العدد 4463 - الثلثاء 25 نوفمبر 2014م الموافق 02 صفر 1436هـ

ليالي مفاوضات النووي في فيينا

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

المتتبع لمحادثات البرنامج النووي الإيراني عن كثب في فيينا، سيمره ضجيجاً إعلامياً مصحوباً بسيولة تصريحات عليهم سيل من اللقاءات المكوكية. قبلها بأسابيع كانت مسقط محطة المحادثات الرامية إلى تحقيق اختراق في الملف النووي، إلا إنه وحتى كتابة هذه السطور لايزال الملف يراوح مكانه في فيينا بسبب القضايا الخلافية السياسية المعقدة، ما يعنى إن إيران ومعها القوى الكبرى تسابق الزمن، لم لا وثمة حصار دولي اقتصادي يخنق اقتصادها، مقروناً بسبع قرارات دولية من العقوبات التي يندرج اثنان منها تحت الفصل السابع.

لقاء فيينا وضع نهايةً للمهلة الزمنية التي اتفق عليها للتوصل إلى اتفاق نهائي في محادثات دول (5+1) التي تواجه إيران، وهي روسيا والصين وإنكلترا وفرنسا وألمانيا وأميركا. بالطبع طرفان رئيسيان منها هما الأكثر احتياجاً ومصلحة وبإلحاح لتحقيق الاتفاق، نقصد بهما أميركا وإيران... كيف؟

كل المؤشرات تشير إلى عزم واشنطن على حل المسألة النووية الإيرانية بالوسائل الدبلوماسية، ولا يخفى بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما يأمل بتحقيق إنجاز استراتيجي في الملف قبل نهاية ولايته، يقول نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودس: «إن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران هو على رأس أولويات واشنطن، وسيكون إنجازاً كبيراً لسياسات الرئيس أوباما الخارجية»، فالولايات المتحدة برأيه، تحرص على إصلاح العلاقات مع الجمهورية الإيرانية للمساعدة على حل قضايا عالقة أخرى، وهي ترى فيها –أي إيران- محوراً مهماً نحو معالجة الصراعات في أفغانستان والعراق وسورية واليمن.

أما إيران فتشارك في المفاوضات من منطلق قوة اكتسبتها بفعل ما راكمته من أوراق تفاوضية، كورقة العراق واليمن ولبنان وسورية، وبالتالي تتطلع إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بأقل الخسائر والأثمان، وبما يعزّز اقتصادها وينعكس عالمياً في مستوى استثمارات الغاز والنفط، فضلاً عن الاعتراف بها كقوة نفوذ لها مكانتها.

بالمقابل هناك من ليس له مصلحة في التوصل لحل نهائي، فـ «إسرائيل» مثلاً مستفزة وترفض أي اتفاق قد يؤثر بهذا القدر أو ذاك على وضعها الإقليمي. وقد عبر عن ذلك رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بشكل فاقع حين قال: «لا يجوز أن يسمح لإيران بتثبيت نفسها كدولة حافة نووية»، أو أن يبقى لديها الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي ستمكّنها من تخصيب اليورانيوم المطلوب لتصنيع قنبلة نووية، وتطوير صواريخها العابرة للقارات وهي تحمل رؤوساً حربية نووية ما يهدّد العالم أجمع، وإن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه وضع مشابه لأسبانيا والسويد وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا. هكذا تردّد معه بروبوغندا الكيان الصهيوني. إذاً «إسرائيل» خائفة مرعوبة من تعاظم السلاح النووي وقوة إيران العسكرية، ويلتقي معها في الخوف والتوجس بالطبع أغلب دول الخليج العربي، لكن القلق الإسرائيلي أكثر شدةً لو حدث اتفاق، ولهذا تشدّد الولايات المتحدة على التزامها لـ «إسرائيل» بمنع حصول إيران على السلاح النووي.

ومنه نستنتج وجود مصلحة جوهرية ورئيسية بين طرفي النزاع الحقيقيين، إيران وأميركا، في التوصل إلى اتفاق، أما بقية الأطراف فلديها مصلحة وأيضاً تناقضات مستترة بشأن التوصل لاتفاق، لجهة تضارب بعض المصالح وتشابكها خصوصاً وأن بعضهم يحاول عرقلة المفاوضات تماماً كما تفعل فرنسا التي تنافق اللوبي الصهيوني وتحاول الاستنفاع من عقد الصفقات الاقتصادية وبيعها الأسلحة لبلدان الخليج، لاسيما مع تنامي علاقتها بالسعودية مقابل توتر علاقة الأخيرة بالولايات المتحدة على خلفية الموقف الأميركي من حل النووي الإيراني، فيما يسهل بعضهم المحادثات ليس حباً في إيران إنما تحقيقاً لأهداف تعنيه في تحسين وضعه في إطار اللعبة، لم لا وقد شكلت مفاوضات فيينا منعطفاً جديداً كما يرى المراقبون في الصراع الدولي على النفوذ في المنطقة بين أميركا وإيران، فيما يرى آخرون إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي حقيقي فإن أي تمديد جديد للمفاوضات يعنى وضعاً سياسياً بالغ الخطورة.

