العدد 4435 - الثلثاء 28 أكتوبر 2014م الموافق 05 محرم 1436هـ

الانتخابات التونسية انتصار لثقافة الحوار

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

أياً تكن نتائج الانتخابات التشريعية التي شكلت الحدث الأبرز في المشهد السياسي الراهن، فقد اجتازتها تونس بنجاح أثمر عن مشاركة شعبية مقبولة لـ 5.3 مليون ناخب، وبنسبة مشاركة بلغت 61.8 %، حيث عبّرت أطراف دولية فيها عن ارتياحها لسير الانتخابات.

ثمة أمر لابد من إقراره، أن إجراء الانتخابات بعد المصادقة على الدستور الجديد مطلع 2014، يعد استحقاقاً بامتياز لـ «ثورة الياسمين» التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأركان نظامه الفاسدين، فالثورة صمدت حتى اللحظة إزاء تحديات متعددة تم مواجهتها بوعي ومسئولية منذ فترة الانتقال الديمقراطي حتى وإن تعثرت في بعض المنعطفات مقارنةً بما آلت إليه ثورات الربيع العربي الغارقة في الفوضى والقمع والدم. والتعثر هنا يعود إلى عوامل ذاتية وإقليمية لها صلة بتنامي التطرف والإرهاب، فظروف العملية الانتخابية الأخيرة لم تكن يسيرة، لماذا؟

لأنها وببساطة شديدة، تحدّد مسار الممارسة الديمقراطية في تونس، بل وإن لم نبالغ في الواقع العربي، كما إن المنافسة فيها كانت حادةً خصوصاً بين أبرز القوى المتمثلة في حركة النهضة (إخوان مسلمين) و»حركة نداء تونس» التي يراها البعض امتداداً وجيلاً خامساً للحركة الوطنية، فيما يختلف معهم جملةً وتفصيلاً آخرون إذ يجدونها «إعادة إنتاج للنظام السابق».

توافق أم فوضى

تميزت الانتخابات بحرص الجميع على خوض معتركها بعد أعمال عنف شكلت مصدر قلق وخوف على مستقبل تونس، وحوار وطني وتوافقات عبرت فيها الأحزاب، كالنهضة ونداء تونس وغيرها، عن استعدادها لتشكيل حكومة «توافقية». فقد أكد راشد الغنوشي أن حركته «لا تمانع في التحالف مع أنصار النظام السابق وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن الحركة تعارض أي محاولة لتقسيم التونسيين على أساس ديني أو إيديولوجي أو سياسي». هذا التوافق تعارضه أحزاب أخرى باعتباره «استقطاباً ثنائياً» يشكل استفراد الحزبيين بالسلطة، فيما فسره محللون آخرون بتخلي النهضة عن حليفها المنصف المرزوقي، وفك الارتباط به وبحزبه، معتبرين أن خطاب النهضة براغماتي لحظي، وجاء لدواعٍ انتخابيةٍ ليس إلا.

في المشهد السياسي يدرك المجتمع التونسي الذي يتميز بطبقة وسطى متعلمة ومثقفة، أن لا خيار لهم إزاء خيار التطرف والفوضى إلا ممارسة العملية الديمقراطية، والأخيرة كي تتم بشكل جاد، لابد أن تترسّخ عبرها حقوق المواطنة وقيم المجتمع المدني التي تمثل ركائز أساسية تتأسس عليها دولة القانون ومؤسساتها الفعلية، وليس الشعاراتية الجوفاء الخالية من المضامين. وحتى تمضي الديمقراطية بصورة منتجة وفاعلة تبقى بحاجة مستمرة إلى حوار مثمر لا يهمش ولا يتجاوز معطيات الواقع وتعقيداته وإفرازاته حسبما تتطلبه العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية من معالجة لتركات الماضي ومخلفاته، وفقاً لمبادئ عدم الإفلات من العقاب، وجبر الضحايا ومنح حق التقاضي لمن انتهكت حقوقهم وتعويضهم، كي لا تتكرّر المظالم ويعاد إنتاج الاستبداد، فماذا يعني ذلك؟

يعني باختصار: لا ديمقراطية دون إصلاحٍ للأجهزة القضائية والإدارية للأمن والشرطة وغيرها.

ومنه يجوز السؤال: هل اجتازت تونس اختبار المرحلة الانتقالية بنجاح وهي تخوض انتخاباتها التشريعية؟

نترك باب الإجابة مفتوحاً لتقدير القارئ لاسيما وقد اعتدنا المجادلة حول مفهوم «العدالة الانتقالية»، وأسسها ومتطلباتها، بل وضرورتها للممارسة الديمقراطية والإصلاح السياسي!

