العدد 4436 - الأربعاء 29 أكتوبر 2014م الموافق 05 محرم 1436هـ

تونس... أطويل طريقنا أم يطول؟

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يُحسب لحركة «النهضة» الإسلامية في تونس مرونتها السياسية الكبيرة التي جنّبت البلاد والعباد مخاطر الانشقاقات والصراعات المدمّرة للبلدان.

النهضة خاضت تجربةً قصيرة وعسيرة في الحكم، بعد أكثر من عقدين من المعارضة والشتات. وحين تولّت الحكم وقعت في أخطاء عديدة، وواجهت ضغوطاً داخلية وخارجية، وكان أشدها الانقلاب الذي أطاح بحكم حلفائهم، الإخوان المسلمين في مصر، الذين وقعوا في أخطاء استراتيجية أكبر وأفظع.

المرونة التي أبدتها النهضة كانت استفادةً من الدرس المصري، فإذا كان التنظيم الأم، في البلد الأم، وبكل ما يتمتع به من نفوذ وعمق تاريخي وحضور جماهيري، لم يتمكن من البقاء في وجه العاصفة، فهل لتنظيمٍ أصغر، في بلدٍ أصغر، أن يصمد في وجه العاصفة؟

البعض اعتبرها انحناءةً ذكيةً حتى تمرّ العاصفة، والبعض فسّرها براغماتيةً وتسليماً بالأمر الواقع، فلا يمكنك في السياسة المكابرة وتجاهل حقائق الأمور، خصوصاً في بلدٍ ثار تواً على الاستبداد.

تجربة الحكم الثلاثي لم تكن مشجّعةً، وتصويت الأكثرية لحزب «نداء تونس» اعتبره بعض المحللين عقاباً على إخفاق الحكومات الثلاث التي تلت الثورة، وضياع ثلاث سنوات دون إنجازات أو تحقيق بعض طموحات الجيل الذي ثار من أجل الحرية والكرامة والخبز.

إلا أن العامل الأكثر خطورةً، هو التهديد الأمني، الذي مثّلته الحركات المتطرفة، خصوصاً مع انفلات الأوضاع في الدولة المجاورة (ليبيا) وسقوطها في حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي المفتوح، وما ينتج عن ذلك من تداعيات.

وهكذا وجد التونسيون أنفسهم بين خيارين: الإبقاء على النهضة، مع كل ما تمثله لهم من هواجس وتحالفات محتملة مع السلفيين والتغطية عليهم تكتيكياً كما فعل الاخوان في مصر؛ أو البحث عن أقرب بديل جاهز للإمساك بالحكم من أجل إعادة الأمن والاستقرار، حتى لو كان حزباً من الحرس القديم.

المؤشرات التي نتجت عن تجربة الأعوام الثلاثة الماضية كانت مزعجة جداً، فتونس أصبحت من أكثر البلدان العربية تصديراً للإرهابيين للقتال في سورية والعراق. ووزير الداخلية التونسي أعلن الشهر الماضي عن منع تسعة آلاف شاب من السفر للقتال هناك. كما تم تفكيك شبكات تعمل على تسفيرهم للخارج، بترتيبات تجريها جمعيات دينية وخيرية محلية مع دولة خليجية تدفع 3 آلاف دولار مقابل كل فرد، ولا يُعلم كم منهم بالتحديد وصل إلى سورية عبر تركيا.

في الداخل بدأت هذه الجماعات تتحدى القانون، وتقوم بعمليات اغتيال للكوادر من التيارات الأخرى، تلتها أعمال تفجير وقتل، وهو ما مثل هاجساً آخر مروعاً للرأي العام، وضغطاً إضافياً على حكومة النهضة.

وفي العام الماضي ارتبطت أكبر فضيحةٍ جنسيةٍ في العالم، فيما عُرف بـ «جهاد النكاح»، تكلّم عنها وزير الداخلية علناً أمام البرلمان، وبثتها التلفزة الرسمية أيضاً. وفي 19 أبريل/ نيسان الماضي، أعلن مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ، أن 16 فتاة تونسية تمّ التغرير بهن وإرسالهن إلى سورية من أجل «جهاد النكاح» الذي اعتبره «بغاء»، وتم إقالة المفتي من منصبه بسبب انتقاداته اللاذعة للحكومة التي تقودها «النهضة الإسلامية، خصوصاً لصمتها عن مهادنة السلطة للجماعات الإسلاميّة المتشدّدة.

المجتمع التونسي، مهما قيل عن العلمانية ودرجة التغريب ومستوى التعليم، يبقى مجتمعاً مسلماً، تهزّه مثل هذه القضايا عميقاً. فتورط مئة فتاة في هذه العملية يبقى عملاً مشيناً يمسّ الكرامة الوطنية والشعور الديني والأخلاقي لأي شعب.