في شأن التمديد، ترى «إسرائيل» أنه يمثل أهون الشرّين، باعتبار إن أي اتفاق سيتم سيصب في مصلحة إيران. وللروس والصين أيضاً مواقفهم وحساباتهم، فروسيا في حالة توازن مصالح ولا تتمنى اتفاقاً شاملاً، لاسيما وهي التي ستحمل أميركا مسئولية أي فشل يحدث، وتفضّل انشغال الأخيرة بالمفاوضات عوضاً عن التفرّغ لمواجهة روسيا في أوكرانيا. كما إن روسيا بحق مستريحة ومستفيدة من الوضع الحالي خصوصاً مع تنامي علاقتها بإيران التي عقدت معها اتفاقاً مؤخراً لإنشاء محطتين جديدتين لإنتاج الطاقة النووية، وهذا حتماً يعزّز الأوراق التفاوضية الإيرانية.

أما الصين وكون إيران أكبر مورد للنفط لها، فتشعر أن توتر علاقات إيران بأميركا والغرب أفضل لها. في هذا الصدد يشير أحد كتاب «السفير» إلى أن «التوصل إلى اتفاق نووي وتطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن قد يدفع الشركات النفطية الأميركية إلى السوق الإيراني معزّزةً بتفوقها التكنولوجي في مجال التنقيب والاستكشاف والاستخراج على التكنولوجيا الصينية، فتخسر الصين العطشى لموارد الطاقة اقتصادياً ونفطياً السوق الإيراني» وهو محقٌّ فيما ذهب إليه.

في السياق رئيس الوكالة الدولية للطاقة يؤكد «أن إيران توقفت عن الإجابة على أسئلة الوكالة بشأن جهودها في تطوير أجزاء من القنبلة النووية، وبالتالي فهي لم تلتزم بتعهداتها الماضية بتسليم كل المعلومات المتعلقة بالجوانب العسكرية المحتملة لبرنامجها النووي»، خصوصاً وقد منعت مفتشي الوكالة من دخول منشأة «بارشين» العسكرية السرية. هل هذا صحيح؟

- يبدو الأمر كذلك، بيد أن رئيس وكالة الطاقة الإيرانية علي صالحي يرد بثقة: «عاجلاً أو آجلاً، ستوقع إيران ومجموعة (5+1) اتفاقاً» على رغم إقراره أنه لم يُحرز تقدّم ملموس بشأن القضايا العالقة المتمثلة في القدرات الإيرانية على تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات عن طهران، وأن إيران مستعدة لإجراء تعديلات إضافية على مفاعل «آراك» النووي، وتصميمه على نحو يبدّد القلق ويحدّ من قدرته على إنتاج البلوتونيوم بالكمية التي تحتاجها القنبلة النووية، وهي 10 كيلوغرامات.

أما بشأن الجانب التقني -والقول لصالحي- لم يعد هناك مجال لمفاوضات إضافية، مشدداً على عدم السماح بأي تفتيش خاص للمنشآت خارج إطار معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، خصوصاً وأن إيران التزمت بشروطها وطبقّت البروتوكولات الإضافية لها. في المعلوم تمتلك طهران 19 ألف جهاز طرد مركزي يعمل 9 آلاف منها على إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة تتراوح 5% و20% في منشأتي «نتانز» و»فوردو»، وهذا يعارضه الغرب والأميركان، ويحاولون إبطاء المشروع النووي الإيراني سواءً بأغراضه العسكرية أو المدنية. من هنا إلى أين؟ وما الخيارات؟

إلى خيار التمديد وإبرام اتفاق مؤقت، أو ما وُصف بـ «نصف اتفاق»، يتضمن التمسك باتفاقية جنيف التي توصي بضرورة التوصل لاتفاقٍ نهائي، وعدم فرض عقوبات جديدة على إيران، ومواصلة المفاوضات في القضايا العالقة في مدة قصيرة، الأهم حصول إيران على 700 مليون دولار شهرياً من أرصدتها المجمدة، مقابل عدم اتخاذها أي خطوات تصعيدية في نشاطها النووي.

عملياً، أي تمديد قد يحمل معه احتمالات النجاح، بيد إنه سيؤدي حتماً إلى تأجيل تسوية قضايا سياسية إقليمية؛ ما يعني مزيداً من البطش والاستبداد وسفك الدماء ومشاهد الموت وارتفاع ضحايا الفقر والتشرد واللجوء والجوع، خصوصاً في العراق ولبنان وسورية واليمن والحبل على الجرار، فكلها قضايا معقّدة ومتشابكة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4463 - الثلثاء 25 نوفمبر 2014م الموافق 02 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:22 ص

      الى زائر رقم 2

      لا تحبس نفسك في هذه الفكرة ... ماهو دليل معاداة ايران للعروبة والاسلام؟ وهل حاولت التفكير بموضوعية لتفنيد هذا الادعاء أو اثباته؟ أم أنه ترديد لما يملى علينا في الإعلام ليلا وصباحا؟ شخصيا أردد مثل هذه المقولة ولكن أصطدم بأن ايران هي الدولة الوحيدة التي تدعم مقاومة أهل فلسطين وهي الوحيدة التي تتطور علميا ف يمواجهة الغرب وتتمتع بشيئ من الاستقلالية والندية

    • زائر 2 | 11:27 م

      أمريكا و ايران

      أمريكا و ايران وجهان لعملة واحدة فكلاهما يعادي العروبة و الاسلام الأصيل

    • زائر 1 | 11:15 م

      تعليق لا اكثر

      ذكرتيني على هالمقال الطويل بغنية اسمهان :
      ليالي الأنس في فيينا ..
      نسيمها من هوا الجنة ..
      عموما شكرًا للكاتبة .. موفقه ..

اقرأ ايضاً