مستوجبات الديمقراطية

لنعد مجدداً لانتخابات تونس. فقد قيل في علم السياسة، أنه لا يمكن الحكم على مدى ديمقراطية أي نظام سياسي بمجرد دراسة عمليات الاقتراع فيه ونتائجها فقط، إذ لابد من النظر إلى جميع مكونات وعناصر الممارسة السياسية من قوانين وتشريعات ونظم ومؤسسات وبيئة وأجواء محيطة، تمثل ضماناً للحريات الأساسية للأفراد والجماعات. يُضاف إليها الشفافية وتوفر المعلومات الدقيقة ووسائل إعلام موضوعية نزيهة لا تكذب ولا تحرف الحقائق، مع وجود مرونة تشجّع وتدفع بالجماعات والأحزاب للإنخراط في الشأن العام والمناقشات والمشاورات وتبادل الأفكار. بمعنى لا تستخدم «العصا والجزرة»، فهل مرت تونس بهذه الحالة؟

ربما أو هكذا يبدو، خصوصاً وأن تشكّل الحكومة المقبلة حسب الدستور الجديد في مادته (89) يتولاها «مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحائز على أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب (المنتخب)، وإذا لم ينجح بذلك يقوم رئيس الجمهورية بإجراء مشاورات لتكليف الشخصية الأقدر»، ما يعني أن الدستور يمنح صلاحيات واسعة للبرلمان ورئيس الحكومة «المنتخبة» مقابل صلاحيات أقل لرئيس الجمهورية. هذا من جانب، ومن جانب آخر الديمقراطية التونسية دفعت بمشاركة نحو 100 ألف مراقب في الانتخابات من جمعيات مدنية وأحزاب تونسية ومئات المراقبين من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمات دولية، علاوة على أن القانون الانتخابي لا يسمح للعسكريين وقوات الأمن الداخلي بالمشاركة في التصويت، وقد تنافست أكثر من 1300 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة على 217 مقعداً.

لكن بعض المحللين يرون أن الانتخابات جرت في مناخ انعدمت فيه الثقة بين المواطن والنخبة السياسية، بعد فشلها في استقطاب الناخب العادي، ماعدا فئة المنضبطين حزبياً، وهذا أثر في عمليات التسجيل التي شهدت إحجاما في الإقبال، مما دفع «هيئة الانتخابات» إلى التمديد لثلاث فترات متتالية، وسيادة القلق من انعدام الاستقرار والتفكك السياسي والاجتماعي من تبعات الاغتيالات والاعتداءات واستشراء العنف والتهديدات الإرهابية بإفشال الانتخابات.

في هذا السياق نوّهت تقارير متعددة إلى حالات تزوير تمثلت في بيع بعض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي تزكياتهم «تواقيعهم» مقابل مبالغ مالية، علماً بأن القانون الانتخابي يشترط على كل مرشح توفير 10 تزكيات من مواطنين أو نواب على الأقل، إضافةً إلى حضور المال السياسي بقوة، وأحد مؤشراته مشاركة بعض رجال الأعمال ممن حقّقوا ثروات بطرق غير مشروعة تحوم حول بعضهم شبهات استخدام هذا المال بخفاء لشراء الأصوات بغية النفاذ إلى مراكز القرار السياسي.

ثمة نواقص تم تداولها حول استعدادات هيئة الانتخابات المكلفة بالإشراف عليها، أما لجهة نقص خبرتها أو لتبعيتها للأحزاب وخضوعها للمحاصصة السياسية، أو إلى طعون في قوائم المنتخبين، حيث سقطت أسماء حرمت من حق التصويت. وقد تم تبريرها بأن الوقت لم يكن كافياً لأعضاء اللجنة لمراجعة أسماء الناخبين وعددهم، بالإضافة إلى خلل في الاستعدادات اللوجستية منها تأخر الإعداد للانتخابات وتغير مقار الإقتراع.

وتردد الحديث عن إهدار للمال العام في تضخم الإنفاق على العملية الانتخابية قُدّر بنحو 60 مليون دولار، منح جزء كبير منه للقوائم الانتخابية ولمترشحين غير جادين، علماً أن القانون الانتخابي ينصّ على «استرداد المال العمومي في حال لم تقم القوائم المترشحة بحملتها الانتخابية وإرجاع كامل المنحة العمومية لكل قائمة أو مترشّح حصل على أقل من 3% من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة الانتخابية أو لم يفز بمقعد في مجلس النواب.

تحديات

وبالإعلان النهائي عن النتائج التي ستكشف عن واقع سياسي دقيق، ستبقى «ثورة الياسمين والشعب يريد..» في مواجهة تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية وتنموية صعبة، حيث ارتفاع الأسعار وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وتراجع السياحة وتفشّي التهديدات الإرهابية في الداخل ومن الخارج، تحديات تختبر قدرة الاسلاميين العملية على التوافق وتقبل الآخر والاندماج في الحياة السياسية، والأهم التخلي عن الأبوية وخطاب العنف والتكفير بمؤازرة قدرة الحكومة المقبلة على تأمين الأمن والاستقرار والإصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد وشبكات التهريب.

أخيراً وبحقّ، تبقى الانتخابات التونسية انتصاراً لثقافة الحوار الجاد المفضي إلى حلول، مقابل نموذج الفوضى والقبضة الأمنية. فهل يعتبر ويتعلم غيرهم من هذه التجربة الغنية؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4435 - الثلثاء 28 أكتوبر 2014م الموافق 05 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:28 ص

      الحق

      تو نسون انت حرية حره الفال الى شعب البحرين الطيب والله اخلص شعب البحرين من ظلم الحكومة

    • زائر 1 | 1:22 ص

      قويه قويه

      ترا حزب نداء امتداد للرئيس المخلوع

اقرأ ايضاً