناك.

لو تتبعنا مراكز القوى في إيران، سنرى أنها تكاد تكون في: المرشد، والسلطات الثلاث، ومجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ومَجْمَع تشخيص مصلحة النظام، ثم تأتي الهيئات العسكرية والأمنية والقوى غير المرئية في الدولة وعلى حوافها، كمؤسسة الأوقاف والخامس عشر من خرداد وجماعات حزب الله وخازان زينب وألوية كربلاء وغيرها.

ولو دققنا في أعمار مَنْ يتسيَّدون على تلك المراكز سنجد أنها كالتالي: يبلغ رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي من العمر 87 عاماً. في حين كان عمر رئيس مجلس الخبراء آية الله مهدوي كنِي عند وفاته قبل أيام 83 عاماً، ونائبه هاشمي شاهرودي 67 عاماً. أما رئيس مَجْمَع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني فيبلغ من العمر 80 عاماً. في حين يبلغ المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي 75 عاماً.

أما رئيس الجمهورية حسن روحاني فهو يناهز الـ 66 عاماً. بينما يبلغ رئيس البرلمان علي لاريجاني من العمر 56 عاماً. ثم وبالتوالي: رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني 54 عاماً. قائد الجيش الإيراني عطاء الله صالحي 64 عاماً. رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة حسن فيروزآبادي 63 عاماً. قائد قوات البسيج محمد رضا نقدي 60 عاماً. قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري 57 عاماً. قائد فيلق القدس قاسم سليماني 57 عاماً.

وأمام ذلك، وباستثناء بعض ممن هم في متوسط العمر (بالمقارنة مع مَنْ هم في أعلاه) فنحن أمام طبقة روحية وسياسية وعسكرية إيرانية يصل متوسط عمرها إلى 67 عاماً. وإذا ما علمنا أن متوسط العمر في إيران هو 72 عاماً حسب آخر الإحصائيات، فهذا يعني أن الفارق بين المتوسطيْن قليل جداً. أيضاً، إذا ما عَلِمنا أن الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي (1997- 2005) قد قام بتغيير خمسة آلاف مسئول في الدولة لتحقيق تناغم مع خطه السياسي، فهذا يعني أن الأمر قد ينسحب على مَنْ أتى بهم لأسباب مشابهة.

فالجميع يعرف، أن مشكلة تقدم العمر بالنسبة للسياسيين الإيرانيين هو ليس حصراً على مَنْ ذكرناهم بل هو في عموم المسطرة الإيرانية. فإذا كان خاتمي ينتمي تاريخياً إلى اليسار الديني (روحانيون مبارز) فإن هذا التيار لازالت تهيمن عليه الجوقة القديمة، كخوئينيها وهادي خامنئي وكروبي (الذي أنشأ له حزب اعتماد تالياً) ومجيد أنصاري.

في جانب آخر وللإمساك بتاريخ الحقيقة، فإنه ومنذ العام 2007 ولغاية اليوم، توفي العديد من أعضاء مجلس الخبراء وأئمة الجمعة ومراكز أخرى في الدولة الإيرانية لدواعي تقدم العمر، كآية الله علي مشكيني الذي كان رئيساً لمجلس الخبراء، وأبو الفضل نجفي خوانساري وطاهري جرجاني وماموستا مجتهدي ومحمد هاشميان وجلال الدين طاهري اصفهاني ومحمد علي صدوقي وغيرهم كثيرون.

ولو دققنا في السِّيَر الذاتية لأغلب شخصيات الدولة في إيران حتى هذه اللحظة، سنجِد أنها عاصرت المراحل الأولى للثورة، بل ولما قبل انتصارها بعقد أو عقدين (موحدي كرماني نموذجاً)، فضلاً عن مشاركة العديد منهم (وخصوصاً) القادة العسكريين في الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت قبل 34 عاماً، وانتهت قبل 26 عاماً، وهو في حد ذاته إشكال، كونه مرتبط بشرعية الشخص وتزكيته خلال التوزير أو تسنُّم أي منصب كان.