حين يخضع شعبٌ لكل هذه الضغوطات، بعد ثلاث سنواتٍ ضاعت من عمر الثورة، في ظلّ وضع انتقالي مضطرب، تعاقب عليه أربعة رؤساء حكومات، فشلت في تحقيق الحد الأدنى من الطموحات، فهل تتوقّع منه أن يجدّد للتركيبة الحاكمة؟

ما حدث في جانب منه عقابٌ لهذه النخبة، (وهي ظاهرة مألوفة نجدها في العراق ومصر ودول أخرى كثيرة في الشرق والغرب)؛ ومن جانب آخر دليلٌ على عمق الإحساس باليأس، فيما لا يحمل المستقبل، مهما كنا متفائلين، كبير أمل بتغيير كبير للمعادلات على الأرض. فكوادر النظام السابق عادت لتمسك مجدداً بمقاليد السلطة، بالتحالف مع قوى اجتماعية أخرى قريبة لها في النهج والتفكير، وهو ما صرح به القائد السبسي. تحالف يقوده وزير سابق منذ أيام الحبيب بورقيبة، عمره فوق الثمانين، فماذا يملك مثل هذا الشخص ليقدّمه لتونس والتونسيين بعد الثورة؟

الآن يُعاد تدوير الكتلة الحاكمة، مع استمرار تهميش العنصر الأهم: الشباب، الذي قام بالثورة وقدّم التضحيات، فلما جاء موسم القطاف وجد نفسه خارج المعادلات.

نتمنى أن تنهض تونس الشقيقة بشبابها وأبنائها، وبمثقفيها وشغيلتها وفلاحيها، وترسم لنفسها طريقاً جديداً للمستقبل، وألا تعيد إنتاج تجارب الاستبداد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4436 - الأربعاء 29 أكتوبر 2014م الموافق 05 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 5:21 ص

      رقم 8 يبدو انك لا تعرف ماذا يجري في البلاد

      كلنا نتمنى معك أن تنهض تونس الشقيقة بشبابها وأبنائها، وبمثقفيها وشغيلتها وفلاحيها، وترسم لنفسها طريقاً جديداً للمستقبل، وألا تعيد إنتاج تجارب الاستبداد.
      هذه مشكلتك لأنك لا تفرق بين الضحية والجلاد.ولا تعرف معنى كلمة الاستبداد.

    • زائر 8 | 4:34 ص

      أتمنى

      نعم صحيح ،الرجاء انصح الجمعية التي لا تقدر على نقدها أن تبعد البلاد عن الانزلاقات وتكون مرنة مثلما فعل الأخوان المسلمين في تونس ، اللهم احفظ البحرين وشعبها بكل طوائفه

    • زائر 7 | 3:38 ص

      فضايح

      وفي العام الماضي ارتبطت أكبر فضيحةٍ جنسيةٍ في العالم، فيما عُرف بـ «جهاد النكاح»، تكلّم عنها وزير الداخلية علناً أمام البرلمان، وبثتها التلفزة الرسمية أيضاً. وفي 19 أبريل/ نيسان الماضي، أعلن مفتي تونس الشيخ عثمان بطيخ، أن 16 فتاة تونسية تمّ التغرير بهن وإرسالهن إلى سورية من أجل «جهاد النكاح» الذي اعتبره «بغاء»،

    • زائر 5 | 2:15 ص

      تصحيح للمصحح...

      إلى زائر 4///// البيت الذي ذكرته لايليا ابو ماضي والبيت الذي ذكره السيد قاسم للمتنبي.

    • زائر 6 زائر 5 | 3:31 ص

      صدقاَ

      العنوان مُجتًزًأ من بيت لأبي الطيب :
      نحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ *** أطَوِيلٌ طَرِيقُنَا أمْ يَطُولُ

    • زائر 4 | 1:02 ص

      سيد ماهكذا تورد

      يقولون :
      وطريقي ما طريقي أطويل أم قصير
      أئنا السائر في الدرب أم الدرب يسير
      الى آخر القصيدة سيدنا وأنت أدرى بها .. طوال الاف السنين طحن الناس في ظلم وجور الا في حقب بسيطة من العدالة التي ليس لها نظير .. السلام على من حكم فعدل من أمثال عمر ابن الخطاب والإمام علي عليه السلام وعمر ابن عبدالعزيز

    • زائر 3 | 12:43 ص

      الطريق طويل

      امام الشعوب العربية واصحاب النفوذ والسلطان لن يتنازلوا لها ابدا.والحقوق تؤخذ ولا تعطى.

    • زائر 2 | 12:29 ص

      اختك مثلك

      نفس الاحزاب.نفس الحكومات.والضحايا نفس الشعوب.

    • زائر 1 | 10:50 م

      خلصت القضايا البحرين ؟

      لا تدخل في شؤون دول غير ولا تروح بعيد. تكلم عن البحرين.

    • زائر 9 زائر 1 | 5:03 ص

      الى رقم 1

      اذا ما تفهم الرسائل ليش تقرأ لكتاب الوسط؟

اقرأ ايضاً