العدد 4459 - الجمعة 21 نوفمبر 2014م الموافق 28 محرم 1436هـ

السُّورِيَّتَان المرفوضتان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في السياسة، ليس كل شيء مؤامرة. لكن ذلك لا يعني أن لا مؤامرة في السياسة. في أحيان كثيرة، تبدأ الأحداث كنتيجة طبيعة للتدافع الأبعد، لكن تلك الأحداث ما تلبث أن تُوضَع على سِكَّة المصالح الدولية، حين ترى قوى النفوذ تلك أن مآل الأمور قد لا تكون وفقاً لمصالحها، فتتداعى إلى موضعتها كما يجب.

قبل أيام صُدِمَ العالم العربي باقتراح أميركي (غير رسمي لكن يتم إنضاجه) يقضي يتقسيم سورية إلى دولتين. الأولى تسمى سورية الشمالية وتكون عاصمتها مدينة حلب، والثانية تسمى سورية الجنوبية وعاصمتها دمشق، بالضبط كما فُعِلَ بألمانيا بعد الحرب الكونية الثانية (غرب/شرق) وكذلك بكوريا في خمسينيات القرن الماضي.

الموضوع ليس بهذا الإجمال، بل ينطوي على تفاصيل دقيقة للفرز الجديد. فهو حين يتحدث عن سورية الشمالية، يدبغ خارطتها المفتَرَضة باللون البرتقالي القاتم ليجعلها من نصيب السُّنَّة، ثم ذات اللون ولكن بدرجة أقل كتحديد لمناطق الأكراد السوريين. ثم يفتح الباب لسورية الجنوبية حيث يجعل من لونها على الخارطة الجديدة أخضراً، يبدأ قاتماً كالسابق ثم يتدرج نزولاً مغطياً بقية الطوائف والأعراق في «الجنوب».

ما يزيد الأمر خطورةً أن مثل هذا الملف، بات مطروحاً في أروقة أكاديمية للبت فيه. وقد تحدث فعلاً مسئول قسم الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس من أن هذا التقسيم الجديد لسورية هو «تنظيم خلافات الطوائف والأعراق والأديان بعد فشل الدولة القومية»، وبالتالي هو «ترتيب دموي للبيت الداخلي في كل دولة» بعد الربيع العربي.

بل إن التفصيل أخذ مدى أبعد عندما ذهب هذا الرجل إلى ضرورة إشراك تركيا في الخطة «بحيث تدخل قوات تركية تحت غطاء من الحظر الجوي إلى الشمال (السوري) ليسمح ببناء المجالس المحلية وقوات شرطة وتوفير الأمن واستعادة الحياة الاقتصادية لتنتعش المنطقة»، ثم إقامة ميناء في كَسَبْ (شمال/غرب) كمخرج لحصار جغرافيا سورية الشمال.

ثم يتابع حسب صحيفة «الحياة» اللندنية، بأن «تقبل المعارضة بالتخلي عن درعا وغوطة دمشق والقَلَمون بحيث تكون دولة الجنوب تحت نفوذ إيران بما يضمن النفوذ في لبنان والعلاقة مع حزب الله، مقابل أن يتخلى النظام عن حلب والرقة ودير الزور لتصبح الدولة الشمالية تحت النفوذ التركي مع فتحها أمام الاستثمارات الغربية والخليجية».

ثم يُضيف بأن الدولتيْن السوريتيْن الشمالية والجنوبية هما ليستا على شكل ما من التواصل أو العلاقة السياسية أو الوطنية ولو بالحد الأدنى، بل إن المشروع هو قطعي لأي وصل بينهما ويقتضي أن يكون هناك «دولتان، علمان، حكومتان، جيشان، عاصمتان، جوازا سفر، منطقتا نفوذ بين الغرب وحلفائه في المنطقة، وروسيا وإيران وحلفائهما».