في الحقيقة، إن أي مراقب لا يمكنه إلاَّ الاعتقاد بأن هذا الهاجس ليس بعيداً عن تفكير صانع القرار في إيران، خصوصاً أنه متعلق بأمنها القومي ومستقبل نظامها السياسي. وربما كان الإعلان عن العملية الجراحية التي أجرِيت للمرشد الأعلى في سبتمبر الماضي وتركيز الإعلام عليها له مدلول مهم، في طريقة الإيرانيين لتهيئة الفضاء السياسي والاجتماعي في إيران لتقبُّل ما لا يُمكن أن يكون في الحسبان.

وربما كان القادة في إيران قد بدأوا في تلك العملية منذ العام 2005، عندما بدأ أحمدي نجاد في توزير مَنْ هم أصغر سناً في حكومته، فضلاً عن زحزحة بعض شخصيات المناصب التقليدية كرئاسة الجمهورية والبرلمان والقضاء. وربما لوحظ أيضاً وجود مثل ذلك في الحرس بوجود قائد مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي العميد فرزاد إسماعيلي. وقد تكون «حكومة روحاني» المتقدمة في العمر حالة استثنائية لدواعي تتعلق برتق الفتق الذي حصل في إيران خلال حقبة نجاد، حيث حاول روحاني تجميع قيادات التيارات والقوى فيها.

المشكلة التي قد تواجه الإيرانيين في خلق طبقة سياسية وعسكرية جديدة، هو قدرتهم على فصل شرعية الأفراد عن الشرعية المتدفقة من التاريخ الثوري لإيران وما سبقه، وبعموم الحقبة التي كان فيها الإمام الخميني يقود المرجعية الدينية والدولة والثورة معاً. وهي مهمة لا أعتقد أنها ستكون سهلة، خصوصاً أن بناء الدولة هناك لازال يقوم عليها، حيث أثَّر ذلك حتى طبيعة العائلة السياسية في إيران وحالة التصاهر القائمة بين شخصيات الحكم في إيران، وبالتحديد مع البيت الخميني بجمران.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4431 - الجمعة 24 أكتوبر 2014م الموافق 30 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:35 ص

      نحن نعيش على الارض

      وتحكمنا قوانين وسنن تاريخية والهية حكام ايران لا يشدون عنها وكلما امتد الزمن تبعد الحكومة الاسلامية الايرانية عن منشىء وباني هذه الحكومة الامام الخميني ففي هذه الحكومة انحرافات لكنها في الخط العام تسير على نهج منشئها وبانيها نسأل الله لهم التوفيق وتجديد الدماء بقيادات شابة تحافظ على الخط والنهج

    • زائر 3 | 5:56 ص

      ارتاح

      الا اشطر منك ما قدرو يفهمون السياسة الايرانية،الامريكان وقبل ثلاثين عام اتحيرو من يكون ولي الفقيه ،القيادات الهرمة والعجوزة هي حكومات التوريث ،وانت تعرفهم .
      اللهم احفظ السيد القائد ،واحفظ الجمهورية الاسلامية

    • زائر 4 زائر 3 | 6:22 ص

      لا تبالغوا

      لا تبالغوا في أعمار الناس فرسول الله قد توفاه الله فكيف ببشر عاديين . دول كثيرة ذهبت وجاءت غيرها وهي سنة الحياة

    • زائر 2 | 5:13 ص

      حالة مشابهة

      لدينا دولة خليجية تتشابه حالتها مع حالة إيران ، ليس لديهم صف ثاني للسياسة. الفرق أن رجالات إيران كلهم أو أكثرهم متعلمون وحملة شهادات ومؤهلات عليا بينما في الدولة الخليجية يجدون صعوبة في قراءة خطاب أو بيان من سطرين.

    • زائر 1 | 3:42 ص

      النووي

      لديهم علماء من الشباب في المجال النووي

اقرأ ايضاً