هذا ما يُعَد إلى سورية اليوم في دوائر غربية سوداء. ولأن هذا المشروع هو تفتيتي، ولا يمت إلى «الحرص» على الأديان أو الطوائف أو الأقليات بصلة من وجهة نظر غربية، نرى أنه دفع معارضي الأسد وموالاته بالسَّواء إلى التوحّد ضده بشكل صريح. فالسوريون وإن كانوا قد وَلجوا الربيع العربي من أجل دولة أكثر عدالة، لكنهم لا يريدون لتلك الدولة أن تتفكّك.

قال أحدهم وهو من سَهْل حوران وأحد التجار المناصرين للمعارضة: «ما يجمعنا مع النظام على رغم كل شيء أنه لا يزال يريد كل سورية. إنه لا يزال يدفع الرواتب في أرجاء سورية بما فيها مناطق المعارضة ويحاول توفير الكهرباء والخدمات أيضاً». هذا هو الشعور الآن في سورية، لا في هؤلاء حصراً ولا عند أولئك وحدهم، وهو الأمل الذي سيُفشِل الخطة.

إن الغرب يعتقد أنه يعلّمنا كيف نعيش وكيف نتعايش، لكن بعد أن يُسعِّرنا ويُحَمِّينا تجاه بعضنا. دولة لازال اللاتينيون والطليان فيها لا يعرفون كيف يُفسِّروا تاريخهم مع البِيْض ضمن هوية كولومبوس، يريدون أن يقولوا لنا افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك!

عليهم أن يأتوا إلى طرطوس (العلوية إن أحبوا هذه التسمية) ليشاهدوا كيف احتضنت مليون ونصف مليون سُنِّي مُهجِّرين (إن أحبوا التسمية أيضاً)، وفتحت لهم البيوت والأسواق، حتى تعاظمت ثرواتهم. لستُ أنا مَنْ يقول ذلك، بل عارف دليلة وهو من أكبر شخصيات المعارضة السورية في الخارج.

هذا الأمر يجب أن يكون معلوماً. لقد دُمِّر العراق وجيشه وسِلمه الأهلي، ثم فعلوا ذلك مع ليبيا ومع مصر (لولا رعاية الله)، واليوم يريدون أن يُجهِزوا على سورية أرضاً ومجتمعاً تحت حجة حماية السُّنة والأقليات من توحُّش متبادل. عليهم أن يتأملوا قليلاً في وقفة دروز السويداء قبل أيام عندما حَمَوا القنيطرة من فتنةٍ مُحققة، أريدَ لها أن تندفع ثأراً بثأر، رافضين الانتقام لمقتل ثلاثين درزياً في كمين غادر لميليشيات إسلامية معارضة.

دولةٌ للشيعة وأخرى للسُّنة في العراق، ودولةٌ للعلويين وأخرى للأكراد وثالثةٌ للسُّنة في سورية، لكي يقال لـ «إسرائيل» تفضّلي أنتِ ودولتك المقامة على أساس ديني: دولة يهودية! فلم تعد هناك غضاضة من أحد، من أن يكون لكِ ما تريدين! هل هذا ما يُراد لسورية وللعرب؟

إن علينا في هذه اللحظة الفاصلة أن نتذكّر جيداً بأن «عدم الإحساس بالمسئولية هو السبب في الفشل، فكل واحد ينتظر أن يبدأ غيره» كما كان يقول محمد بن عبد الكريم الخطابي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4459 - الجمعة 21 نوفمبر 2014م الموافق 28 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 10:02 ص

      استاذ ماذا تريد من الاستعمار

      وعندنا من يستجدي الاجنبي .

    • زائر 2 | 11:46 م

      قالت كوندا(كونداليسا رايس) بالفوضى الخلاقة ندمر الأوطان كي نهيمن إكثر.

      وقودها نحن ،وذلك بإشعال الفتنة الطائفية، لنهب خيرات الشعوب وجعلها سوقا لترويج منتجاتها....وطبعا لأجل عيون الصهاينة في تحقيق حلمهم في التمدد من البحر الى النهر....المحور الأساسي في هذا المخطط الجهنمي هي سوريا،لأنها الوحيدة الصامدة بشعبها وقيادتها ضده....أما المستعربين الآخرين المتشبثين بالحكم بغير حق فهم أداة نكداء في مخطط الأعداء

اقرأ ايضاً